الحديث عن ارتفاع الدين العام يحتل حيزاً كبيراً من اهتمام الاقتصاديين، ثمة مبررات لهذا الارتفاع وبخاصة في ظل عجز القدرة المالية للدولة، ومع ذلك، لا يمكن نتجاهل إثارة السلبية، كيف نتجنب هذه الآثار؟ هذا هو مربط الفرس.
يرى خبراء الاقتصاد والمال عندما يرتفع الدين العام بشكل كبير له تأثير سلبي على اقتصاد الدولة، وعند وصوله إلى مستويات مرتفعة عادة ما يطلب المستثمرون بمعدل فائدة اعلى، وعند ارتفاع الانفاق بشكل كبير له تأثير سلبي على التصنيف الائتماني للدولة الذي يظهر مدى احتمالها على سداد او التخلف عند تسديد ديونها.
بحسب رأي هؤلاء الخبراء كلما ارتفاع الدين العام ومعدلات الفائدة كلما واجهت الدول وعلى المدى الطويل صعوبة في التسديد ومن هنا يصبح الشغل الشاغل بالنسبة لها هو التركيز على سداد ديونها وليس على الاستثمار في مشاريع اقتصادية تصب في مصلحة الدولة!.
هذا ما اشارت له ريمي محمود في مقال تحت عنوان: هل تعلم ما هو تأثير الدين العام على اقتصاد الدولة؟ وإلى جانب ذلك يتم قياس درجة المخاطر في اقتصاد معين عن طريق مقارنة الدين العام بالناتج المحلي الاجمالي كمؤشر لمدى صحة الاقتصاد ومدى امكانية الدولة على سداد ديونها، ويعتبر الدين العام خطيراً عند وصوله إلى الناتج المحلي الاجمالي في الدول النامية إلى 70 في المئة وفي الدولة المتقدمة إلى 90 في المئة. ومن المهم هنا استخدام الدين العام بطريقة صحيحة تؤدي إلى دفع الناتج المحلي الاجمالي وبقاء معدلات الفائدة منخفضة.
ما يهمنا من هذه المقدمة هو ان اهم ما توجهه الحكومة اليوم هو كيف تخفض الدين العام؟
لاشك ان تبني الحكومة مشروع قانون احالته إلى مجلس النواب بشأن تعديل قانون الاقتراض يتضمن رفع سقف الدين العام للدولة من 10 مليارات إلى 13 مليار دينار سيضاعف المشكلة وهو ما اشار إليه رئيس لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس النواب قائلاً: «تتجه الحكومة لخيار رفع سقف الدين العام في ظل توجهاتها للحفاظ على مستوى المصروفات المتكررة في الموازنة الجديدة لعامي 2017 و2018 في قبال استمرار انخفاض الايرادات، وهو ما سيتسبب في عجز مقداره 2.5 مليار دينار، الامر الذي يعني استمرار حاجة الحكومة لمزيد من الاقتراض لتغطية العجز».
ووفقاً لما نشر عن مشروع الموازنة توقعت الحكومة ان تكون فوائد الدين العام الجاري 477 مليون دينار وفي العام المقبل 553 مليون دينار بينما كانت فوائد الدين العام في الموازنة السابقة 686 مليون دينار، 296 مليون دفعت في عام 2015، و390 مليون دفعت في العام المنصرم، وبذلك تكون الزيادة بمقدار 344 مليون دينار.
امام ارتفاع الدين العام الذي بحسب بيانات مصرف البحرين المركزي ارتفع نحو 8.68 مليار دينار بنهاية نوفمبر 2016 ليعادل نحو 72 في المئة من اجمالي الناتج المحلي نقول لم تعد تصريحات النواب عن مخاطر ارتفاع الدين العام على درجة كبيرة من الأهمية بل الفعل والرؤية الاستراتيجية الواضحة لمواجهة ذلك بالتعاون مع الحكومة، والشيء الآخر والمهم الذي كثيراً ما نردده هو متى يفعّل اصحاب السعادة ادواتهم الرقابية وهي المهمة التي قد تسهم في الحفاظ على المال العام.
بعبارة أخرى، من الأهمية بمكان ان تتعاون السلطتان التشريعية والتنفيذية لمواجهة الظروف الاقتصادية والمالية الصعبة، ولكي تقود هذ العملية بنجاح من المهم ان تقر الميزانية الجديدة دون مساس بحقوق ومكتسبات المواطن وخصوصاً ان هناك توجهاً حكومياً لتقليص ميزانية العلاوات المعيشية!.
بدون الدخول في تفصيلات حول لماذا ارتفع الدين العام؟ وما هي الحجج والاسباب التي أدت إلى ذلك؟
ولكن لا نتجاهل الظروف والعوامل التي لم تكن فقط نتيجة تدني اسعار النفط، محدودية الموارد الاقتصادية الازمات المالية العالمية، بل كانت ايضاً نتيجة برامج اقتصادية لم تتمكن من ترجمة سياسية تعدد مصادر الدخل إلى أرض الواقع، وبالاضافة إلى هذا وذاك ثمة ممارسات وتقديرات ومصالح متداخلة قادت إلى تدابير خاطئة وهو ما يفسر الخلل في المجالين الاقتصادي والمالي وهو ما يحدث للدولة الريعية!.
ربما كان من الممكن تجاوز ذلك منذ وقت طويل لو وجدت الحياة الديمقراطية والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار والتعددية السياسية وفق القواعد الدستورية.
ومع ذلك، فان المشروع الاصلاحي الوطني الذي يحتل اهمية خاصة في تاريخ البحرين الحديث سيقدم نموذجاً مستقبلياً يزداد تطوره كلما كانت التغييرات جذرية تتجه نحو التحديث والديمقراطية وحقوق الانسان.