في حديث عن الذكريات كتبت التقدمية خانم زهدي في طريق الشعب العراقية ان الذكريات تتسابق، وفي الذاكرة الكثير مما لا مجال ذكره في مقال واحد عن حياة مناضلة كبيرة كحياة نزيهة الدليمي، انها حياة مليئة بالكفاح ونكران الذات.
عن هذه المرأة التي خاضت معترك الصراعات ولم تغادر لحظة واحدة موقعها الوطني والأممي المنحاز للمرأة والاستغلال الوطني والديمقراطية والاشتراكية تقول: تركت الفقيدة نزيهة بصماتها في كل مجالات أسهمت فيه، وشاركت وبمسؤولية عالية في الحركة النسائية الديمقراطية وفي الحركة الوطنية وحركة السلام، وفي مختلف الظروف والازمات والمحن التي مرت على العراق، وفي مختلف مراحل حياتها، منذ ان كانت طالبة في كلية الطلب، وبعد تخرجها عملت كطبيبة في اماكن مختلفة في العراق، وقد اصبحت عيادتها عيادة للفقراء.
وتروي زهدي، كيف تعرفت نزيهة على معاناة الناس ومشاكل المرأة عن قرب، وأصدرت كتابًا حول ذلك بعنوان: المرأة العراقية، وفي السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية ساهمت الفقيدة في 1944 في تأسيس جمعية مكافحة الناشية والنازية النسائية، التي فضحت النازية والفاشية وأهوال الحرب وجرائمها وبقرار من اعضائها تحولت هذه الجمعية إلى جمعية نسائية باسم رابطة نساء العراق، وبرئاسة السيدة عفيفة رؤوف وكانت الدكتورة نزيهة في هيئتها الادارية وغيرها كالدكتورة عفيفة البستاني وروز خدوري وسعدية الرحال وفكتوريا نعمان.
وقد كان نشاط الجمعية يتمثل في محو الأمية وتوعية النساء وعقد ندوات ثقافية وكانت لها مجلة باسم تحرير المرأة وكانت نزيهة ابرز محرراتها.
وتستكمل زهدي حديثًا: لقد اغلقت الجمعية مع المجلة في 1947 بعد اعلان الحكومة الرجعية عن حملتها الارهابية على الحريات العامة.. ومع انتماء المناضلة نزيهة إلى الحزب الشيوعي العراقي حددت اختيارها الحاسم في النضال في صفوف الحركة الماركسية.
في تلك الفترة كان العراق ترزح تحت الحكومات العميلة للاستعمار وكانت النساء العراقيات محرومات من كافة الحقوق في العمل والحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فالعلاقة بين حرمان المرأة من الحقوق الانسانية ومشاكل الشعب علاقة عضوية لا يمكن تجزئتها ومن هنا تمكنت المناضلة نزيهة وقريناتها من طرح القضية في الاطار التالية، أولاً: حلّ مشكلة المرأة يرتبط ارتباطًا عضويًا بحل مشكلات الديمقراطية في المجتمع، ثانيًا: تحقق المرأة اهدافها بالكفاح المنظم ضد اعداء الوطن. ثالثًا: مشكلة المرأة مشكلة عالمية، تهم نساء العالم، ويتعين ان ترتبط بنضال نساء العالم، وفي هذا الاطار سارت المناضلة في نشاطها بعزم نافذ وصبر جميل.
وفي عام 1949 تعرفت زهدي على المناضلة نزيهة التي لم تترك مجالاً في النضال لم تسهم فيه وتترك بصماتها فيه.
ومن هنا تتذكر زهدي وتقول: عندما قررنا تأسيس جمعية تحرير المرأة كجمعية نسائية تحمل أهدافًا مزدوجة (حقوق المرأة وحماية الطفولة) بالارتباط مع التحرر الوطني والسلام عام 1951 كنا أنا وهي بعد انتهاء دوام العمل نذهب ليلاً لجمع التواقيع لترقيمها إلى وزارة الداخلية بغية اجازتها.
وبعد ان رفضت تلك الوزارة الموافقة على اجازتها تأسست منظمة الرابطة (رابطة المرأة العراقية) بنفس الاهداف في اجتماع سري وعلى رأسها الدكتورة نزيهة ومن هيئة مؤسسة من نزيهة ومبجل بابان وخانم زهدي وسافره جميل وزكية شاكر وبشير بورتو وسلوى صفوت وزكية خوشناو.
وكان الاعلان الاول لتأسيس رابطة الدفاع عن حقوق المرأة (رابطة المرأة العراقية) في 1952.
وتتحدث زهدي عن الظروف الصعبة التي مرت بها الرابطة والعمل السري لفترات طويلة ومع ذلك تقول: اصبحت الرابطة منظمة نسائية مؤثرة تهز الرجعية ومفاهيمها وأحكامها، فليس من المستغرب ان تتعرض إلى مختلف الملاحقات وخاصة ايام حكم البعث الفاشي المعادي للشعب والديمقراطية!!
وعلى هذا الأساس اضطرت المناضلة نزيهة إلى مغادرة العراق – الواقع اليوم في مستنقع المحاصصة الطائفية والغزو الايراني – وتعرض الكوادر والاعضاء إلى صنوف الاضطهاد حتى التصفية الجسدية، ففقدت الرابطة الكثير من اعضائها واضطرت الاخريات إلى ترك الوطن والاستقرار في بعض البلدان العربية والاوروبية.
واستقرت نزيهة في براغ ثم في المانيا، من هناك بدأت تمارس مسؤوليتها في المجال النسائي والوطني، حيث كان لها نشاطات متعددة الاوجه.
عاشت نزيهة سنوات صعبة في الخارج، وكانت صحتها في تراجع وتدهور، حيث اصيبت بجلطة في 2002 اقعدتها عن العمل وبقيت هناك إلى يوم وفاتها 9-10-2007، وبرحيلها خسرت الحركة الديمقراطية والنسائية والحزب الشيوعي العراقي، خسارة جسيمة!!
وعن تاريخ ونشاط الرابطة تقول زهدي: هكذا مرت 65 سنة مليئة بالنضالات الصعبة والمنجزات الكبيرة للحركة النسائية الديمقراطية، واصبحت الرابطة اكبر منظمة فعالة على جميع الاصعدة في الوطن وبلدان المنطقة، وقدمت منجزات كثيرة وفي مقدمتها قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 كما اصبحت منظمة نسائية مرموقة في الحركة النسائية العالمية، حيث حضرت المناضلة نزيهة مؤتمر الاتحاد النسائي العالمي (انرع) في 1953 ولأول مرة وبناءً على مساهمتها الفعالة اصبحت الرابطة عضوًا في سكرتاريته، والدكتورة نزيهة عضو مجلس، وفيما بعد عضو مكتبه ومن ثم نائب الرئيس.
وهكذا اصبحت المناضلة نزيهة شخصية نسائية عالمية في الحركة النسائية العربية والعالمية