لا أظن أن تحذير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من إمكانية اغتياله لا يستند إلى أساس. إنه ليس ” دعاية انتخابية” كما رأى البعض، ففي لقاء معه، صحبة زملاء إعلاميين وناشطين مدنيين، في تشرين الثاني الماضي تحدّث بوضوح عن أنّ مواقفه ليست مُحبّذة لدى “جماعته” (الاحزاب والقوى الشيعية المتنفذة في السلطة)، ولم يخفِ قلقه من تنامي قوة الميليشيات الشيعية وتعدّدها.
هل يُمكن اغتيال الصدر؟
اغتيال الصدر سيكون احتمالاً قائماً إذا ما واصل، وتشدّد في، نهجه الحالي المُلحّ في مكافحة الفساد الإداري والمالي، وفي تعديل قانون الانتخابات والنظام الانتخابي المعتمد الآن، وتعيين مفوضية جديدة للانتخابات بعيداً عن نظام المحاصصة الحزبية والطائفية والقومية المتّبع في تشكيل المفوضية. هذا النهج غير مرغوب فيه من غالبية القوى المتنفذة، وهي إسلامية، شيعية وسنية، لأن هذا النهج يمكن أن يؤول إلى الإضرار بمصالح هذه القوى المستحوذة على ركائز قوية للنفوذ ومصادر رئيسة للمال عن طريق مواقعها في السلطة التي ستتعرض الى التقويض أو الإضعاف بالقانون الجديد الذي يريده الصدر وبالمفوضية الجديدة التي يطالب بها.
اذا ما وجدت جهة ما ضرورة للاغتيال، لن يكون من الصعب وضع خطة له، والخطة إذا ما وُضِعت لن يكون من المستحيل تنفيذها في مشهد عراقي ملتبس ومتداخل ومتضارب ومتباين على نحو سريالي.. فاجع.
مع ذلك أظن ان المجانين وحدهم مَنْ يُمكن أن يُقدموا على اغتيال السيد الصدر، ببساطة لأن قتله سيشعل نار حرب لا تُبقي ولا تَذر، خصوصاً بين قوى “الضدّ النوعي” (الشيعي)، ولن تؤول في نهاية المطاف إلى تحقيق الغاية والغرض من عملية الاغتيال.
يُمكن المقاربة بين اغتيال الصدر المُفترض وحادثة اغتيال القس السلفادوري أوسكار روميرو في آذار (مارس) 1980. كان روميرو قساً كاثوليكياً بارزاً في السلفادور الأميركية اللاتينية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وأصبح رئيساً للاساقفة في العام 1977. وبعدما كان محافظاً، راح يتحدث باسم الفقراء وضحايا القمع بعد أن شهد العديد من الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان على أيدي نظام الحكم الخاضع لإرادة وكالة المخابرات المركزية الاميركية (سي آي أيه)، وهي انتهاكات طالت العديد من رجال الكنيسة الذين تعاطفوا مع الحركات الثورية اليسارية (لاهوت التحرير)، ما أدى الى المواجهة المباشرة بين الحكومة والكنيسة، وكانت الحكومة وكذا الفاتيكان يتهمانه بأنه يعض بعقيدة شيوعية.
حظي بشعبية كبيرة داخل بلاده وامتد الاعجاب بمواقفه الى الخارج فرُشّح إلى جائزة نوبل للسلام. وفي 24 آذار 1980 أطلق سفّاح النار على الاسقف أمام باب الكنيسة التي كان يحتفل فيها بيوم القداس وأرداه قتيلاً. وهو كان قد توقّع الاغتيال وتحدّث مراراً عنه، وظهر لاحقاً أن (كتائب الموت) التابعة للحكومة والموكلة بمهام تصفية معارضي النظام، كانت وراء عملية الاغتيال.
المهم إن اغتيال الاسقف كان من الأسباب الرئيسة لاندلاع الحرب الأهلية في السلفادور بين الحكم التابع للولايات المتحدة وتحالف القوى اليسارية (جبهة التحرير الوطني- فارابوندو مارتي)، وهي حرب لم تتوقف إلا بعد 12 سنة باتفاق سلام عقد في المكسيك.
مَنْ يجازف باغتيال الصدر؟
نقلا عن العربیه