ليس تنظيم «داعش» أشد خطراً من تنظيم «القاعدة»، وما أعطاه السمعة الواسعة حول العالم وفي وسائل الإعلام أربعة أمورٍ دعمت بعضها بعضاً: الأول، الدعم الإيراني ودعم نظام الأسد له ليتوسع. الثاني: حجم البشاعة التي كان يتعمدها. الثالث: تطوره في استخدام الإعلام وتقنيات الإنتاج العالية والانخراط الواسع في مواقع التواصل الاجتماعي. الرابع: وهو الأهم تخاذل إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة عن عمل أي شيء مفيدٍ لمواجهة التنظيم والتخلص منه. لم تزل هناك مناطق معتمة تتعلق بـ«داعش» كتنظيم، وهناك علاقات مع بعض الدول لم تتكشف تفاصيلها بعد، ولكن ذلك كله سيخرج للعلن في الفترة المقبلة، وبخاصة مع التوجه القوي للإدارة الأميركية الحالية بقيادة الرئيس ترامب لكف أيدي إيران عن العبث بالمنطقة عبر ميليشياتها التي بنتها، وعبر تنظيمات الإرهاب السُنية التي ترعاها.
ستنطلق حملة واسعة تقودها الأصوليات السُنية، ممثلة في جماعة «الإخوان المسلمين»، وجماعات الإسلام السياسي وتنظيمات الإرهاب بالتعاون والتكامل مع الأصوليات الشيعية من إيران وميليشياتها في لبنان والعراق واليمن وسوريا، ومن بقايا اليسار وفلول ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي» لمهاجمة دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات، التي وثقت تحالفها مع أميركا الجديدة، أميركا ما بعد أوباما.
هذه الأصوليات المتحالفة منذ القديم، ستنسق في ما بينها، وستحظى بدعمٍ لا محدود من النظام الإيراني، ويجب على بعض الدول الإقليمية الداعمة للأصولية السُنية أن تتبيّن موضع أقدامها، وأن تحسم أمرها بين الانحياز للدولة والانحياز للجماعة، وأن تلتفت لمصالحها مع دول الخليج، بدلاً من التماهي مع المشروع الأصولي «الإخواني» المعادي لدول الخليج.
هناك تجمعات مشبوهة منذ سنوات هي أشبه ما تكون بمضافات الأفغان العرب التي كانت منتشرة في باكستان، إلا أن ساعة حمل السلاح لم تحن بعد، وذلك لا ينفي التجهيز لها بحرية كاملة في التجمعات والتنظيمات والتواصل والتخطيط، أو ما كان يعرف إبان حرب الأفغان بـ«الإعداد» تحضيراً للحظة «التمكين» التي هي السيطرة على الحكم، وإحياء حلم الخلافة الذي يجمع كل حركات الإسلام السياسي وتنظيمات العنف الديني. تتجه جماعة «الإخوان المسلمين» نحو أفولٍ تدريجي، وهذا لا يعني بحالٍ انتهائها، فذلك أمر يحتاج لجهودٍ دوليةٍ واعيةٍ ومتكاملةٍ تتجه لمنبع التطرف ولا تكتفي بلحظة الإرهاب، بينما يتصاعد حضور جماعاتٍ أخرى من الإسلام السياسي كـ«السرورية» أو «القطبية» وأمثالها من الجماعات التي تمثل دمجاً بين السلفية و«الإخوانية» في عددٍ من الدول العربية أو الإسلامية أو في الدول الغربية.
بعد أفول «داعش» ستخرج تنظيمات أخرى بمسمياتٍ أخرى لتأدية نفس الدور الإرهابي المقيت، ما لم يتم قطع الجذور والقضاء على أسس التطرف الديني، وستكون معالجة الطائفية المسلحة أولويةً كبرى، تلك الطائفية التي ترعاها إيران وتصدرها للدول العربية إن على شكل ميليشيات بخطاب طائفي متكامل كما في العواصم العربية الأربع التي تزعم إيران أنها تتحكم بها بالكامل (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)، وإن على شكل خلايا التجسس ونشر الطائفية وتمويل الإرهاب.
التوازنات الدولية الجديدة ستدفع باتجاه محاصرة إيران، وإجبارها على العودة إلى الداخل بعيداً عن كل مغامرات النفوذ غير المحسوبة، وكل طموحات بسط الهيمنة الفاشلة، واضطرار إيران إلى الانكفاء للداخل سيجعل ميليشياتها وأحزابها وتنظيماتها في مهب الريح، وستتساقط كثمار بالية من الخيانة والعمالة. وفي إعادة ترتيب المنطقة من جديدٍ ستسهل مهمة «التحالف العربي»، الذي تقوده السعودية والإمارات لدعم الشرعية في اليمن واستعادته من بين فكي إيران لعمقه العربي، وسيكون بإمكان «تحالف الدول المسلمة ضد الإرهاب» أن يؤدي أدواراً فاعلةً ومؤثرةً في عرض العالم الإسلامي وطوله.
نقلا عن العربیه