الإرهاب لا دين له، ولا طائفة ولا مذهب، هو تعبيرٌ عن رغباتٍ مجرمة ترتدي رداءً دينيا لتمارس من خلاله القتل والترويع والوحشية خدمة لأهدافٍ سياسية ما، ومن المؤذي الاضطرار إلى التحدث بلغة تستخدم مفردات طائفية، ولكن المشهد المتقهقر حضاريا في المنطقة يفرض استخدام تلك المفردات لإيصال الأفكار.
شهد الأسبوع الماضي أحداثا مؤسفة في حي المسوّرة في بلدة العوامية التابعة لمحافظة القطيف شرق السعودية التي ينتمي أغلبية سكانها للمذهب الشيعي الكريم، فقد قتل إرهابيون في هذه المنطقة طفلا سعوديا ومقيما باكستانيا وأصابوا عشرة مدنيين وبعض رجال الأمن، وذلك عبر إطلاق نارٍ عشوائي وكثيفٍ على المارة ورمي لقنابل المولوتوف واستهداف مباشر لآليات الهدم والتطوير العاملة في الحيّ.
غريبة قصة هذا الحي مع الإرهابيين، فهو حي قديمٌ متخلفٌ تنمويا، وقد قامت الدولة بالاتفاق مع المواطنين على تطويره بشكلٍ كاملٍ، ولكن الإرهابيين رفضوا ذلك بكل شراسة، لأنهم يجدون في خرائب الحي شبه المهجور ملاذا يختبئون فيه ويديرون خططهم الإرهابية من هناك، وهدم الحي وتنميته وتطويره يحرمهم من ملاذٍ آمنٍ بالنسبة لهم، وبالتالي فهم على الرغم من المطالب التنموية التي يرفعونها شعارا، فإنهم يحاربونها في هذا الحي بالتحديد.
المواطنون السعوديون الذي ينتمون للمذهب الشيعي واقعون تحت نوعين من الإرهاب الذي يستهدفهم، الأول هو إرهاب المتطرفين السنة ممثلين بتنظيم داعش، والثاني هو إرهاب المتطرفين الشيعة ممثلين بهذه المجموعات الشيعية التي تقتلهم لمجرد الاختلاف، وتقتلهم بسبب وطنيتهم الراسخة وحبهم لبلادهم ورغبته في السلام والنجاح.
فلمن تتبع هذه المجموعات الإرهابية الشيعية؟ إنها تتبع بكل وضوحٍ للنظام الإيراني الذي كانت ولم تزل السعودية هي الهدف الأكبر للإرهابيين التابعين له من التنظيمات الإرهابية السنية والشيعية، على حد سواء.
النظام الإيراني الطائفي بعد ما كان يعرف بـ«الثورة الإسلامية» التي قادها الخميني اعتمد مبدأ «تصدير الثورة»، وكان المقصود به تصدير الفوضى والخراب والإرهاب إلى الدول العربية وتحديدا السعودية ودول الخليج، والفرق بين الخميني وخامنئي هو أن الأول سعى لذلك عبر حرب نظامية مع نظام صدام حسين في العراق التي استمرت لثماني سنوات اعترف بعدها الخميني بتجرعه للسم من أجل إيقاف تلك الحرب.
أما خامنئي فقد اعتمد فكرة أخطر، وهي فكرة دعم الجماعات الأصولية السنية مثل حركة حماس الإخوانية أو الجماعات العنفية مثل تنظيم القاعدة وإنشاء ميليشياتٍ شيعية إرهابية تابعة له في الدول العربية مثل «حزب الله» في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن و«الحشد الشعبي» في العراق والميليشيات الشيعية في سوريا، وخطط بكل جهدٍ لنشر خلايا التجسس والإرهاب في دول الخليج العربي.
تنتمي هؤلاء الإرهابيون في المنطقة الشرقية من السعودية إلى القسم الأخير، ويراد لها أن تتطوّر لتصبح ميليشيا مسلحة، ولكن دون ذلك خرط القتاد، فهي مجموعاتٌ مكروهة من بيئتها الحاضنة أي من المواطنين الشيعة أنفسهم، لأن هذه المجموعات تستهدفهم بالتهديد والقتل، وتمارس عليهم ديكتاتورية إرهابية مجرمة، وهم يلتجئون للدولة لحمايتهم من هذا الإرهاب الشيعي، كما نجحت من قبل في القضاء على إرهاب القاعدة السني، وقد ذكر بيان الداخلية السعودية الصادر يوم الجمعة الماضي أنها «تشيد بما يقدمه الشرفاء من أهالي العوامية من تعاون مع رجال الأمن».
سبق لولي العهد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف أن زار المنطقة إثر حادث إرهابي وقال كلمة واضحة لأحد المتحمسين بأن «الدولة ستبقى دولة»، وأن «من يحاول القيام بدور الدولة فسوف يحاسب كائنا من كان»، وهو ما تؤكده كل العمليات الأمنية التي تواجه الإرهابيين في تلك المنطقة، فالإرهاب واحدٌ كيفما تسمّى وحيثما كان، والرد عليه واحد يقوم على الحزم والقوة وقطع الشرور وفرض الأمن لجميع المواطنين.
كان بيان الداخلية واضحا بالقول: «لن تعيقنا الأعمال الإرهابية التي لا يراد منها إلا الدمار من قبل أياد ارتضت أن تكون أداة لتنفيذ أجندة خارجية»، والإشارة هنا واضحة كل الوضوح للدور الإيراني التخريبي الذي يستهدف السعودية ودول الخليج والدول العربية.
إن هذه الحادثة هي عملية إرهابية مكتملة الأركان، إرهابيون مسلحون يستهدفون شركة تطوير تنموية ويقتلون الأبرياء عشوائيا، ويهاجمون رجال الأمن بالأسلحة والقنابل لتحقيق أهدافٍ سياسية وخدمة أجندة خارجية، إنها نفس الأدوات وذات المجرمين وعين الأساليب التي يستخدمها تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وكما لم يحم التنظيمين انتماؤهم للأكثرية السنية فلن يحمي هذه المجموعة انتماؤها للأقلية.
يخطئ الطائفيون في التعامل مع مواقف إرهابية مثل هذه الحادثة، فالطائفيون السنة يرفعونها شعارا لاضطهاد المواطنين الشيعة، والطائفيون الشيعة يرفعونها شعارا ضد أي تقصيرٍ تنمويٍ، وهي شعاراتٌ وتبريراتٌ مرفوضة من حيث المبدأ، فالمواطنون سواءٌ في الحقوق والواجبات، والدولة لا تفرق بين مواطنيها، بحسب طوائفهم، بل بحسب ولائهم لأوطانهم وحرصهم على أمن وسلامة مجتمعاتهم.
السعودية دولة كبيرة، وفيها تنوعٌ طائفي ومذهبي ومدارس سلوكية عاشت وتعيش كلها بسلامٍ ومحبة تحت ظلّ دولة تعامل الجميع كمواطنين كاملي المواطنة، وقد شارك كثيرٌ من رجال هذه الطوائف في بناء السعودية الحديثة، وكانت لهم أدوارٌ مهمة ومعروفة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز إلى عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، مرورا بملوك السعودية السابقين، هذا أمرٌ واضحٌ والشواهد عليه كثيرة ومتنوعة.
الطائفيون لا يبنون الأوطان بل يدمرونها، والطائفية فتنة عمياءٌ، وعلى المستوى السياسي فإن إيران قد تبنّت الطائفية كسلاحٍ سياسي وعجزت عن الانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة، وهي تجني أكثر ما تجني على البعض ممن يطيعها من أبناء الطائفة الشيعية حين تحوّلهم إلى عملاء وخونة لبلدانهم، وحين تسلّطهم على المواطنين الشيعة الموالين لأوطانهم، حدث هذا في لبنان وفي سوريا وفي العراق وفي اليمن، وأفضل علاجٍ لذلك هو بتعاون المواطنين المخلصين الكامل مع سلطات بلادهم بالتبليغ عن الإرهابيين العملاء ومحاصرتهم اجتماعياً ودفعهم لتسليم أنفسهم.
أخيراً، فقد اختطفت هذه المجموعات الإرهابية من قبل، القاضي محمد الجيراني، وحاولت اغتيال المهندس نبيه الإبراهيم، وعاثت فسادا وشرورا في العوامية والقطيف وغيرها من المدن والبلدات فقتلوا ودمروا، ولكن الأمن سيفرض نفسه رغم أنوف الإرهابيين، فـ«الدولة ستبقى دولة».. . . . .
نقلاعن ایلاف