للقريبين من كواليس النظام الايراني سيبدو ترشيح أحمدي نجاد لانتخابات الرئاسة هناك ليس خروجاً من بيت طاعة المرشد الأعلى الذي «أمره» بحزم بعدم الترشح ولكنه ترشح يعلن مبكراً عن بدء صراع الاخوة الأعداء في مرحلة ما بعد خامنئي الذي تسربت أنباء عديدة عن تدهور حالته الصحية نتيجة تفاقم مرض السرطان الذي أصيب به من عدة سنوات.
وما إعلان طهران وكشفها عن المرشح لخلافته «ولياً فقيهاً» سوى رفع الغطاء عن ما كان محضوراً الحديث والنشر عنه «مرض خامنئي» الذي يُبتلى به البشر، ما يفتح ويشرع أبواب الصراع على النفوذ والسلطة في نظام ما زال صراعه الخفي المعلن مستمراً منذ وصول الملالي الى حكم طهران عام 1979م.
وهو صراع تحدثت وتتحدث عنه التقارير بإسهاب طوال العقود الأربعة الماضية في نظام تراتيبي له خصوصية ظن أنها ستحميه وستدرأ عنه الصراعات المعتادة في الأنظمة الثيوقراطية فإذا به ذلك النظام المبتدع يغذي الصراع اكثر وبشحنه بطاقات استمرار ما استمر هذا الشكل الهيكلي للنظام، وهو كعب أخيل في جسم النظام الخارج من كهوف الماضي ليفرض نفسه على الحاضر بالشكل الذي يريده له اصحابه ومخترعوه.
وطبيعة هكذا نظام ينتج داخله امراض الصراعات بما يهدد المجتمع بعدم الاستقرار والتوجسات والقلق وهو ما ينعكس على المشهد اليومي القلق في طهران التي يراهن شعبها على القدر، وهو رهان يكرس سلطة الثيوقراطية في أردأ أشكالها من حيث التخلف الفكري والثقافي الذي يتوارى في هكذا رهانات قدرية على المجهول لتحل محله ثقافة الخرافات والاساطير وعبادة الفرد.
وأحمدي نجاد هو ربيب هذه الثقافة الخرافية وهو في ذات الوقت نتاج الرهانات القدرية المجهولة في ايحاءآتها الخرافية والاسطورية، وهو نموذج مصغر في شبابه لشباب عبادة الفرد «خميني» والمندفع بحماس للتعبير عن طبقة شباب ما بعد انقلاب خميني، ولعل ذلك النموذج الذي مثله نجاد هو الذي دفع به سريعاً للوصول الى منصب الرئاسة مدعوماً وبتزكية ومباركة من الولي الفقيه نفسه الذي أمره مؤخراً بعدم الترشح، فخرج عن طوعه ليس خروج المتمرد على سلطة وسطوة ثقافة عبادة الفرد ولكنه خروج من هو على ثقة بأن سلطة وسطوة «فرد» آخر قادم لمركز الولي الفقيه بعد ان أصبح الولي الفقيه الحالي قاب قوسين أو أدنى من النهاية المحتومة نتيجة المرض الذي عزله عن ممارسة دوره وفرض سطوته وسلطته كما كان في السابق.
ترشح أحمدي نجاد نقرأه بوصفه إعلانا مبكراً مكشوفا للجميع أن الصراع قد بدأ في طهران على النفوذ في مرحلة ما بعد خامنئي، وأن نجاد يرشح نفسه ليس للرئاسة فحسب بل يرشح نفسه وهو الأهم هناك كمركز قوة في صراع الكبار هناك لاسيما مع اختفاء الثعلب رافسنجاني الذي توفي ومع احتمالات قرب اختفاء خامنئي بما يرشح اسماء عديدة لتحل محلهم في صراع القوى الكبرى في ايران، وأحمدي نجاد يرشح ويعلن نفسه أحد أركان هذه القوى وذلك الصراع الذي بدأ يقرع اجراسه داخل كواليس وممرات الاخوة الاعداء الذين يرقبون التحولات بتأهب شديد لقلب المعادلات داخل طهران لصالح كل فريق من الفرق المتنازعة على السطوة والسلطة والثروة.
والسلطة والسطوة والثروة عنوان آخر من أبرز عناوين صراع الاخوة الاعداء في نظام الملالي الذي تأسس بالأصل على صراع الحوزات بل وانطلق من هناك قبل قرونٍ مضت وأخذ شكلاً آخر من اشكال الحرب غير المعلنة مع وصول خميني الى طهران التي دفعت وما زالت تدفع صراعات السلطة والسطوة والثروة وتدفع دون أن تأخذ، وتلك حكاية معمدّه بالدم والدموع.