​مزيد من المقالات عن.. أردوغان المتغطرس الجبان/ عادل محمد

أردوغان: طريق العظمة طريق الكذب/حازم صاغية

القائد القويّ هو ما يستهوي رجب طيّب أردوغان. إنّه مثاله وبطله. الاستفتاء الأخير الذي أجراه كان له غرض أوحد: أن يسبغ الشرعيّة على قوّته الفائضة. على تحوّله زعيماً لا ضوابط، داخليّة أو خارجيّة، على قوّته. أهداف هذه القوّة كانت ظهرت قبل الاستفتاء: تدجين الصحافة والقضاء والجامعة، وإسكات النقد الغربيّ لقمعه حقوق الإنسان، والتلويح باسترجاع حكم الموت. أيضاً، قبل الاستفتاء، أطيح تباعاً عبدالله غل وداوود أوغلو. في «حزب العدالة والتنمية» ودولته رقم واحد فحسب يتربّع فوق جماهير يراد تحويلها أصفاراً.

من يقدم على أفعال كهذه حاكم قويّ. السياسيّ البرلمانيّ ليس كذلك: إنّه يرعى حرّيّات الصحافة والقضاء والجامعة، ويحرص على فصل السلطات، ويرفض حكم الموت، ويهمّه توطيد العلاقة بالدول الديموقراطيّة حيث المصالح التجاريّة وحيث النموذج الأحسن للتقليد. السياسيّ البرلمانيّ يُضعف قوّته ويقيّدها بمحض إرادته. إنّه بلا «كرامة». مفهوم «الكرامة» عند الزعيم القويّ يقوم على التصادم مع تلك القيود وكسرها. مفهوم الكرامة عند السياسيّ البرلمانيّ يقوم على التوافق معها والتنازل لها.

السياسيّون البرلمانيّون في المنطقة ليسوا النماذج التي يقلّدها أردوغان. من هم هؤلاء؟ «عملاء» كنوري السعيد، و «فاسدون» كمصطفى النحّاس، و «انفصاليّون» كخالد العظم، و «انعزاليّون» ككميل شمعون… أمّا في تركيّا نفسها، فما من شيء مُغرٍ في عاديّة بولند أجاويد أو سليمان ديميريل. حتّى تورغوت أوزال يبقى سياسيّاً تقنيّ التكوين. المطلوب زعيم يطلع من القضاء والقدر.

همّ أردوغان ليس تمثيل المؤسّسات والتعبير عن الإرادة الشعبيّة. همّه تمثيل التاريخ. الشعب. الأمّة. المصير… هذه مقدّسات ينبغي أصلاً عدم تقييدها، لأنّ المقدّسات مطلقة ولا تُقيّد. الزعيم وحده يعرف كيف يُنطقها وكيف ينطق بلسانها.

أبطال أردوغان، ولو خالفهم في مسائل إيديولوجيّة أو سياسيّة، هم من عيار مصطفى كمال أتاتورك، نقيضه الشبيه، أو جمال عبد الناصر أو آية الله الخمينيّ، وفي أسوأ الأحوال من صنف فلاديمير بوتين. عظماء لا يحضرون في السياسة إلاّ كي ينحروا السياسة. يتذرّعون بالقصور المؤكّد في المؤسّسات كي يعطّلوا المؤسّسات. يستخدمون النقص الديموقراطيّ في البرلمانيّين كي يفرضوا العدم الديموقراطيّ.

تجربة طيّب أردوغان، بعد تجارب أخرى كثيرة في هذه المنطقة، تقوم على افتراض الحلّ الواحد والحاسم والناجز لمشكلات معقّدة يشهد حلّها بالضرورة تقدّماً وتراجعاً وانتكاسات وتسويات. «حكمة» الحلّ الواحد الحاسم والصائب الذي يرقى رفضه إلى خيانة، هي أمّ الاستبداد وأبوه. الزعيم التركيّ يعيد إلى تلك «الحكمة» رونقها الذي بدا في وقت سابق أنّها فقدته. تركيّا نفسها وأردوغان نفسه كانا قد وجّها طعنات نجلاء لحكم العسكر. لكنْ يبدو اليوم أنّ مقوّمات الاستبداد والحكم القويّ لا تزال قويّة وقادرة. ما كان ينقص هو أن تتعزّز الشعبويّة في العالم حتّى يتغلّب الطبع الأردوغانيّ على التطبّع، فيحصل في تركيّا ما حصل في الدول المجاورة لها. النهاية التي انتهت إليها الثورات العربيّة جاءت عنصر تعزيز آخر للوجهة هذه.

أن يصير أردوغان سلطاناً أو وليّاً فقيهاً أو قائداً ملهماً أو أباً للشعب لا يزال في حاجة إلى جهود قد لا تحتملها تركيّا، جهودٍ يقاومها اليوم مناضلون ونشطاء مدنيّون عافوا الآباء والأولياء والملهمين. والفارق كبير، بطبيعة الحال، بين الـ 99 في المئة الشهيرة للقادة الذين هم مثالات أردوغان، والـ 51 في المئة التي نالها هو. لكنّ برنامج الرئيس التركيّ، على ما يبدو، هو هذا بالضبط: أن يصير الشعب ماشية، وأن يصير الحاكم نصف إله. أن تسير تركيّا بالتدريج نحو الـ 99 في المئة أو ما يقاربها. وعلى الطريق إلى الهدف ستُكتشف «مؤامرات» كثيرة يقف وراءها شياطين وأوروبيّون وصليبيّون ونازيّون وأكراد وإرهابيّون من كلّ نوع. طريق الكذب هو الذي ستسلكه تركيّا أردوغان وصولاً إلى حتفها، أو إلى حتفه هو.

—————————————–

أردوغان يلعب بمصير تركيا/جهاد الخازن

الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا أطلق أزمة لم تنته بعد. أركان أحزاب المعارضة والمراقبون من الاتحاد الأوروبي يصرون على أن تزويراً أو تجاوزاً رافق الاستفتاء، وقد أعلنت المعارضة التركية أنها ستتحدى نتائج الاستفتاء في البرلمان أو في المحاكم، رغم إصرار لجنة الاستفتاء التابعة لأردوغان على صحة النتائج، وقول أردوغان إنه يثق بأن المحاكم ستؤيده.

نتيجة الاستفتاء الرسمية كانت موافقة 51.4 في المئة على التعديلات الدستورية ومعارضة 48.5 في المئة. الحكومة التركية أشرفت على إجراء الاستفتاء وتقرير المراقبين الدوليين قال إن فرص التصويت لم تكن متكافئة فجانب واحد طغى على الاستفتاء وفرض قيوداً على الميديا، وحدَّ من قدرة ناس كثيرين على الوصول الى مراكز الاقتراع. وقرأت أن نتيجة الاستفتاء قتلت الديموقراطية في تركيا وأعطت أردوغان صلاحيات ديكتاتورية، لذلك هو يعتقد أن من حقه البطش بالمعارضة.

أردوغان يقول إن 25 مليوناً صوتوا الى جانب التعديلات الدستورية، ويرى أنه يملك تصريحاً للسير بتركيا كما يريد، ومن ضمن هذا عودة عقوبة الإعدام رغم تهديد الاتحاد الأوروبي بأن عودتها ستُقابَل بإلغاء طلب تركيا الانضمام الى الاتحاد الأوروبي.

لاحظتُ أن دونالد ترامب كان الوحيد بين قادة العالم الغربي الذي أرسل تهنئة الى أردوغان على فوزه بالاستفتاء، وقد أعلن أن أردوغان سيزور واشنطن الشهر المقبل. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً هنأ أردوغان.

أجد الحديث عن «قتل» الاستفتاء الديموقراطية في تركيا خطأ أو مبالغة. الديموقراطية في تركيا تعاني منذ مجيء أردوغان الى الحكم، وزادت معاناتها بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 15/7/2016. هناك 113 ألف معتقل بينهم 2.575 من القضاة والمدعين العامين، وقد طرِد 125 ألفاً من وظائفهم، وأغلق 177 من أجهزة الميديا ثم أعيد فتح 11 منها، كذلك أغلقت ألفا مدرسة وجامعة وبيت طلبة، وسُجِن 131 صحافياً.

أردوغان يوصَف بأنه «سلطان» جديد. والتهمة ليست بعيدة من الواقع، فهو قرر أنه انتصر رغم تقارب النتيجة والمخالفات الكثيرة في عملية التصويت لتأتي بنعم. هو يتجاوز أن غالبية في إسطنبول وأنقرة وإزمير، أي أكبر الحواضر التركية، صوتت ضد التعديلات الدستورية، ومثلها فعلت بلدات وقرى في مناطق الأكراد.

أخشى أن يرتد تشدد أردوغان على الأتراك جميعاً، فالبلاد تعاني من موجة إرهاب مستمرة، وهي في حرب مع حزب العمال الكردستاني، وتوجد قوات تركية داخل سورية لمحاربة «داعش» والإرهابيين الآخرين. وهذا كله فيما الاقتصاد التركي يعاني بعد فترة ازدهار غير مسبوقة بدأت بفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات.

لا أرى أن أوروبا من أولويات أردوغان الآن. هو أعلن عن استفتاء لسحب طلب العضوية في الاتحاد الأوروبي، ويركز على إضعاف المعارضة. أساليبه تتجاوز القانون كما في الاستفتاء نفسه، ومشكلة المعارضة في مواجهة الرئيس التركي أنها ليست موحدة، والحزب الرئيسي فيها هو حزب الشعب الجمهوري الذي يقوده كمال كيليجدارأوغلو. أما حزب الشعب الديموقراطي، أو حزب الأكراد في تركيا، فقد سجن أردوغان اثنين من أبرز قادته.

تركيا كانت دولة شبه ديموقراطية حتى مجيء حزب العدالة والتنمية الى الحكم سنة 2002، وأردوغان عمل يوماً بعد يوم لانتزاع السلطات من البرلمان، ولإخضاع القضاء لإرادته، حتى لم يبقَ في تركيا شيء من مظاهر الديموقراطية السابقة.

ربما جاء يوم يكتشف فيه أردوغان أنه لا يستطيع أن «يُفصِّل» العالم على قياسه الشخصي، ولكن أخشى أن يدفع المواطن التركي ثمن طموح أردوغان، حتى لا أقول غروره، قبل أن يستفيق الرئيس أو يُعزَل.

نقلاً عن موقع الحياة

———-

بائع الكعك سيعتمر عمامة السلطان سليم الأول!/سليم نصار

السبت الماضي، دعا الرئيس رجب طيب أردوغان الجماهير الغفيرة التي تجمعت في ساحة «تقسيم»، وسط إسطنبول، إلى التصويت لمصلحة التعديلات الدستورية المقترحة. وهي تعديلات جذرية تهدف إلى تحويل نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي. ومن المتوقع أن يستتبع هذه النقلة التاريخية إلغاء منصب رئيس الوزراء، وزيادة أعضاء البرلمان إلى 600 وخفض سن الترشح إلى 18.

قبل صدور النتائج النهائية عن اللجنة العليا للانتخابات، اكتفى رئيس الوزراء بن علي يلدرم بالأرقام الأولى التي أعطت «نعم» نسبة 51.4 في المئة. وعلى الفور افتتح أردوغان وزوجته أمينة مهرجان الفوز في ساحة إسطنبول، محاطاً بآلاف من محازبيه وأنصاره الذين رفعوا علماً يبلغ طوله خمسين متراً، كان يرفرف فوق الشرفات التي تنقل فوقها الرئيس لإلقاء خطاب الشكر والوعود البراقة.

ويُستدَل من طبيعة الزيارات التي قام بها أردوغان إلى أضرحة الرموز التاريخية التي تأثر بنهجها العقائدي والسياسي، أنه قرر إحياء ماضيها المشرف عبر المستقبل الذي تعهد بترسيخ دعائمه. وقد باشر زياراته بالصلاة أمام ضريح محمد الثاني الملقب بالسلطان الفاتح لأنه حاصر القسطنطينية، وأزال عنها نفوذ بيزنطية (عام 1453). كذلك زار ضريح معلمه الروحي نجم الدين أربكان، وضريح عدنان مندريس الذي أعدمه الجيش بتهمة تأسيس جمهورية دينية بدل الجمهورية العلمانية.

ولاحظ مرافقوه إلى صالة السلطان سليم الأول أنه تأمل بالعمامة طويلاً كأنه يتمنى لو يعتمرها.

ومع أن أردوغان يعلق صورة كمال أتاتورك على جدار مكتبه، إلا أنه تحاشى زيارة ضريحه لأنه لا يؤمن بإنجازاته العلمانية، ولا يوافق على إخراج تركيا من عباءة محمد الفاتح. وقد ظهر هذا التوجه المعارض بصورة عملية عندما باشرت وزارة التعليم حذف مآثر منقذ الامبراطورية من كتب التاريخ. وانسجاماً مع نصائح أردوغان، قررت وزارة المالية وقف تجديد طباعة العملة الوطنية التي تحمل صورة مصطفى كمال أتاتورك. وهذا ما نقله مراسل صحيفة «التايمز» اللندنية، عن أنسباء يتحدرون من أسرة أتاتورك. ويقول أحد هؤلاء، واسمه فايز الله، إن جده تزوج صبية تنتمي إلى أسرة أرستقراطية عريقة، ولكنه طلقها بعد ثلاث سنوات، حينما اكتشف أنها عاقر. لذلك بقي محروماً من الأولاد.

ومن المؤكد أن الشعبية التي حظي بها أردوغان طوال خمس عشرة سنة أعانته على إطلاق «حزب العدالة والتنمية». وهو الحزب الذي اهتدى بتوجهات نجم الدين أربكان، الداعي إلى اعتماد الإسلام السياسي حلاً نهائياً لمشاكل تركيا.

مع مراجعة سيرة حياة أردوغان يقتضي التذكير بأن وصوله إلى مركز الضوء لم يكن سهلاً أبداً. لقد رأى النور في 26 شباط (فبراير) 1954 في منطقة قريبة من إسطنبول. وكان والده يعمل قبطاناً لمركب تجاري في البحر الأسود. وبسبب حاجة العائلة إلى دعم أولادها الخمسة، فقد اضطر أصغرهم- أي رجب طيب- لأن يساهم بقسط ضئيل من طريق بيع الكعك بسمسم.

التحق أردوغان بمدرسة دينية مجانية، حيث حقق هوايته في لعبة كرة القدم. وشدته هذه الرياضة بحيث أنه كاد يصبح لاعباً محترفاً، لولا انغماسه في السياسة. ومع هذا كله، فقد وظف ولعه بالرياضة لخدمة انتخاباته، بحسب ما يروي مستشاره الإعلامي الذي كتب يقول: «انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أخيراً فيديو دعائي لدعم حملة الترويج للنظام الرئاسي. ويصور الفيديو الشعب التركي على أنه فريق كرة قدم يلعب ضد فريق أوروبي. وفجأة نزلت إلى الملعب فتاة تركية لترفع بطاقة حمراء في وجه الحكم. ولم تكن تلك البطاقة سوى النظام الرئاسي الجديد». والعبرة من هذا الفيديو تؤكد استمرار ولع أردوغان برياضة كرة القدم التي توّجها في بلاده بإطلاق اسمه على أهم فريق في إسطنبول.

المهم، أنه باشر حياته السياسية بالانخراط في «حزب الخدمات الاجتماعية» الذي أسسه نجم الدين أربكان عام 1980. وأعانه هذا الحزب على الوصول إلى رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994. وفي هذا الموقع حقق إنجازات عمرانية واجتماعية كافأه الشعب عليها لمدة أربع سنوات. أي إلى أن تدخل العسكر لحل حزب أربكان.

عام 1998 أقدم أردوغان على تعريف تماسكه مع حزب أربكان باقتباس أبيات بالغة الدلالة، مطلعها: «الجوامع هي ثكناتنا… وقبابها هي خوذاتنا… والمنارات هي حرابنا… والمؤمنون هم جنودنا».

ورأت الحكومة العلمانية في حينه أن رئيس البلدية قد تجاوز صلاحياته بسبب نظم قصيدة دينية، الأمر الذي دفعها إلى زجّه في السجن. واللافت أن الشعب المعجب بجرأته، انتصر له وأرسل وراء سيارة الدولة أكثر من ألفي سيارة كانت تطلق أبواقها طوال الطريق.

أمضى أردوغان في السجن 130 يوماً، خرج من بعدها ليؤسس «حزب العدالة والتنمية» بمساندة صديقه عبدالله غل. وكان ذلك في 14 آب (أغسطس) 2001.

أول فوز انتخابي حققه الحزب كان في عام 2002، يوم ترأس عبدالله غل الحكومة. ومنذ ذلك الحين و «حزب العدالة والتنمية» يفوز في الانتخابات العامة. أي أنه ربح في عشر دورات وثلاثة استفتاءات. وعلى رغم هذه الانتصارات، ظهرت على الساحة التركية والإقليمية والدولية شخصية تنافس أردوغان على الزعامة الدينية. إنها شخصية الداعية فتح الله غولن.

ويبدو أن سيرة هذا المناهض لطموحات أردوغان قد ظهرت على سطح الأحداث من جديد، خصوصاً عندما اتهم زعيم «حزب الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو رئيس الجمهورية بأنه هو الذي دبّر محاولة الانقلاب بهدف الانتقام من جماعة غولن ومنع الشعب من تأييد «حركة الخدمة» التي يتزعمها. علماً أن غولن كان من أقرب أصدقاء أردوغان، ولكنه كان يغار من شعبيته ومن تأثير حركته على توسيع صلاحياته الرئاسية.

وذكر في حينه أن أردوغان قلد ماوتسي تونغ في ثورته الثقافية التي افتعلها الزعيم الصيني بواسطة «الحرس الأحمر» من أجل التنكيل بالمتآمرين ضده. وأول ضحية كان وزير الدفاع بانغ داهواي الذي حمله أنصار ماو في سلة بعدما كسروا رجليه ولطخوا وجهه بالحبر.

وكان من المتوقع أن يستغل أردوغان ذكرى 15 تموز (يوليو) الماضي ليهاجم «حركة الخدمة» وأنصار فتح الله غولن. وقد وصفهم بالخونة، وجدد الحرب ضدهم لمعاقبتهم على قتل المدنيين وقصف مقر البرلمان أثناء محاولة الانقلاب!

وظهرت تلك العملية المفتعلة كخطوة ضرورية لإلقاء القبض على 47 ألف شخص، وكذلك إقالة 120 ألفاً آخرين. كل هذا جرى خلال فترة قصيرة جداً، مما يؤكد ضلوع الحزب الحاكم وإصراره على الإمساك بمفاصل السلطة.

ولم يخفِ الرئيس في خطبه أهمية «الانقلاب» الذي تم في 15 تموز الماضي، والذي وصفه أيضاً بـ «الثورة» التي ستعيد تشكيل تركيا من جديد، تماماً مثلما شكلت ثورة 1789 الجمهورية الفرنسية بعد عصر ماري أنطوانيت أو مثلما شكلت الثورة الشيوعية تاريخ روسيا بعد القياصرة.

لهذه الأسباب وسواها، زعم أردوغان أن حصيلة الاستفتاء ستدمر الإرث الذي تركه كمال أتاتورك، لتعمل على بناء إرث جديد داخل العالم الإسلامي وقبالة العالم الغربي. وكان بهذا الوصف يشير إلى موقع بلاده الاستراتيجي الممثل بتمثال جانوس- إله الأبواب والبدايات لدى الرومان. وهو تمثال مؤلف من وجهين… واحد ينظر إلى الشرق الأوسط والآخر ينظر إلى أوروبا. والثابت أن الرئيس- والسلطان المقبل- قد حسم خياراته، وقرر الانتماء إلى المنطقة بدليل أنه شبّه سلوك ألمانيا وهولندا نحوه بسلوك النازيين.

وفي خطاب آخر ألقاه في مدينة بورصة غرب تركيا، قال للحشود التي استقبلته: «لا تعرّضوا عالمكم للخطر، ولا تضرّوا بأماكنكم في العالم الآخر إذ تصوتون ضد الإصلاحات الدستورية».

وليس هناك تفسير لهذا الكلام سوى الاقتناع بأن تأييد الإصلاحات يوازي في نظره الفريضة التي تجزى ببطاقة دخول الجنة. وهكذا جعل أردوغان معركته الخاصة هي معركة تركيا… بل هي معركة الوطني ضد الخائن… ومعركة أبناء النور ضد أبناء الظلام. ومن دواعي الأسف أن يكون أردوغان قد تقمّص شخصية منافسه فتح الله غولن!

نقلاً عن موقع الحياة