كم هي مؤلمة تلك الاصطدامات التي حدثت في قرية الدراز والتي نتج عنها ضحايا خمسة وإصابات في رجال الأمن وعدد كبير تم القبض عليهم.. كم هي مؤلمة تلك الجروح الغائرة التي لم تندمل أكثر من ست سنوات، وتلك المرارة واللوعة التي خلفتها تلك الجروح!
عندما نضع أنفسنا في إطار المسؤولية أليس حفظ الأمن وحماية السلم الأهلي ركيزة أساسية للاستقرار؟
أليس إعادة الحياة الى طبيعتها في القرية المذكورة خطوة مطلوبة؛ لأن لا حواجز مخالفة ولا تعطيل لمصالح الناس.. لماذا أدمنّا على لغة التعصب والعنف؟
لماذا كل هذا التأجيج الطائفي والتشفي والكراهية؟ هل هناك عشق للفوضى السياسية والفتنة وإشاعة ثقافة إقصاء الآخر؟ أية مصالح تلك التي تقف وراء كل هذا التصعيد؟ أليس من المنطقي الابتعاد عن العصبية وتخوين الآخر والعنف والتقسيمات الطائفية والعمل على اتخاذ خطوات فورية للحوار بداية لانفراج سياسي وعلاجات اقتصادية واجتماعية.
وحتى نصل الى ذلك، وهو من مسؤولية الجميع علينا أن تسمى الاشياء بأسمائها لأن الوضع السياسي الذي نعيشه والأزمة السياسية التي تاجر بها من تاجر في الداخل والخارج لم تأتِ من فراغ بل مهّدت لها تراكمات اقتصادية واجتماعية، وشحن طائفي لم يقتصر على طائفة دون اخرى، وتدخلات ايرانية لعبت على وتر العقيدة والمذهب واللجوء الى التهديد والقوة وفق قواعد مبدأ تصدير الثورة الذي وبكل أسف أصبح مقبولاً ومبررًا لدى بعض النخب السياسية المنحازة للطائفة لا للوطن والفكر المتأسلم، وغياب العملية النقدية العميقة لكال ما هو سلبي في الأداء التشريعي والتنفيذي ولكلّ محاولات تسعى الى تقويض الاستقرار السياسي وإلقاء المسؤولية على طرف واحد بدوافع قد تكون طائفية أو ابتزاز وتزييف وترهيب ربما له علاقة بمصادرة الحقوق وبث ثقافة الكراهية وبمصالح سياسية وعقائدية!
كم تمنينا أن يسود الحوار، وأن يسود التوافق الوطني بين جميع الأطراف بما ينسجم مع هيبة الدولة والحقوق المشروعة، والإنجازات الفعلية التي عبّر عنها ميثاق العمل الوطني في ظل مصالحة وطنية تقود بشكل أكثر فعالية لعلاج مشاكلنا الداخلية التي لها علاقة بالمساواة وقيم المواطنة الحقيقية، والديمقراطية، ومكافحة الارهاب، والفساد والفقر وتكافؤ الفرص، وحقوق العمال، والمرأة، وحماية المال العام… الخ.
نعم، إن التوافق الوطني على هذه الأرض الطيبة التي لم تعرف غير ذلك طيلة عقود، بداية للخروج من مستنقع الاحتقان.. وكم منعطف حاد استطاع أهل البحرين الذين امتازوا وعُرفوا بالطيبة وحب الآخر تجاوزوه؟ أية عقول متخلفة تلك التي تقيس الأمور بمنطق (إما معي أو ضدي) في حين أن الأمور قد تقاس (معك وضدك) في آنٍ واحد؟ هذا ما كشفته تداعيات الأزمة التي تكسَّب من ورائها الكثير ممن راهنوا على المنافع والغنائم وفي مقدمتها الجمعيات السياسية الطائفية – في الشارع السني – التي تدين الارهاب والعنف علنًا في حين تسعى وتروج للارهاب بكل أشكاله ومظاهره المختلفة وهو تجسد بذلك التقية التي تنادي بعكس ما تبطن، وكانت تأمل بذلك وباسم الدين في كسب البسطاء والأنظمة!!
وعن الإرهاب كتب الدكتور محمد علي الفرا: إن خطر الارهاب يتهدد الجميع لا يفرق بين مذنب وبريء، ولا بين عدو وصديق، ولا بين كبير وصغير، فهو ظلامي الفكر عشوائي الاتجاه ينطلق من مجهول الى أي مكان، وهو ليس وليد العصر وحده، ولكنه نتاج أزمنة متعاقبة وتراكمات مختلفة، وليس مقصورًا على أمة واحدة، ولا محصورًا في دين واحد او عقيدة واحدة، وهو موجود في جميع الأزمنة والعصور ولكنه اتخذ أشكالاً متعددة فالاغتيال – على سبيل المثال – شكل من أشكال الإرهاب والقتل والتدمير وسفك الدماء صور لأنواع الإرهاب يولد أنواعًا وأشكالاً مختلفة من الإرهاب.
ولكن يمكن مكافحته بعلاج أسبابه ودوافعه ومواجهته سياسيًا بالطرق السلمية بإحقاق الحق ونشر الحرية والعدالة والمساواة بين البشر ومكافحة الظلم والفساد، والمهم رفض المعايير المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين وبتجفيف منابعه ومصادره، وبإصلاح مناهج التعليم، وفصل الدين عن السياسة، والأهم تجديد وتحديث الخطاب الديني الذي يبرر للإرهاب لمصالح عقائدية وسياسية هدفها الحفاظ على الأصولية الدينية والأنظمة السياسية المتواطئة التي غالبًا ما تقع في إشكالية تعريف الإرهاب حيث تصنف المطالبات الوطنية والحقوقية في خانة الارهاب الذي استغل من قبل هذه الأنظمة والولايات المتحدة والدول الاوروبية على حد سواء، فعلى سبيل المثال ارهاب الولايات المتحدة عندما استباحت أرض العراق وثروته، وبحكم الصفقات المشبوهة تم تسليم العراق لايران التي هي الاخرى رسخت نفوذها من خلال المحاصصة الطائفية ودعم الارهاب وإذا كانت – كما يقول – الفرا الولايات المتحدة جادة في مكافحة الارهاب فإنه ينبغي عليها تبني سياسة عادلة في الشرق الاوسط تنهي بها الاحتلال الإسرائيلي وترفع الظلم عن الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
مرة أخرى، لا يكمن مفتاح حل مشاكلنا الداخلية في الأحداث المؤلمة والعنف والتخوين والتدخلات الخارجية وإنما يكمن أساسًا في أن الوطن للجميع ومن يقول غير ذلك فهو لا يريد الخير للبحرين، وفي المصالحة الوطنية والحوار والعيش المشترك على قاعدة نبذ العنف ومكافحة الارهاب والكراهية وإشاعة ثقافة التعدد والتسامح بمنأى عن خلط الدين بالسياسة، والمزايدات السياسية، والأهم من هذا وذاك الانتماء للوطن لا لغيره