لم يزد زمن مقطع الفيديو الذي نقل مبايعة ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف لولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن 26 ثانية، لكنه كان كافياً لتوجيه رسائل قوية ومتعددة للداخل والخارج السعودي، عن استقرار بيت الحكم وثباته، وقدرته على المضي في بحر متلاطم الأمواج، وعن قدرة السعوديين على حسم خلافة الحكم لديهم كما لا يحدث في أي مكان آخر، متى ما دعت الحاجة لذلك. في اختيار ولي عهد سعودي جديد بعثت المملكة أمس برسالة قوية لدول العالم، أكدت فيها استقرارها وقدرتها على الاستمرار في النهج المعتدل ذاته، وأن دولة بحجم المملكة العربية السعودية، وحجم اقتصادها، وسعة علاقاتها وتحالفاتها ستبقى آمنة مستقرة، كما كانت دائماً، وفي أيدٍ أمينة. يتغير حكامها ولا تتأثر مسيرتها، يتبدل قادتها ولا تنحرف بوصلتها، تمضي مستقرة غير عابئة بمنطقة عامرة بالفوضى، إنها السعودية وكفى.
الملك سلمان بن عبد العزيز، وهو الملك ابن الملك أخو الملوك، وبعد ساعات قليلة من توليه الحكم في يناير (كانون الثاني) 2015، سارع لاستكمال ترتيب انتقال الحكم، متخذاً قراراً تاريخياً بنقل الحكم وللمرة الأولى في تاريخ الدولة للجيل الثاني من أسرة آل سعود، تلك الخطوة الكبيرة التي كان الجميع، داخلياً وخارجياً، ينتظر موعدها، فلما أتى حينها، اتخذها الملك سلمان بشكل انسيابي وسلس، يتفق مع الظروف المحيطة وحاجة الدولة لها في هذه المرحلة، وخلال العامين والنصف الماضيين استطاع العاهل السعودي تأسيس جيل جديد من آل سعود يعملون بتناغم كبير، يقودهم الأمير محمد بن سلمان في مرحلة جديدة ومتوثبة من تاريخ المملكة، وكان ذلك واضحاً، سواء بقرارات تعيينات نواب أمراء المناطق الأخيرة، أو من الذين تم تعيينهم أمس، ومع وضوح الرؤية المستقبلية للدولة السعودية، فإن هذا الجيل الجديد ينتظر منه مواطنوه الشيء الكثير، ويقع على كاهلهم مسؤولية ضخمة في تحقيق أمنيات المواطنين التي غالباً ما يكون سقفها مرتفعاً.
عندما تسجل سوق الأسهم السعودية ارتفاعاً هو الأكبر في عامين بنسبة 5.5 في المائة بعد ساعات قليلة من تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، فإن ذلك هو الرد الطبيعي والتفاعل الإيجابي لقوى السوق مع القرار التاريخي، في جميع أنحاء العالم لا يوجد ما يعكس استقرار أي دولة مثل سوق الأسهم، ولا يوجد مؤشر واضح وصريح، ولا يمكن التلاعب به طويلاً كما هي أسواق المال؛ لذلك فإن ردة فعل سوق الأسهم السعودية عكست قراءة وتفاؤل معظم السعوديين عن التغيير الذي شهدته بلادهم، مما يعكس تفاؤل الشارع السعودي في اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، وهو الذي نجح في وضع «رؤية السعودية 2030»، بما يحقق التنمية المستدامة، وتقليل اعتماد المملكة على النفط، كما أنه هو من يقود تحديات غير مسبوقة لوجه جديد لدولة، آن الأوان أن ترتقي بسواعد أبنائها لا بالنفط وحده.
السعوديون اعتادوا منذ تأسيس هذه الدولة قبل 300 سنة على نظامهم الملكي، الذي يقضي بأن الملك هو من يختار ولي عهده، واستمرت هذه الآلية حتى بعد إنشاء الدولة السعودية الثالثة على يد الملك عبد العزيز، وعندما تم إنشاء هيئة البيعة أصبح كل أبناء الملك المؤسس الأربعة والثلاثون يشاركون في اختيار ولي العهد، تحت لواء الهيئة، التي تعتبر منظومة متكاملة لتعيين أو إعفاء ولي العهد، ولا شك أن مهمة الاختيار هي مسؤولية خالصة للأسرة الحاكمة، والسعوديين كشعب يثقون دائماً بما تتفق عليه أسرة آل سعود، كما اعتاد السعوديون على مبايعة من يتم اختياره ملكاً أو ولياً للعهد، ما هو مؤكد وجرّبه الشعب السعودي أن الاختيار كان دائماً على قدر ثقتهم ببلادهم وهذه المرة لن تختلف عمّا سبقها.
الجبهة الداخلية السعودية تثبت يوماً تلو آخر أنها المعادلة السحرية لاستقرار المملكة، جبهة تتناغم في إيقاع متوازن كلما استدعت الحاجة لأن تتماسك بشكل أكثر قوة، وفي الوقت ذاته تؤكد هذه الدولة على خاصية تنفرد بها، فهي تزداد عمراً لكنها لا تشيخ أبداً.
كما تعودت هذه البلاد على مرّ تاريخها، أتى ملوك ورحل آخرون، قادة عظام ترجلوا على مناصبهم، دائماً وأبداً: الاستقرار صناعة سعودية.
نقلاعن ایلاف