الانتخابات الرئاسية القادمة قريبا في جمهورية إيران الإسلامية، وجو التنافس بين المرشحين للمنصب، والشد والجذب بين المحافظين والإصلاحيين، فرصة رائعة لطرح مطالب إصلاحية على صعيد السياسة الإيرانية الخارجية والسياسة الخليجية والعربية والدولية، فهي أكثر ما يراها العالم الخارجي من هذه الدولة البالغة الأهمية في المنطقة الخليجية والشرق الأوسط، وأشد ما يدور الجدل حوله من السياسات الإيرانية.
فمنذ سنوات والجمهورية الإسلامية تتبع سياسات قد لا تخدم مصالح شعبها واقتصادها ودورها المتوقع، ولو كانت الانعكاسات السلبية لهذه السياسات منحصرة بإيران وحدها لكانت شأناً داخليا لا يحق لأحد المطالبة بتغييرها وتبديلها، ولكنها للأسف تمس مثلا العلاقات الإيرانية العربية، وتثير على وجه الخصوص الكثير من المشاعر السلبية في مجال العلاقات المذهبية والتعصب الطائفي، الذي يوتر في النهاية الروابط الشيعية السنية في العالم العربي وسائر البلدان الإسلامية، ويعرض مصالح الشيعة ومساجدهم وأمنهم الاجتماعي لمخاطر جمّة.
هل الانتخابات الرئاسية الإيرانية حرة وديمقراطية ونابعة من الحقوق الوطنية والإرادة الوطنية؟ ألا يعقل مثلا، إن كان الجواب بنعم، أن يتبنى بعض المرشحين سياسة إيرانية عربية ودولية جديدة، وبخاصة بعد أن أقفل الملف النووي، وأبدت دول عربية وخليجية رئيسة رغبتها في تجديد الحوار مع إيران، واستعدادها للتعاون في أكثر من مجال؟ ألا ينبغي للمنتديات الانتخابية الرئاسية في إيران أن تناقش مع المرشحين حصيلة تحرك «حزب الله» في سورية ولبنان والعالم العربي، وتدخل إيران نفسها في الصراع السوري والعراقي واليمني؟
هل يحق للإيرانيين المعارضين للسياسة الإيرانية الرسمية في هذه الدول العربية وغيرها، إن كانت الانتخابات ديمقراطية وحرة وشفافة، الاعتراض عليها والمطالبة بسياسات جديدة، وبإدارة سياسية واضحة وشفافة لتكاليف هذا التدخل وحجم الخسائر، وأسباب الاستمرار في مثل هذه السياسة؟ ألا يحق للمرشح لمنصب رفيع كرئاسة الجمهورية أن يتساءل: كم من المليارات صرفت على هذه الأنظمة والحروب والأسلحة والأحزاب؟ وما مصلحة الشعب الإيراني في التورط وخسارة كل هذه الأموال في سبيلها، وتحمل عداوة وكراهية الكثير من بلدان العالم العربي، وتعقيد حياة الإيرانيين في الداخل والخارج وحياة الشيعة عبر العالم الإسلامي وحتى في دول الغرب؟
ثم ألا تكفي قرابة الأربعين عاما من الثورة والتجارب لأن تعود إيران إلى دورها المأمول، وإلى أن يتبنى المرشحون للرئاسة فيها برامج سياسية للتهدئة، وللنهوض الصناعي والزراعي والتجاري والاستثماري بالبلاد، وفتح إيران لرؤوس الأموال الخليجية والخارجية، وإخضاع قوانين التنمية والاستثمار فيها لقواعد الشفافية ومكافحة الفساد، وتطوير السياحة وتجديد البنية التحتية وغير ذلك؟
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشديدة الحساسية من أي تدخل خارجي في شؤونها وفي «الانتخابات» تسمح لنفسها بأن تقرر مصير سورية ولبنان والعراق والعديد من العواصم العربية، وربما تؤثر في انتخابات دول كثيرة وتجلب على نفسها وشعبها وعموم الشيعة للأسف العداء دون مبرر، فكيف يعقل ألا يكترث بكل هذا أحد من مرشحي الرئاسة اليوم أو حتى يشير إليها، أو يتبنى تغييرها؟
إن مرشد الثورة والهيئات الدينية تتحكم في رؤساء الجمهورية في إيران انتخاباً وممارسةً في الرئاسة منذ أربعة عقود أو 38 سنة، وقد توالى على الحكم العديد من الرؤساء، ومنهم بعض الأسماء المرشحة الحالية ممن حكموا البلاد مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والحالي د. حسن روحاني، ولم نر خلال فترة حكمهم، رغم كل الوعود والتصريحات، أي تغيير جوهري في السياسات الداخلية والخارجية، كأن تصبح إيران دولة «طبيعية» مثل تركيا وماليزيا والهند!! أو أن تنتشر الرفاهية والانفتاح في أوساط الشعب الإيراني، أو أن يشعر المواطن الإيراني والمرأة الإيرانية والمثقف الإيراني بأنه حر في وطنه، وصاحب كلمة وقرار في سياساتها، أو أن تنتشر الحرية الدينية والمذهبية للشيعة والسنّة، ويصبح حجاب المرأة قراراً شخصيا لها دون إجبار، وأن تُرفع الرقابة عن الثقافة والفنون والفكر، وأن يصبح الإيراني شخصا مرفوع الرأس في مطارات العالم وعلى حدود الدول ومراكز التدقيق، وفي مأمن من اعتداء أجهزة الدولة والأمن على حقوقه وحرياته في الداخل، وعلى مصير ترقيته الوظيفية! فلماذا لا تجد مثل هذه القضايا من يتبناها من «مرشحي الرئاسة»؟!
إن الانتخابات الرئاسية في الكثير من أنحاء العالم التي يتنافس فيها المرشحون، والتي هي أقل أهمية من دولة مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتضمن الكثير من النقاشات العلنية حول مختلف السياسات، ونرى في مثل هذه الانتخابات في العديد من الدول الخطب الانتخابية الحرة، وفي صحافتها المقالات الجريئة عن مختلف شؤون البلاد، ونسمع الانتقادات العلنية للكثير من جوانب الإدارة السياسية والاقتصادية والمطالبة بإلغاء بعض القوانين وإيجاد قوانين أخرى والحد من السياسات الخاطئة، «وتقليم أظافر مراكز القوى» وبعض كبار المسؤولين، وتوجيه بعض الأسئلة الحساسة للمقصرين وأصحاب القرار… إلخ… إلخ. فماذا رأينا حتى الآن من كل هذا في انتخابات الرئاسة الإيرانية؟
ولماذا ينبغي لرئيس الجمهورية في إيران، بعد مرور أربعين سنة على قيام الجمهورية، أن يكون مجرد تابع لآراء مرشد الثورة، ومجرد رئيس تنفيذي لسياساته وأولوياته، دون إعطاء أي أولوية للناخبين؟ بل ما حاجة الدولة أصلا إلى «رئيس»، إن كان بيد المرشد كل هذه السلطات، وإن كان قادرا على اقتلاعه، مهما كانت شعبيته وسلامة سياساته.. بقرار أو فتوى؟
إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة بالغة الأهمية في المنطقة، وكل دول وشعوب المنطقة بانتظار عودتها إلى مسارها الواقعي والإيجابي المؤثر، والكثيرون يتمنون أن يروا بين مرشحي الرئاسة من يرى لبلاده مثل هذا الدور المهم ويسعى لإحيائه، فإيران ودول «مجلس التعاون» ودول المنطقة بحاجة ماسة إلى التعاون بعد تدهور أسعار النفط، وبعد تعاظم الحاجة إلى التنمية الاقتصادية المشتركة.
ولا شك أن إمكانات إيران وقدرات شعبها واسعة جدا وواعدة، غير أن خيارات مرشحي الانتخابات الرئاسية ليست للأسف بالاتساع نفسه.
نقلانقلا عن المسائية