هكذا رصاصات الغدر قتلت المفكر مهدي عامل.. إنها الرجعية والفكر الظلامي الذي دأب على اغتيال كل من يخالفه الرأي.. في الضاحية الجنوبية من بيروت اغتيل مهدي عامل على يد متطرفين من حزب الله، واغتيل المفكر حسين مروة وهو على فراش المرض وقد قارب الثمانين من عمره !!
ثلاثون عاماً مضت على اغتيال الفكر.
إنه الثامن عشر من مايو / ايار يذكرنا برحيلك المفاجئ، مهدي عامل، هكذا تقول الذاكرة التقدمية، ثمة صوت تقدمي يقول: أخرجت الأوراق من الدرج، وها أنت من غفوتك تنهض أمامي لتأخذني الى فكرك، الى مكتبك المملوء بمحاضرات ومقالات تتمحور حول المثقف الثوري، الجدل والتناقض، التغيير والثورة، الدولة الطائفية.
أخافهم هذا فقتلوك.. لكنهم قتلوا الجسد ولم يقتلوا الفكر. رحل مهدي وبقي الفكر واستمروا في محاصرته لكننا كنا نطل اليك من خلال هذا الفكر.
ويقول: أغرقتنا الشفافية منك في التفكير، أريتنا ما عجزوا عن خمده كالصراع الطبقي، المجتمع، الطوائف، والحرب الأهلية.
إننا نراك في كتبك، وفي من يحملها ليثبت أنك مازلت بيننا.. لازال ذلك تمرد قائم كما في نصّك، إننا نكتب اليوم عن فكر المقاوم المغامر والجريء، فكر استشهد لحظة كشف الحقيقة والذي أقدم على قتلك فكر هارب لاجئ، فكر يختبئ بين الازقة.
تلك الرصاصة لم تقتلك بل قتلتهم؛ لأنها أثبتت مقولة غسان كنفاني: «تسقط الأجساد لا فكره».
ويقول ايضاً: نردد مقولتك لأولئك الذين قتلوك، لتلك اليد التي أطلقت الرصاصة، لذلك الشارع حيث فارقتنا به، نقول: سنبني وطناً حجراً حجراً فوق قبور تتسخ بكم. أنتم مزبلة التاريخ. وبيروت مدينة أحرار قطعوا عهداً: سنقاومكم.
إنه الإرهاب الذي يفند الآراء المخالفة لا بالحوار العقلي بل بقتل الجسد الذي يحمل الرأي والفكر.. كتبت المفكر محمود أمين العالم اذا أردنا ان نبحث عن برهان او دليل على مدى مصداقية فكر مهدي عامل وفعاليته، لما وجدنا برهاناً او دليلاً أسطع وأشد يقينًا وقوة من استشهاده نفسه، فلو لم يكن فكره صحيحاً لما قتل بيد من قتلوه، ولو لم يكن فكره فاعلاً لما قتل بيد من قتلوه.
وأضاف: كان فكر مهدي عالم فاضحاً لحقيقة قوى الطائفية والاستغلال الطبقي والتبعية للامبريالية، كاشفاً الطريق الصحيح لمصارعتها والانتصار عليها.
وكان لا مجرد إبداع نظري ثوري، بل كان كذلك ممارسة حية فاعلة، في التزامه بحزبه الثوري، الحزب الشيوعي اللبناني، وفي اندماجه بأوسع الجماهير توعية وشحذًا لنضالها الوطني والاجتماعي، ولأنه كذلك قتلوا رجل الفكر والفعل، آملين أن يقتلوا بهذا فكر الرجل ودلالة فعله. ولكن «هيهات لهم ذلك. فها هو ذا مهدي عامل فكرًا وفعلاً مناضلاً يغمر ساحات لبنان، وها هو ذا تخضر به عقول وتتفتح به سبل نضال في مصر، وفي مختلف الوطن العربي كله.
ويرى العالم إنه المفكر العربي الوحيد الذي حاول أن يبني نظرية علمية متكاملة للثورة العربية، بل للثورة في البلاد المتخلفة عامة. حقاً، قد نجد مقالاته ودراسات وبرامج أحزاب هنا وهناك، ولكن لا نكاد نعثر على مفكر آخر حاول تنظير الواقع العربي وواقع التخلف عامة، تنظيراً علمياً متسلحاً بالفكر الماركسي على هذا المستوى من الجدية والعمق والاتساق.
يرى البعض أن المفكر حسن عبدالله حمدان الذي عرف بـ «مهدي عامل» بمثابة غرامشي لقوله «إما أن يكون المثقف ثورياً او لا يكون»، كما يصفه أحد المعجبين به بالقول إنه «كان أكثر من مجرد مفكر ماركسي له كلمات نافذة حتى النخاع في عمق الحقيقة وصميمها العلمي، هو تجربة نضالية متكاملة، تجربة زاوجت بين القلم المحكم والكلمة القاسية، بين الصمود البطولي والمقاومة الرافضة للذل والقهر، بين الفكر المتماسك وسعة الرؤية التي مكنته من القبض على المشهد بشموليته وتفكيك بناه النظرية «المصدر صحيفة ذات الالكترونية».
في كتابه «نقد الفكر اليومي»، عارض مهدي عامل التيار المتأسلم الذي وصفه بـ «التيار البرجوازي المتأسلم»، وفي هذا الإصدار (عام 1980) اعتبر عامل «مفهوم الاغتراب» محور تفكير التيار الإسلامي، حيث يجعل نفسه مدافعاً ضد قيم التغريب السالبة للهوية.
فمن خلال هذا الاغتراب يحاول، كما يبين مفكرنا «هذا الفكر المولع بالأصالة والخصوصية ان يتناول التاريخ كله، منذ بدء الإسلام حتى اليوم، مروراً بمرحلة السيطرة الامبريالية للرأسمالية، ومرحلة التحرر الوطني، وصولاً الى ما تنفتح عليه آفاق هذه المرحلة الأخيرة من إمكانات التغيير الثوري في خط سيرورة التحويل الاشتراكي، غير ان مفهوم الاغتراب ليس أصيلاً، إذ لا وجود له في التراث الإسلامي، ويقول إن هذا المفهوم الذي يفكر به أصحاب الخصوصية خصوصيتهم، ليس مفهوماً «خصوصياً»، بل هو في المقابل «يحتل مكاناً مركزياً في منظومة الفكر الهيجلي»، وهو فكر غربي يعاديه الاسلاميون ليخلص الى ان «الخصوصية» التي ينادي بها هذا الفكر هي خصوصية «مزيفة لفكر مزيف»؛ ولذلك ومن – وجهة نظره – يبقى التيار الإسلامي عاجزاً عن تفسير سيطرة الغرب، نظراً لتغيبه لحركة التاريخ وشروطها المادية، فهو «يتجنب النظر في الشروط التاريخية الملموسة لتكوين الرأسمالية في مجتمعاتنا» حتى يحافظ على «اتساقه الداخلي» ويفسر هذا الإحجام عن النظر في تلك الشروط باستناده على منطق شكلي هو منطق ثنائية الذات والآخر والتي هي شكل آخر «لثنائية الخير والشر الاسطورية» مما يتيح للتيار الإسلامي، حسب رأيه، تفسير ذلك بواسطة «العنف» الذي يمارسه الغرب على المجتمعات العربية الإسلامية تسبب في ولادة الرأسمالية في مجتمعاتنا، وبالتالي نفـي أن تكون «تطورا داخليا طبيعيا» في هذه المجتمعات.