مشى أغلب الماركسيين المصريين وراء البكباشى عبد الناصر، وصدّقوا أكاذيبه عن (الاشتراكية العربية) رغم أنّ أعضاءً من بعض التنظيمات الشيوعية كتبوا تحليلا (وهم داخل المُعتقلات) أنّ ماحدث من مصادرة الأموال وتأميم الشركات والمصانع كان (رأسمالية الدولة) وإذا كانت الدولة هى (ضباط يوليو1952) فالأدق أنّ الضباط حلوا محل أصحاب الشركات والمصانع.
وبالرغم من ذلك ظلّ أغلب الماركسيين (وخصوصًا الذين عملوا فى مؤسسات الدولة بعد الافراج عنهم) يكتبون عن عبد الناصر((نصيرالعمال والفلاحين)) رغم أنّ النقابات العمالية واتحاد العمال تحت إشراف المباحث، وكيف يكتبون عن (زمن الفلاح السعيد) مع سيطرة الجمعيات التعاونية الزراعية (الحكومية) على كل شأن من شئون الفلاح، مثل الحصول على البذوروالرى والكيماويات (بعد كارثة السد العالى الذى حرم التربة الزراعية من الطمى، ورفض عبدالناصرالاقتراحات البديلة التى تؤدى أغراض السد بدون حرمان الأرض من الطمى) وبسبب أجهزة القمع الناصرية (الإدارية والبوليسية) حدثتْ هبات فلاحية عديدة باعترف الناصرى/ الماركسى المحترم عريان نصيف الذى كتب ((فى فترة الحكم الناصرى قامت هبات فلاحية فى باسوس، كمشيش، أوسيم، الحواتكة، مطاى، بنى صالح، شبرا ملس والعشرات من قرى مصر)) (مأساة الفلاح فى زمن الانفتاح- كتاب الأهالى- مارس2001- ص38) أما الأكذوبة الثانية التى أطلقها عبدالناصروروّج لها إعلامه فهى (الوحدة العربية) وتوأمتها (القومية العربية) فى محاولة لوأد (القومية المصرية) وكما هلــّـل أغلب الماركسيين ل (إنجازات) عبدالناصر(الاجتماعية) كذلك هلــّـلوا ل (الوحدة العربية) و(القومية العربية) وعندما كنتُ أتناقش مع أصدقائى الماركسيين المؤمنين بالعروبة، وأقول لهم إنّ شعبنا مصرى وليس عربيًا، كان ردهم (الوحيد والمُـتطابق) ((أنت هكذا تدعو للتفرقة والتجزئة.. وهذا لصالح إسرائيل))
ولكن بعد مُـتوالية الهزمات والكوارث التى حلـــّـتْ على شعبنا بسبب الحكم الناصرى (هزيمة56، حرب اليمن من 62- 67، كارثة بؤونة/ يونيو67) بخلاف تبديد أموال شعبنا على الأنظمة العربية (التدخل فى العراق وسوريا) بعد هذه الكوارث، وخاصة هزيمة 67، راجع بعض الماركسيين أفكارهم وقناعاتهم، خصوصًا فيما يتعلــّـق بمسألة (العروبة) وكان من بينهم– كمثال– د. فوزى منصورفى كتابه (خروج العرب من التاريخ) الذى انتهى من كتابته عام1988 باللغة الإنجليزية ثم صدرتْ الترجمة العربية عن مكتبة مدبولى- عام93. فى المقدمة كتب د. منصورأنه كتب هذا الكتاب لأنه يخشى أنْ يكون مصيرالعرب مثل مصيرالهنود الحمر. بل إنّ ((هذا المصيرينتظرنا رغم كثرة مواردنا وإتساع أراضينا ووفرة أموالنا)) كما أنّ مأساة العرب تتمركزحول كثرة الانقسامات والحروب الدائرة بين العرب، وانصرافهم عن الخطرالصهيونى القابع فى دارهم إلى المعارك و(الانقلابات) العائلية. بل وتحالف بعضهم الصريح والضمنى مع العدوالأصيل الأجنبى ضد اخوتهم. وأنّ التحالف مع العدوظاهرة قديمة فى تاريخ العرب. وأنا اخترتُ كتاب د. منصورلأنه رغم تحليله والأسباب التى ساقها عن مستقبل العرب (وخروجهم من التاريخ) فإنه يتمسّـك بأمل أنْ العرب قد يلحقون آخر عربة فى قطارالتقدم كما فعلتْ الشعوب المُـتحضرة، وهذا (الأمل) أسّسه على نصيحة عليهم أنْ يعملوا بها وهى ((ليس للوطن العربى ككل ولا للأجزاء المُـكوّنة له، مستقبل خارج مشروع توحيدى قومى)) (ص175) أى أنه ردّد كلام الناصريين حول (القومية العربية) وبالتالى فإنّ شهادته غيرمجروحة، ولايمكن اتهامه بأنه (عدوللعروبة) كما وصفوا كل من نادى ب (القومية المصرية) بل إنه أدان ((الحملة الخبيثة التى أطلقها السادات المُعادية للعروبة)) (ص176)
ولكنه كان أمينـًا وهويشرح أسباب (خروج العرب من التاريخ) من ذلك أنّ الأنظمة العربية تتكامل مع المركزالرأسمالى العالمى، من خلال تدفق الأموال العربية الفائضة إلى الرأسمال العالمى. ثمّ تدفق تلك الأموال فى الاتجاه العكسى، فى شكل قروض وتسهيلات ائتمانية. وعلى هذا النحوتــُـستخدم فوائض الأموال العربية المُعاد تدويرها فى تحقيق تكامل أكثرتبعية للدول العربية مع النظام الرأسمالى العالمى. ثم شرح عدة أنواع من التبعية. ومقابل هذه التبعية فإنّ الدول الرأسمالية الكبرى تحمى عروش الحكام العرب، كما حدث عندما اضطرالنظام السعودى عام 1983(وكان فى أوج رخائه النفطى) إلى الاستنجاد بدولة أوروبية لكى تــُـرسل له جنود المظلات لتخليص النظام السعودى من تمرد مسلح نظــّـمه فريق من رعايا المملكة السعودية. رغم أنّ السعودية كان بها أسلحة فى مخازنها دفعتْ فيها بلايين الدولارات (179، 180) ورغم كل ذلك فإنّ د. منصورلم يفقد الأمل ((فى بناء الأمة العربية المُوحـّدة)) (ص24) كتب ذلك رغم ادراكه واعترافه بحالة العجز العربى الذى عبّرعنه قائلا ((إنّ الدولة (الصغيرة) إسرائيل خاضتْ خلال أربعين عامًا أربعة حروب مع جيرانها. وتخلــّـلتْ تلك الحروب وأعقبتها غارات وضربات وغزوات..وفى جميع المواجهات الكبرى الأربع كان نصيب الجانب العربى الهزيمة..وفى كل مرة تكون الهزيمة أكبرمن سابقتها. وكان العرب يُـقـدّمون فى كل مرة عذرًا أشد قبحـًا، بينما يُحقق العدو(الامبريالى) الإسرائيلى مزيدًا من المكاسب. واعترف بأنّ إسرائيل– حتى بعد حرب73 ((دولة مُـهيمنة فى المنطقة وقائمة بذاتها وليس بوصفها مجرد وكيل عن الدول الامبريالية المُساندة لها)) فكان د.منصور بذلك يرد على الأكذوبة الناصرية أنّ إسرائيل ((الولاية الأمريكية رقم51))
ود.منصورشهادته غيرمجروحة– كذلك– لأنه ردّد كلام العروبيين أنّ اللغة العربية هى اللغة (الأم) لسكان المنطقة العربية (ص34) وهذا غيرصحيح فى ضوء علم اللغويات، لأنّ (لغة الأم) هى اللغة التى يتكلمها الطفل قبل بلوغ سن المدرسة، لذلك فإنّ شعبنا المصرى– كمثال– لايتكلم اللغة العربية فى حياته اليومية. حتى شيوخ الأزهرلايتكلمونها فى البيوت والأسواق كما كتب طه حسين فى كتابه (مستقبل الثقافة فى مصر) الصادرعام 1938. كما أنّ د.منصورتجاهل الأكراد والأمازيغ والنوبيين. ولكنه كان أمينـًا وموضوعيًا عندما تناول (الأقليات) الدينية والعرقية فكتب ((ومن الواضح أنّ أهمية (الأقليات) الواعية بذاتها ووجودها كأقليات مُـتمايزة، سيتوقف بالأساس على ما ستفعله (الأمة العربية) بنفسها: هل ستكون أمة تترك نفسها للتعصب الدينى والانغلاق الإثنى واللغوى؟ أم ستـُجـدّد نفسها لتــُـصبح مجتمعًا مُـتسامحـًا مفتوحـًا، مُـستعدًا لإشباع المطالب المشروعة للأقليات بالتمتع بالاستقلال الذاتى الثقافى، خصوصًا عندما تكون هذه الأقليات مُركــّزة فى مناطق جغرافية مُحـدّدة؟ (ص41) وهنا يتأكــّـد أنّ د.منصورخرج عن الخط العروبى الرافض لحق هذه الأقليات بالاحتفاظ بتراثها ولغاتها مثل الأمازيغ والأكراد والنوبيين. ولكنه سرعان ماعاد إلى الخط العروبى عندما ردّد الكلام العروبى/ الناصرى فكتب أنّ ((قوى خارجية- خاصة إسرائيل- تستخدم بصورة محمومة كل الوسائل المُـتاحة لدفع الوطن العربى إلى خيارتقسيم نفسه إلى دويلات تبعًا لتوزيع الأقليات، خصوصًا الأقليات الدينية)) وإذا كانت (القوى الخارجية) تسعى للتقسيم (وهذا حق) فماذا فعلتْ الأنظمة العربية لتفادى هذا التقسيم؟ أما البديل الذى يقترحه- لتفادى هذا التقسيم (من وجهة نظره) فهو(وجود أمة عربية) ثم إذا به يستخدم لغة العلم فى تناقض مع ما سبق فكتب ((فمن ذا الذى يستطيع أنْ يُـنازع فى وجود أمة مصرية منذ عصورالتاريخ القديم؟ وهى أمة مُوحــّـدة ليس فقط بسبب اللغة والثقافة والإقليم المُستقروالمُحـدّد المعالم وإنما أيضًا بسبب الاعتماد على نهرواحد)) (من 40- 43)
أما عن الفرق بين العرب ومصر، فإنّ دخل العرب (الموارد وفق المُـصطلح العصرى) كان يعتمد على منظومة الريع من مصدريْن أساسييْن: الجزية والخراج. وفى العصرالحديث ظلّ نفس النمط الريعى ولكن تغيّرمصدره ليكون النفط (67) ولأنّ العرب ومن تبعهم من الخلفاء المسلمين، لم يسعوا لترسيخ دعائم (دولة المواطنة) لذلك كثرتْ الحروب الأهلية، لذلك عندما وصل العباسيون للسلطة، حدث خلال فترة قصيرة (60 سنة) أنْ وقع ما لايقل عن 12 انتفاضة مُسلــّـحة، وتحوّلتْ أحيانـًا إلى حرب أهلية دامتْ ما يزيد عن العام، معظمها لأسباب اقتصادية. وفى كثيرمن هذه الانتفاضات انضم العرب (الذين عملوا بالزراعة) إلى صفوف الفلاحين المصريين. وقد شنّ الخليفة المأمون حملات عسكرية لإخماد الثورات المصرية. ولكن قوات المأمون مُـنيتْ بسلسلة من الهزائم. وكان قادة قوات الخليفة من العرب يفرون على إثركل هزيمة، وينضمون إلى أقاربهم وأصدقائهم من المتمردين (ضد المأمون) الذى أرسل أخاه المعتصم على رأس فرقة عسكرية مكونة من الترك لإخماد الثورة. وكانت هذه هى الثورة المسلحة الثامنة. وبعد ذلك بعاميْن كان على القائد العام لجيش الخلافة (وهوتركمانى من فرغانة) أنْ ياتى إلى مصرلإخماد العصيان العام الذى استمرّعاميْن واشترك فيه جميع المصريين: المسلمون والمسيحيون: من الصعيد ومصرالسفلى ومن الإسكندرية، فاضطرّالمأمون أنْ يأتى بنفسه ليـُـشرف على العمليات العسكرية ضد الثوار. ولكن د.منصور تعمّد إخفاء حقيقة أنّ أعظم هذه الثورات كانت ثورة البشموريين، وأنّ زعماء الكنيسة المصرية هم الذين دلوا المأمون على مكان الثوار.
ونظرًا لبنية الموروث العربى القائم على الاعتداء والنهب، لذلك استمرّتْ تلك البنية العقلية فى العصرالحديث، حيث استمرنظام العشيرة والقبيلة وتوارث الحكم، وبالتالى الجمود، حيث أنّ نظام الحكم يظل داخل الأسرة، ثم تنشأ الصراعات داخل الأسرة الحاكمة. كما أنّ الاستعمارالبريطانى كان وراء تثبيت الملوك على العروش، ومن ذلك أنه بعد معاهدة 1853والمعاهدات اللاحقة التى أعقبتها– والتى وصل عددها إلى ما يزيد عن 200 معاهدة وقعتها بريطانيا مع 26 مشيخة أنشأتها على شاطىء عدن وحضرموت، كفلتْ هذه المعاهدات الحماية الكاملة للحكام العرب وأسرهم ضد شعوبهم وضد منافسيهم على السواء. وترتب على ذلك : 1- حلّ الحكم المطلق (القبلى) محل الديمقراطية 2- أصبحتْ المنازعات حول الحدود التى ليس لها أساس تاريخى، منازعات مُـنتشرة وسائدة بين العرب، وحتى الحدود المُـعترف بها تحوّلتْ إلى منازعات حدودية (اليمن والسعودية نموذجـًا) 3- أصبحتْ شروط المواطنة فى هذه الدول شروطــًا تحكمية (أى لاعلاقة لها بالمفهوم العلمى لمعنى المواطنة) 4- أنشئتْ نزعة جديدة محلية بصورة مصطنعة لتحل بدلامن الشعور العام بالإنتماء لشعب واحد، وإنْ يكن موزعـًا على عدة قبائل. وبينما هذه النتائج غيرضارة (نسبيًا) عندما كان الأمريتعلق بمساحات صحراء جرداء، فقد ازداد الأمرتعقيدًا بعد اكتشاف البترول، وأصبحتْ (المواطنة) تعنى الحصول على الثروات الضخمة للأسرالحاكمة. وخاصة مع دولة مثل السعودية التى توحـّـدتْ مع المصالح والمخططات الأمريكية وخضوعها لها، بعيدًا عن قضيتىْ (التوحد القومى) و(التحررالقومى) العربيتيْن (من ص115- 120)
ويُلاحظ أنّ د.منصور- فى الفقرة الأخيرة ردّد نفس الكلام عن أكذوبة العروبة، خاصة عندما أضاف أنّ ((التحررالعربى والوحدة القومية تمّ قمعهما بعنف من الامبريالية (من وجهة نظره) ولم تنتعشا من جديد إلاّفى منتصف الخمسينيات تحت تأثيرقيادة عبدالناصرالذى أثبتَ أنّ الامبريالية يمكن أنْ تــُـهزم)) وأنّ الامبريالية الأمريكية معادية للقومية العربية لإضعاف الدعوة للوحدة العربية (ص121، 122) وهذا الكلام هونفس الكلام الذى ردّده النشيد الرسمى الناصرى/ العروبى، وهونشيد ضد لغة العلم لأنّ الاستعمارالعالمى (خصوصًا الأنجلو/ أميركى) مع (ذوبان) شعوب المنطقة داخل البوتقة الجهنمية (للوحدة العربية) ليتم القضاء على خصوصية كل شعب، والدليل على ذلك أنّ بريطانيا هى التى أنشأتْ جامعة الدول العربية، وأنّ المخابرات الأمريكية هى التى أنشأتْ محطة إذاعة (صوت العرب) فى مصر، وليس فى الجزيرة العربية. ويعترف د.منصور بأنّ الأنظمة العربية تابعة للإدرة الأمريكية، فإذا كان الأمر كذلك، وإذا كانت أميركا ضد القومية العربية (كما يقول) فلماذا لم تــُـقاوم تلك الأنظمة المخطط الأمريكى المُعادى للقومية العربية؟ وأكثرمن ذلك عندما كتب أنّ الامبريالية أقنعتْ السعودية– مثلا- أنّ الطبيعة الثورية المحتومة للوحدة العربية مآلها أنْ تكتسح الأشكال البالية لأجهزة الدولة، وتدفع بطبقات وقوى اجتماعية جديدة أكثرتقدمًا، ولذك فإنّ السعودية رفضتْ وقاومتْ (الوحدة العربية) انطلاقــًا من مفهوم (عالمية الإسلام) (ص128، 129) وبالتالى يكون من حق العقل الحرأنْ يطرح هذا السؤال: أين تكمن المشكلة؟ ومَنْ السبب فى (مُـعاداة القومية العربية): الامبريالية العالمية أم الأنظمة العربية التى انقسمتْ إلى أنظمة مع (القومية العربية) وأنظمة مع (الأممية الإسلامية)؟
وتعرّض د.منصور لتجربة الجزائر، وأنّ 8 سنين من الكفاح ضد فرنسا، وأكثر من مليون شهيد، فماذا حدث؟ ماحدث أنه ((على الرغم من الثروات النفطية التى نعمتْ بها أخفقتْ فى تحقيق حلمها وهى تنتكس شيئـًا فشيئـًا إلى حالة لاتختلف كثيرًا عن جيرانها)) (ص130) ولكن ما لم يقله د.منصورأنّ الجزائر(والأدق الشهداء من الشعب الجزائرى) تخلــّـصوا من الاستعمارالفرنسى ليحل محله الاستعمار الأمريكى، فما دخل (معادة القومية العربية) هنا؟ فى حين أنّ جوهرالمأساة (سواء فى الجزائروغيرها) هوالخضوع للتبعية الأمريكية. وهذا ما عبّرت عنه السيدة لويزا حنون رئيسة حزب العمال الجزائرى فى مؤتمرصحفى حيث قالت إنّ (ديك تشينى) نائب الرئيس الأمريكى بوش الابن يمتلك 60% من رأسمال شركة الأنابيب الجزائرية (أهرام 30/3/2003) إذن فجوهرالمأساة (التبعية) والسؤال الذى تغافل عنه د.منصوروغيره من الماركسيين/ العروبيين هو: هل (معاداة الامبريالية للقومية العربية)– لوصحّ هذا الزعم- يمنع أويتعارض مع أنْ يكون لكل دولة استقلالها وإرادتها الحرة (المُـنفردة) لتحدى الاستعمارالعالمى، كما فعلتْ بعض الشعوب والأنظمة فى أميركا اللاتينية؟ سؤال يتجنــّـبه الماركسيون بما فيهم د.منصورالذى – بعد أنْ شرح تجربة محمد على ودوره فى النهضة المصرية- كتب ((والدرس الذى ينبغى استخلاصه من تلك التجربة هووعى أوروبا بما يُمكن أنْ تــُـشكــّـله الوحدة العربية من خطرعلى مصالحها ومطامعها الامبريالية)) (ص133) أى أنّ د.فوزى مُصمّم على أنّ (العروبة) تــُـشكــّـل خطرًا على الامبريالية. ثمّ عزّز رأيه بأنْ أضاف ((ولاريب أنّ الصحوة للقومية العربية، وإمكان تحقيق الوحدة العربية على أيدى حاكم تقدمى حازم (عبدالناصر) كان من الأسباب الرئيسية– إنْ لم يكن السبب الرئيسى- وراء مواجهة أووبا له)) (134)
إنّ ما ذكره د.فوزى نقيض ماحدث: حيث أنّ قانون الاستثمارقبل يوليو52 كان يُحدّد نسبة رأس المال الأجنبى ب49% وبعد سيطرة الضباط حدث العكس فأصبح 51% باعتراف د.فخرى لبيب (وهوماركسى) فى كتابه (الشيوعيون وعبد الناصر) بل واعترف د.فوزى بأنّ الامتيازات التى حصل عليها رأس المال الأجنبى بعد يوليو52، كانت أكبرمن الامتيازات قبل استيلاء الضباط على السلطة. وبهذا وجد الضباط أنفسهم فى تحالف وثيق مع رأس المال الدولى، وبصفة خاصة هيئة المعونة الأمريكية وصندوق النقد الدولى والبنك الدولى..إلخ (ص143) وعندما طنطن النظام الناصرى بالمشروع الوهمى (صواريخ القاهروالظافر) كان (الخبراء) من ألمانيا الغربية التى كان يسبها فى خطبه، وليس من ألمانيا الشرقية، وعندما أراد عبدالناصرتمويل مشروع السد العالى، لجأ– فى البداية- للبنك الدولى، وهومؤسسة استعمارية، فلماذا لم يلجأ إلى الدول العربية لتمويل مشروع السد وهوزعيم العروبة؟ والأمثلة كثيرة وكلها تؤكد أنّ عبدالناصر(نبى العروبة) لم يكن كما وصفه د.فوزى ب (الحاكم التقدمى الحازم الذى تحدى الامبريالية) كما أنه ردّد كلام العروبيين حول أخطاء الفترة الناصرية ومن بينها (البيروقراطية التى التفــّـتْ حول عبدالناصر) ولكنه لم يذكرلماذا سمح عبدالناصرلتلك البيروقراطية أنْ تلتف حول رقبة نظامه وتخنقه. وإنما اكتفى بأنْ ردّد كلام أعداء الحضارة المصرية عندما وصف تلك البيروقراطية بأنها (بيروقراطية فرعونية) (ص145) ولكنه كان أمينـًا عندما ذكرأنّ عبدالناصراستلم مصروهى دائنة لبريطانيا ب 300 مليون جنيه استرلينى (الرقم الصحيح 400مليون عند كثيرين من المؤرخين) فإذا بالوضع يُصبح العكس خلال 18سنة (فترة حكم عبدالناصر) فتتحول مصرإلى دولة مدينة ب 36 ألف مليون دولار(ص146)
وكيف يمكن تحدى الامبريالية، بينما النظام الناصرى (والأنظمة العربية) تابعة للرأسمال الأوروبى كما ذكرد.منصورفى أكثرمن صفحة بل ((والتكامل مع المركز الرأسمالى العالمى)) (ص179) وأنهى كتابه قائلا ((وفى الجملة يُمكن القول إنّ وحدة عربية تقودها البورجوازية القومية سوف تكون فى أحسن الأحوال تكرارًا– على النطاق الكلى– لنمط التطورالجزائرى بالإتجاه المُلازم له للارتداد إلى التبعية)) (ص195) ولخـّص د.سمير أمين الوضع العربى فى جملة شديدة الكثافة فى دراسته عن كتاب (خروج العرب من التاريخ) فكتب ((وبتركيزشديد أقول إنّ العالم العربى الإسلامى شكــّـل عالمًا خــّـراجيًا مُـكتملا، سمته الرئيسية المركزية الشديدة للسلطة وما ترتب عليها من اندماج الطبقة الخــَـراجية ودولتها)) (ص201) وإذا كان عنوان كتاب د.فوزى (خروج العرب من التاريخ) قد أزعج العروبيين وانتقدوه بشدة، فإنّ د.فوزى ليس ضد العروبة، لأنه كتب كثيرًا– فى نفس الكتاب عن الأمل فى (خروج حضارى) قبل أنْ (يخرج العرب من التاريخ) ولكن الروشتة التى وضعها هى نفس الروشتة العروبية ((ليس للوطن العربى ككل، ولا للأجزاء المُكوّنة له، مستقبل خارج مشروع توحيدى قومى)) (ص157) كتب ذلك رغم أنه كتب فى مقدمة الكتاب أنّ العرب قد أداروا ظهورهم للتاريخ، ووفق نص كلامه ((فالتاريخ قد يصبرعلى قوم فى هزائمهم، وقد يمد يده لمن يتخلف عن الركب، أما الذى لايتسامح التاريخ فيه أبدًا، فهوأنْ يُديرالقوم ظهورهم له، ويمضوا مُـتباعدين عنه، وذلك تحديدًا هوما يفعله العرب)) (ص6، 7)
نقلاً عن الحوار المتمدن