نتمنى أن ننتهز فرصة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للمملكة العربية السعودية، لتصحيح بعض المفاهيم الخاصة بالمهددات الأمنية لدول مجلس التعاون الخاصة بطبيعة الإرهاب الإيراني على المنطقة.
رغم اتفاقنا مع الرؤية الأميركية بأن لإيران مشروعاً توسعياً يعتبر المهدد الأول لدول المنطقة، فإن معالجة ذلك المهدد الأمني لن يكون بتقوية دفاعاتنا العسكرية فحسب، أو بتشكيل حلف عسكري كحلف الناتو كما يقترح الرئيس ترمب؛ فإيران لن تفكر في شن حرب بجيشها على دول الخليج لأسباب كثيرة، تجربتها في الحرب العراقية الإيرانية ما زالت عالقة في أذهان الإيرانيين، وعلمها بقدرات دول مجلس التعاون العسكرية، ولعلمها أن ذلك يعني شن حرب عالمية عليها من قبل حلفاء لا قبل لإيران بهم، ملتزمين بالدفاع عن مصالحهم الحيوية قبل الدفاع عن دول مجلس التعاون، والأهم من ذلك كله إيران تعلم أنها ليست في حاجة إلى تلك المجازفة وتكبد تلك الخسائر، والبدائل متوافرة!
الصواريخ الباليستية والنووي وغيرها من الأسلحة المدمرة مما تصدح به إيران بين حين وآخر؛ ذلك كله من أجل تحسين وضعها التفاوضي لا للاستخدام الفعلي، وتلك لعبة تجيدها إيران، استفادت منها على مدى سنوات تلت حربها مع العراق التي علّمتها أن «الضجة» المصاحبة للأنشطة العسكرية أهم مليون مرة من «الدرجة الواقعية والحقيقية» لامتلاكها والقدرة على استخدامها، فهي «تمسرح» تجاربها النووية، بتصوير وبتصريح مستفز من أحد قادتها العسكريين، فتجلب الأنظار هدفاً أولياً ليضج العالم ضدها ويصرخ، ثم يدخل في مفاوضات معها، وذلك هدف حقيقي وواقعي تسعى إليه إيران، وتكسب به مساحة جيوسياسية دون أن تخسر جندياً أو رصاصة.
أما كيف تهدد إيران أمن دول الخليج دون أن تطلق صاروخاً أو تحرك مدرعة، فذلك عن طريق الآيديولوجيا، نعم عن طريق الآيديولوجيا؛ فهي تجند ميليشيات محلية من دولنا تعتبر خامنئي مرشداً أعلى لها، وتعتقد أنه بشر معصوم من الخطأ وتبايعه تمهيداً لظهور المخلص، أقنعتها أن تخوض حرباً تسميها «مقدسة»، ضد أنظمتها، وصنعت منهم جيوشاً بديلة تنشط وتعمل من خلالهم إيران داخل دول مجلس التعاون.
ما تنفقه إيران على تلك الميليشيات أقل بكثير مما تنفقه على جيشها، لكنها تحصد من خلالها مناطق نفوذ، وتسقط من خلالها أنظمة أكثر بكثير مما تقوم به جيوشها.
أفراد تلك الميليشيات يتعاملون مع متفجرات لا تتعامل بها إلا الجيوش النظامية، ويدربون تدريباً عسكرياً وهم على قوائم الدفع عند الحرس الثوري الإيراني، هؤلاء لا يمكن مواجهتهم بمنظومة صاروخية أو بحلف عسكري سبيه بحلف الناتو (ولو أن ذلك الحلف موجود) إنما بهؤلاء الميليشيات اختلفت تماماً المهددات الأمنية، واختلت بالتالي سياسة مواجهتها، وهنا نفترق نحن والخارجية الأميركية أحياناً.
إيران كما سلحت «حزب الله» في لبنان والحوثيين في اليمن، واتخذت من أرض العراق معسكرات لتدريب تابعيها من البحرينيين والسعوديين والكويتيين، وهرّبت لهم أنواعاً خطرة من المتفجرات والأسلحة فارتكبوا جرائم إرهابية في دول مجلس التعاون راح ضحيتها مدنيون ورجال أمن، عملت على دعمهم بمنظومة لوجيستية، تعمل على نطاق محلي بتضليل الرأي العام لتخلق تعاطفاً مع الضالعين في العمليات الإرهابية، وتعمل كذلك على نطاق دولي للتغطية على جرائمهم فتجد لها مستمعاً في وزارة الخارجية الأميركية أحياناً من فلول الإدارة السابقة؛ إذ ما زالوا يملكون شبكة للعلاقات العامة هناك، إنهم مجموعة نشطة في أروقة تلك الوكالات تقوم بعملية غسل وتبيض للإرهاب، هؤلاء أخطر علينا من الصواريخ الباليستية والنووي الإيراني، لأن في ذلك تعطيلا لمحاولاتنا تعزيز الأمن والاستقرار، لذا لا بد من اللجوء للتعامل القانوني مع هذه المنظومة.
الحرص على الحقوق المدنية هدف آخر نتفق معكم فيه، إنما تلك الخديعة الكبرى، وذلك الظلم الذي حاق بالرئيس الأميركي دونالد ترمب من وسائل الإعلام، هو ذاته الذي يحيق بنا من إعلام ومؤسسات ووكالات أدارت ظهرها للحقائق التي لها أسس على الأرض، وأصغت لتلك المنظومة التي عملت على تشويه الواقع من أجل أجندة سياسية لدعم تلك الميليشيات، أي دعم التمدد الإيراني، وهنا نفترق أحياناً في فهمنا للمهددات، فما تقوم به تلك المنظومة ليس حرية للتعبير أو التجمع السلمي، فتلك حقوق محفوظة في دستورنا، إنما تلك المنظومة تريد أن تستغل تلك المساحة من الحرية لدعم الميليشيات الإرهابية وتحديها الضوابط القانونية.
التحالفات الاستراتيجية الناجحة تبنى على الشراكات المستدامة التي تحقق نجاحات تجني ثمارها أجيالنا المقبلة، تبنى على استماع بأريحية وفهم لهواجس الآخر النابعة من معاناته ومن مهددات واقعية لأمنه، وهذا ما نسعى إليه، ونكاد نجزم أن ذلك ما يدور في ذهن الرئيس الأميركي وطاقم إدارته الذين خبروا هذه المنطقة ويعرفونها جيداً.
نقلا عن العربية