ليس هناك دولة في المنطقة والعالم تبدي تعاطفاً مع القيادة القطرية في حيال دول مجلس التعاون سوى إيران، التي أعربت عن دعم القيادة القطرية في مواقفها المناوئة لدول الجوار، وسعت إلى النفخ في نار الأزمة، وفي هذا الإطار، قال حميد أبو طالبي، المساعد المتخصص بالشؤون السياسية بمكتب الرئيس الإيراني، حسن روحاني إن عهد ما وصفه بـ”الشقيق الأكبر” قد انتهى، بينما بدأت دوائر إيرانية بعرض تصدير الأغذية إلى قطر على خلفية إغلاق حدودها مع السعودية. واللافت في تصريحات المسؤول الإيراني قوله إن “عهد التحالفات” قد انتهى!! كيف انتهى عهد التحالفات وأنتم تتحالفون مع الأسد في سوريا والحوثي في اليمن؟ أم أنه يقصد ـ وهذا هو الأرجح ـ انتهاء عصر التحالفات المؤسسية المعلنة التي تعتبر ركيزة للأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وأنها انتهت وسقطت لمصلحة التحالفات السرية المشبوهة، والتحالفات المؤقتة بين الدول والتنظيمات وغير ذلك!!
وفي ما يبدو أن المسؤول الإيراني يحاول خداع الجمهور، يتساءل مدعياً الاستغراب والدهشة “كيف لبلد صغير السعي للإطاحة بالحكومة الشرعية في البحرين ودعم داعش والقاعدة والتطرف في صحراء سيناء وإيجاد تصدع في التحالف (مجلس التعاون)”، ويشير بذلك إلى الممارسات التي أكدت الدول التي اتخذت قرار المقاطعة أن قطر قد تورطت فيها، ويتجاهل أن كل هذه الممارسات لا تحتاج سوى أمرين اثنين: قرار وتمويل، لا أكثر من ذلك ولا أقل، ولا علاقة لكل هذا بحجم الدول صغيرة أو كبيرة، فكارثة القيادة القطرية تكمن في التمويل والتخطيط ولم يدع أحد أنها تدير ميلشيات أو تقود تنظيمات أو ترسل قوات ولا غير ذلك.
التمويل هو أخطر عناصر منظومة الإرهاب، بل هو الأوكسجين الذي يمنحها المقدرة على الحياة والاستمرار، ومن دونه يصبح استمرار هذه التنظيمات مشكوك فيه، فالمال يحفز أمراء الإرهاب على مزيد من القتل وسفك الدماء وارتكاب الجرائم وتجنيد الشباب، وكلنا يعلم أن هؤلاء المجرمين ليسوا أصحاب رسالة مقدسة كما يزعمون بل هم عصابات لا تجيد سوى القتل والذبح من أجل المال!!
وكي ندرك حجم ما ارتكبته قطر في حق الشعوب العربية، الباحثة عن الأمن والاستقرار، نشير إلى أن موقف القيادة القطرية قد شق الصف العربي والإسلامي في مواجهة إيران، ومنح الملالي فرصة ثمينة للتشكيك في موقف دول مجلس التعاون التي تشعر بالقلق جراء المؤامرات الإيرانية المتواصلة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وتدخلها في الشؤون الداخلية للسعودية والبحرين وغيرهما.
السؤال الآن: هل التعاطف الإيراني الشديد مع قطر ناتج عن منح طهران فرصة التشكيك في صدقية القلق الخليجي والعربي فقط؟
في إجابة هذا السؤال لابد من الإشارة إلى أن الموقف الإيراني يبدو لافت بحد ذاته لأن قطر كانت تعمل ـ نظرياًـ ضد مصالح إيران في اليمن، حيث كانت تشارك في التحالف العربي لاستعادة الشرعية الدستورية في هذا البلد الشقيق، ويفترض أنها كانت تخوض صراعاً عسكرياً مع الحلفاء العرب بقيادة السعودية ضد الحوثي وصالح الذين تدعمهم إيران !! وفي سوريا كانت قطر على النقيض أيضاً من مصالح إيران، حيث كانت لا تكف عن المطالبة بإطاحة الأسد وتدعم المعارضة السورية بالتمويل والسلاح، ويفترض أنها أحد الأطراف التي تقف وراء تشكيل الجيش السوري الحر، العدو الأول للرئيس الأسد، حليف طهران الاستراتيجي، الذي تدعم بقائه بكل قوة!! بل إن قطر أكثر الأطراف الإقليمية إصراراً على إطاحة الأسد من المشهد السياسي السوري في تنافر قوي مع مصالح إيران الاستراتيجية في سوريا.
كيف لإيران إذن أن تدعم قطر التي يفترض أنها تعمل ضد مصالحها في اليمن وسوريا؟ وكيف يمكن فهم ذلك؟! صحيح أن تقلبات السياسة والمصالح واردة في عالم السياسة، عملاً بالمبدأ القائل بانه ليس هناك أصدقاء ولا أعداء دائمون ولكن هناك مصالح دائمة، ولكن هذا التناقض لا يزال قائماً ولم يمض عليه وقت أو ينتهي كي يقال إنه انتهى وطويت صفحته وفتحت صفحة جديدة، فالموقف القطري في سوريا يفترض أنه لا يزال قائماً، وقطر ظلت أيضاً عضواً في التحالف العربي حتى الأمس القريب حيث استبعدتها دول التحالف من المشاركة في العمليات العسكرية في اليمن بعد صدور قرار المقاطعة!!
كيف يمكن تفسير هذه التناقضات؟ هل يمكن تفسيرها في ضوء لعبة الخداع القطرية المتواصلة؟ بمعنى أن قطر كانت تدعم المعارضة السورية في العلن فقط وأن مناوئتها للأسد كانت شكلية أو ظاهرية؟ وهل كل أدوار قطر الإقليمية والدولية ليست سوى “تمثيل” وأنها تلعب الدور ونقيضه، وتتخذ الموقف ونقيضه؟ وإنها تعمل بمنطق التنظيمات ولحساب أطراف إقليمية ودولية أكبر؟
الكثير من الأسرار وراء الدور القطري لا تزال غامضة، أو غائبة، واختفاء القيادة السياسية القطرية الحالية من مسرح الأحداث في حال وقوع انقلاب ناعم أو تغيير داخلي هادئ سيحل “شفرة” الكثير من الالغاز التي تحيط بدور قطر في العقدين الأخيرين، وبالأخص في السنوات القلائل الماضية منذ اضطرابات عام 2011.
نقلاعن ایلاف