لفت النظر حديث الصحف الايرانية التي بدأت تسّخن الأجواء لانتخاباتٍ رئاسية جديدة هناك ستجري بعد ستة اسابيع من الآن، حيث دافعت صحف «الاصلاحيين» كما يُطلق عليها في طهران عن «اعتدال» حسن روحاني الرئيس الحالي، وهو «اعتدال» يطرح علامات تعجب كبيرة حول مفهوم «الاعتدال» في المشهد السياسي الايراني الذي لا يمكن بأي حالٍ من الاحوال تطبيق المقاييس والمفاهيم العالمية على تصنيفاته وتوصيفاته الخاصة بذهنية ايرانية تتسيّد الساحة في بلادها وتملي على الشعب مفاهيمها ومصطلحاتها وتوصيفاتها في عملية تضليل لا تخطئها عين المراقب من بعيد للغابة الايرانية، وقد أصيبت بقحط شديد خلال السنوات الأخيرة.
فلا يمكن أن يتقبّل العقل الواعي غير المغيّب «اعتدال» روحاني المزعوم وهو يشاهد مواقفه ويسمع تصريحاته وخطاباته التي تنضح تشدداً وتطرفاً قومجياً فارسياً بطعم الولائية التي استغرق فيها الرجل «المعتدل» أمام خصوم زعم وجماعته أنهم متشددون، فيما الواقع يكشف لنا ان الخصومة هي مجرد تنافس على السلطة ومن يقبض عليها بين جماعات النفوذ، ولا دخل اطلاقاً لحكاية «الاعتدال والتشدد»، فالجميع هناك سواء في ولائيتهم المتطرفة وفي تشددهم العصبوي الواضح.
وسنلاحظ بغير عناء ان صراع «الاعتدال والتشدد» في ايران الخمينية لا يطفو على السطح إلاّ عندما تقترب الانتخابات ويبدأ دق طبول الصراع بين المتنافسين في صراع خاص بهم لاعلاقة له بالمصلحة الشعبية المسحوقة والتي لم تجن غير الشوك من وصول «متشدد» مثل احمد نجاد أو وصول «معتدل» مثل حسن روحاني، فالنتيجة في النهاية مزيد من الاختناقات المعيشية ومزيد من التورط في حروب توسعية خارجية على حساب الشعب الايراني الذي دفع ومازال يدفع ثمن حروب هذا النظام منذ العام 1980.
رفسنجاني الثعلب الذي رحل مؤخراً ابتدع واخترع لهم صراع «الاعتدال والتشدد» ونجح في ان يشد الشعب الايراني ويدفع به الى صناديق الاقتراع والانتخاب من ناحية ولتقطف جماعته ثمار «اعتدالها» المزعوم الذي روجت له وسائل اعلامه، وللاسف انطلت اللعبة الرفسنجانية على قطاع اعلامي واسع من عالمنا العربي فانساق كما هي العادة منحازاً هنا او هناك في صراع وهمي لا ناقة له فيه ولا جمل.
في تجربتنا البحرينية مع الاطماع الايرانية الخامنئية لدينا مجسات خاصة تتلخص وباختضار شديد في موقف «المعتدل أو المتشدد» في اللعبة من البحرين، حيث لا فرق وجدنا أبداً بين «المعتدل والمتشدد» بل يكاد «المعتدل» ان يكون اكثر تطرفاً وتشدداً في موقفه من البحرين بإطلاق تصريحات وخطابات حادةٍ غارقة في العصبوية الشوفينية الفارسية الخمينية في التحريض والتعبئة ضد بلادنا.
فأين «الاعتدال» المزعوم والموهوم الذي يروجون له في القضايا الكبيرة والملفات الساخنة وما اكثرها في المشهد الايراني الغارق في عدائه واستعدائه لجيرانه ومحيطه وحتى للعالم كله، اللهم إلا من بضع بلدان رهنت مستقبل بلدانها او ارتضت لحكوماتها ان تدخل مع النظام الايراني في صفقات مصالح مريبة وغريبة، والشواهد كثيرة.
وفي النهاية وكما اعتقد أننا لن ننساق هنا في اللعبة المفتعلة في صراع انتخابات النفوذ بين متشددين جميعهم وإن اخترعوا «الاعتدال» مجرد ورقة انتخابية لا تعنينا بشيء يذكر، فقد تعلمنا من تجربتنا الكثير والكثير وبما يكفي ان نكشف النهايات من البدايات كما اكتشفناها هنا في الداخل بين «حمائم وصقور ومعتدلين ومتشددين» وهميين كانوا في المحصلة الاخيرة انقلابيين بامتياز مع درجة الخيانة.