منذ وصول «رونالد ريغان» إلى الحكم عام 1980 إلى 1989 وصفت فترة رئاسته بأنها فترة عار بالنسبة للامبريالية.. لقد تميزت هذه السنوات في نظر المحللين السياسيين بسعي الولايات المتحدة إلى كسب «السيطرة العالمية» عن طريق التصعيد المتهور لسباق التسلح وتصعيد التوترات في مختلف انحاء العالم، خاصة في العالم الثالث.. وتنزل هذه السياسة إضرارًا هائلة ببلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وقد ارتبط اسم رونالد ريغان في العالم الثالث بإرهاب الدولة وباللصوصية الدولية وبأوقح اشكال النهب، في حينها ادرك الناس في كافة بلدان التهديد الهائل الذي تشكله سياسة الولايات المتحدة بالنسبة للسلام العالمي، والاستقلال الوطني، والديمقراطية والتقدم الاجتماعي.
وعن تلك الفترة التي قضتها ادارة ريغان في الحكم يقول الكاتب التقدمي فيليب روديجيز: «لقد رسمت الامريكية في مجموعها بطابع مشؤوم، ففي سعيها لكسب السيطرة على العالم بما يتماشى ومصالح التجمع العسكري الصناعي، تلجأ واشنطن إلى الاستفزازات العسكرية» وأضاف الكاتب البوليفي: وتحتفظ ادارة واشنطن بعلاقات مع جيرانها في الجنوب وفقا لقانون الغاب، ويحاول رئيسها ان يحتفظ «بحق» التدخل عندما يريد في شؤون اي بلد ويقوم بعمليات تأديبية حينما يعتقد ان «مصالح الولايات المتحدة الحيوية» معرضة للخطر.
كانت سياسة ريغان ترتكز على «وثيقة سانتا» التي وضعتها مجموعة من الايديولوجيين اليمينيين المتطرفين، وتعبر الوثيقة عن اكثر الاتجاهات رجعية وعدوانية وتوسعًا، وترتكز على استراتيجية القوة والتدخل المسلح الواسع التي يعتقد البيت الابيض انه سيتحقق عن طريق تفوقه في امريكا اللاتينية والكاريبي – والعالم الثالث – وتحت الذريعة المفضوحة عن «مقاومة العدوان السوفييتي الكوبي» ومقاومة «الارهاب الدولي» تجرى محاولات احتواء العمليات الثورية والتحريرية الوطنية، والديمقراطية التي تتفتح في المنطقة، والهدف من ذلك هو منع اي تغيير يؤثر على مصالح رأس المال الاحتكاري والبنوك المتعددة الجنسيات المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بكل نظام الاستغلال الرأسمالي.
ويعتبر العدوان الاقتصادي واحدًا من اخطر جوانب سياسة ريغان، ويجري تنفيذه من خلال صندوق النقد الدولي، الذي يلعب دور المنظم للنشاطات للبنوك الاحتكارية المتعددة الجنسيات التي تجبر دول امريكا اللاتينية وغيرها من دول افريقيا وآسيا على دفع معدل فائدة أعلى على القروض، وهذا ما تحركه الرغبة في تخفيف آثار الازمات على الولايات المتحدة نفسها وتغطية عجز ميزانيتها العسكرية الضخمة.
وإذا ما نظرنا إلى الاستراتيجية الامريكية الجديدة يمكن ان نقول ما اشبه اليوم بالبارحة لان هذه الاستراتيجية بحسب الكاتب والمحلل السياسي التركي ازاد احمد علي تنتقل من شعار امريكا أولا الشعبوي إلى شعار (امريكا ستفوز بالحرب) وهنا يتساءل: فأي حرب ستفوز بها؟ وإلى أي مدى ستزداد الفعاليات العسكرية، خاصة في ظل رفع ميزانية الدفاع بمقدار (54) مليار دولار، فهل نحن عمليًا امام مرحلة تعولم العسكرة والحروب؟ بدلاً من المرحلة السابقة التي كانت تبشر بالديمقراطية ونشرها، التي طالما نظر لها كيسنجر، فوكوياما، وكونداليزا رايس منذ امد بعيد، حتى حلم بها الرئيس الامريكي السابق اوباما لفترة وجيزة، في حين كتبت راغدة درغام في (الحياة اللندنية 10 فبراير 2017) شعرت الدول الخليجية ان اوباما تعمد تهميشها واستبعادها عن الحديث الاقليمي، بل اراد تحجيمها واذلالها فيما كان في الوقت ذاته يدلل ايران بدعمه لطموحاتها الاقليمية، اما اليوم يأتي ترامب بجديد في تلك المعادلة، لعل في ذهن السياسة الامريكية البعيدة المدى، استعادة بعض التوازن نحو السنة والشيعة لاخماد الحرائق، ومن اجل استيعاب العداء وكي يكون في الامكان الحاق الهزيمة النهائية الراديكالية الاسلامية بكل اوجهها.
واذا ما تحدثنا عن السياسة الامريكية في الشرق الاوسط من المناسب ان نشير إلى القول: «ان سياسة الضغط التي تمارسها ادارة ترامب – التي تجيد اللعب على الحبلين – على حلفائها لتقديم الدعم المالي لمساندة جهدها العسكري مقابل تقديم الحماية لبعض الحلفاء» وهو ما يثير الكثير من التساؤلات عن استراتيجية امريكا الجديدة في الشرق الاوسط التي لا ترتكز على سياسة الكيل بمكيالين في مكافحة الارهاب فحسب وانما ايضا على الابتزاز وإثارة الخلافات وبؤر التوتر وهو ما يوجه ضربة قاصمة للاستقرار واحتواء الصراعات والخلافات بين الدول.
وهو ما يميز السياسة الامريكية التي تستبدل بمهارة الجزرة والعصا وأحيانًا تستخدمهما معًا وهي تتجاهل مصالح الشعوب!
وهي ذات السياسة التي ادت إلى وضع متوتر وخطير في جنوب شرق آسيا، حيث تعرض امريكا بإصرار قوتها العسكرية في المحيط الهندي وتعزز سباق التسلح ونشر الاسلحة النووية بالاضافة إلى التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية لدول جنوب آسيا مما يشكل تهديدًا خطيرًا ليس فقط لأمن هذه الدول وإنما لأمن العالم بأكمله.