هل يصنع الحزب ديكتاتوره؟؟../سعيد الحمد

4970
لم يطرح الحزبيون على أنفسهم هذا السؤال، وكيف لهم أن يطرحوه وصناعة ديكتاتور الحزب جزء من التكوين السياسي أو من التربية الحزبية ذاتها.

أقول هذا الكلام عن يقين وثقة وتجربة، وعن قرب قريب استمعت شخصياً لقياديين وكوادر حزبية متقدمة وهم يرون جزءاً هاماً من صناعة الحزب كل حزب لديكتاتوره، فهل هي طبيعة الثقافة المتخلفة العامة عكست نفسها واعادة انتاج ذاتها في الحزب؟؟

قائد لحزب معروف في منطقتنا وزعيم أوحد.. ساقته الأقدار الى السجن، وهي حكاية أخرى، خرج من سجنه الطويل نسبياً ليجد زعامته ورئاسته للحزب قد تم الاستغناء عنها والغاؤها ضمن عملية انقلاب حزبي انتهز فرصة وجود الزعيم «الامين العام» في السجن البعيد لينقلب ديكتاتور صغير على الديكتاتور الكبير وليمارس ذات الدور بعد ان ملأ الفراغ كما برر انقلابه الذي لم يكن بحاجةٍ لتبريره أصلاً.

فهذه الأحزاب كانت تُسمي الانقلابات العسكرية «ثورة» وكانت تهتف في شوارع بغداد على سبيل المثال «ماكو زعيم إلاّ كريم» وتقصد العسكري عبدالكريم قاسم الذي قاد انقلاب العراق في 14 يوليو 1958، وبعد أقل من خمس سنوات أطاح به انقلاب عسكري «ثورة» وأعدمه بالرصاص دون محاكمة في دار الاذاعة.

وهكذا فالأحزاب التي اصطفت وراء الانقلابات العسكرية وصنعت الرئيس الديكتاتور صنعت في ذات الوقت ديكتاتور الحزب بوصفه رئيساً أو أميناً عاماً أو سكرتيراً أوحداً يخيط في الحزب كما يشاء.

أمين عام أحد الاحزاب مارس هو الآخر شكلاً آخر من اشكال الديكتاتورية الفظة مع قيادي وكادر منفي معه حين ضغط عليه ضغطاً نفسياً في الغربة حتى أودعه مستشفى الأعصاب، فكان ذلك الايداع مبرراً للزعيم ويكتاتور الحزب للتعامل معه حزبياً بوصفه «مخبولاً ولن نقول مجنوناً» كما كان الزعيم يقول ويهمس لبعض الرفاق في الغرف المغلقة.

وديكتاتور آخر مارس الاقصاء والالغاء مع مجموعة قياديين ليختار مكانهم شباباً صغاراً كانوا يوالونه بشكل السمع والطاعة وبوصفه ولياً فقيهاً لا يُرد عليه.

ثم مارس البعض لعبة الدمى التي تحركها الأصابع من خلف الستار وهي لعبة الأراجوز كما تعرفون فتظاهروا بالتعفف عن المنصب الأول.. لكنهم أوعزوا لصغارهم باختيار رئيس بعينه، كان موالياً حتى العظم للزعيم الديكتاتوري القابع في الظل يبتسم بخبث خبيث فهو أمام العامة والبسطاء متعفف وزاهد في الزعامة، وهو هناك في الحزب الآمر الناهي.

ورحم الله الراحل الدكتور المناضل أحمد الربعي الذي كتب يوماً «في داخل كل منا ديكتاتور صغير» ورحم الله الكاتب اليساري المصري أمير اسكندر الذي كتب عموداً راقياً عن صناعة الديكتاتور.

ومنذ اكثر من سنتين قالوا «سنمارس النقد الذاتي» وحتى اللحظة لم يكتبوا كلمة نقد ذاتية واحدة فكيف لمثل هكذا احزاب ان تنتج ديمقراطيةً حقيقية في عملها وداخلها وفي اسلوبها؟؟ هل نحكي عن الشللية داخل كل حزب صغير محدود العدد والعدة او نحكي عن المحاصصة الانتخابية للمكاتب السياسية واللجان المركزية وفي النهاية لا يتعدى العدد الكلي بالمجمل مئة شخص فقط.

لا نسخر، لكنهم يسخرون من أسلوبهم الذي يعرفون جيداً وبالتفاصيل الصغيرة كيف صنعوا ديكتاتورهم وخلف كل ديكتاتور ديكتاتور جديد يأتي بمثل من سبق، فاللاحق كما السابق، وتلك كارثة احزابنا العربية منذ بدايات انشائها وتأسيسها، ولربما تخلصت من اشياء كثيرة لكنها لا تريد ان تتخلص من صناعة ديكتاتورها وما زالت تنتج ذلك على قدم وساق