لأن التحذيرات الخليجية للجارة الشقيقة استمرت 21 عاماً دون توقف، ولأن انتهاك التعهدات والمواثيق والاتفاقيات المكتوبة والموقعة تواصل مرة تلو الأخرى، فلا يزال الارتباك سيد الموقف في العاصمة القطرية إثر عاصفة قطع العلاقات من قبل جيرانها ودول عدة.
مرة تعتبر الدوحة هذه الخطوة (السيادية) عدائية، ومرة تعيد أسطوانة الدبلوماسية والحوار، ومرة ثالثة تيمم وجهها نحو الصديق الإيراني، ورابعة تستعين بقوات الحليف التركي، ومرة خامسة يقول سفيرها في واشنطن إنها مستعدة لتصحيح أخطائها «في حال ثبوتها»، وهكذا تلف الدبلوماسية القطرية الحبل على رقبتها دون خطوة واحدة فعلية تثبت تفاعلها إيجاباً مع الأزمة التي أوقعت نفسها فيها، ولا تزال الدوحة تمارس تكتيكها السابق نفسه بالمراوغة والمناكفة دون أن تدري أن الوقت ينفد منها بشكل متسارع.
المثير أن الدوحة غير مستوعبة حتى الآن الكارثة الحقيقية التي تعيشها، فبعد ردة الفعل من قرار قطع العلاقات ثم قرار وضع مواطنين ومؤسسات قطرية على قائمة الإرهاب، ها هي كارثة أخرى تتعامل معها الدوحة باستخفاف عجيب، فالزلزال المدمر في هذا العالم أن يتهمك رئيس أكبر دولة في العالم بدعم الإرهاب مباشرة دون مواربة، في الوقت الذي يخدعك إعلامك وفريقك بأن لا شيء يثير القلق، ويبتعد كثيراً آلاف أميال عن الموضوع ليصف لقاء الشيخ تميم بن حمد وترمب بـ«الدافئ والودي»!، الحقيقة الواضحة والموجعة التي لا تريد الدوحة استيعابها أن ترمب قالها صريحة: «دولة قطر… للأسف… لها تاريخ من تمويل الإرهاب على مستوى عال للغاية»، مضيفا أن «الوقت قد حان لدعوة قطر لإنهاء التمويل»، صحيح أنّ واشنطن خصّت قطر بالذكر في عام 2014 باعتبارها «سلطة متساهلة في تمويل الإرهاب»، إلا أن هذه المرة أتت الرسالة بشكل مختلف في توقيتها ونوعيتها من قبل رئيس هدفه الأساسي محاربة الإرهاب، وليس كما فعل سلفه باراك أوباما، ويتوعد بشن حرب عليه لا هوادة فيها، وهذه رسالة سياسية لا تخطئها الأعين بأن القادم على قطر أسوأ، سواء من دول المنطقة أو من الولايات المتحدة أو حتى من دول أخرى ستنضم لمحاولة إيقاف ارتباطها بالإرهاب، فاتخاذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر صرامة من قطر يعني بصورة أوضح مساندة ودعم البيت الأبيض لقرار الدول العربية والخليجية بعزل قطر، أو كما قالت قناة «CBC» الأميركية، إن الإدارة الأميركية حسمت بالفعل موقفها من قطر من خلال اختيار صف السعودية وبقية الدول العربية والإسلامية التي التزمت بمكافحة الإرهاب، ومع ذلك وحتى هذه اللحظة لا تريد قطر أن تتخذ قراراً استراتيجياً بالتصدي لتمويل ودعم الجماعات الإرهابية بشكلٍ علني بوصفها مسألة سياسية، فهل تعي قطر الورطة التي تتعاظم يوماً بعد الآخر بإصرارها على الهروب للأمام، بدلاً من استعادة المبادرة وحل مشكلاتها سريعاً؟!
ستة أيام على قرار قطع العلاقات وكل ردود الفعل القطرية تركز على منطق ترسيخ مبدأ المؤامرة ضدها، ولا أعرف ما الذي تملكه قطر حتى تتآمر عليها السعودية والبحرين والإمارات ومصر والولايات المتحدة؟ لا يوجد سبب وحيد يجعل هذه الدول تترك قضاياها – وما أكثرها! – وتتفرغ للتآمر على قطر؟ المؤامرة الوحيدة الماثلة أمامنا بالبراهين فضحتها التسجيلات الشهيرة لأميرها السابق ورئيس وزرائها مع القذافي، الساعية لتقسيم السعودية وإحداث ثورة فيها، وإذا كانت قطر صادقة في رغبتها في درء الفتنة فعليها تغيير السلوك وبناء الثقة واستعادة المصداقية، فكل ما عليها فعله مراجعة سياساتها الإقليمية لتكون أكثر اعتدالاً لا أكثر ولا أقل، شأنها شأن باقي دول المنطقة، أما الركون للمظلومية وإطلاق الشعارات الرنانة الشعبوية فلن توقف كرة الثلج التي تتمدد مساحة وحجماً وزخماً، وما ستدفعه الدوحة اليوم لتصحيح سلوكها وإعادة تأهيلها أقل بكثير مما ستدفعه لاحقاً، وكلما تأخرت قطر في الاعتراف بالمشكلة وتصحيحها زادت الضريبة المستحق دفعها نظير 21 عاماً من السياسات المؤذية والسلوكيات العدوانية.
نقلاعن ایلاف