متى يكون الفقر عيباً؟/ جعفر الصائغ

الفقر هو أخبث وأخطر مرض عرفه الإنسان، وهو العلة التي عجزت البشرية عن القضاء عليه، فهو ومنذ القدم يتفشى شمالا وجنوبا في بلدان العالم. مرض لا يقل في حدته عن أخطار الأسلحة الفتاكة النووية والهيدروجينية. والأخطر ما فيه أنه قد يجبر بعض مرضاه إلى أن يكونوا مجرمين وقتلة وسرّاق يفسدون المجتمع ويمنعون تقدمه وازدهاره. إنه ورغم كل ما يتمتع به العالم من علم وابتكارات وخيرات وصناعات ثقيلة وثقافات وعلماء ومفكرين ونظريات مالية وعلمية، إلا أن هذا الداء لا يزال يضرب ويشرد ويقتل ويفتك كل ضحاياه من الفقراء، فيسقط الملايين من البشر سنويا أما موتى، أو جرحى بإعاقات مزمنة.


وحسب البنك الدولي فإن عدد الفقراء في العالم قد وصل عددهم إلى 767 مليون شخص، وذكر في تقريره السنوي أنه «سيندرج الملايين من الناس حول العالم، ضمن فئة الذين يعيشون تحت خط الفقر».يتفق خبراء الاقتصاد والمال على أن كوكب الأرض به خيرات وموارد تكفي لجعل سكان الأرض، البالغ عددهم 7.359 مليار نسمة، أن يعيشوا في رفاهية وحياة كريمة من دون فقر وذل وحرمان بشرط أن يتم توزيع ثروات الأرض بالحد الأدنى من العدالة.

إذن فإن السبب الأساسي وراء الفقر هو غياب العدالة وتفشي حالة الظلم والفساد الذي يهيمن على كثير من دول العالم، وهذا السبب هو الذي أدى أيضًا إلى تقسيم العالم إلى عالم صناعي متقدم وعالم فقير نامي. الفقر كحالة معيشية ليس عيبا بل هو مدرسة الإنسان الأولى، فقد تخرج منها ملايين البشر بل أكثر أثرياء العالم كانوا طلاب في هذه المدرسة العريقة.

إذن متى يكون الفقر عيبًا؟ عندما يكون الأثرياء ورجال السياسة وبسبب جشعهم وطمعهم اللامحدود سببًا لتفشي الفقر في المجتمع، وعندما يجول ويمرح الفاسد من دون أي ردع ورقابة فعلية على جرائمه، فيستغل مركزه الإداري لنهب المال العام وتوظيف أقاربه ويبعد أصحاب الكفاءات والشهادات ليلحقهم بصفوف العاطلين، فالفقر هنا يكون عارًا على الدولة والمجتمع وظلما في حق كل فقير.. «ولَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ.

عندما يكون النظام العالمي ظالما وقاسيا على الفقراء بحيث أن 97% من الامتيازات العالمية تكون في يد الدول الصناعية، وأن أكثر من 80% من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية يذهب إلى 20 دولة صناعية، عندها يكون الفقر عيبا وعارا على الأمم المتحدة.

جورج سروس أحد أقطاب العولمة يقول»لقد أدت العولمة إلى انتقال رؤوس الأموال من الأطراف أي البلدان النامية – إلى المركز أي الدول الغربية، فأية عدالة هذه؟ عندما تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء بحيث أن ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم (حسب دراسة للجزيرة) يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم وأن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل أكثر من 40% من سكان العالم، بينما يعيش 1.2 مليار شخص على أقل من دولار واحد في اليوم، ويموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع والمرض، وعندما تكون إجمالي المساعدات المقدمة للدول الفقيرة أقل بكثير عما تنفقه تسعة من البلدان الصناعية على غذاء القطط والكلاب في أسبوع واحد فقط، عندها يكون الفقر عارا على الإنسانية.

باحث اقتصادي بحريني

نقلاً عن موقع لوسيل