في ظل هذا المناخ المليء بالشكوك، ظهرت تقسيمات طائفية بغيضة، لم يشهدها المجتمع البحريني المتعايش والمتعدد من قبل.
ثمة مصالح ادت إلى انتشار الفساد، وتلوث البيئة، وانتقاص حقوق العمال والمرأة، وباستغلال الدين في السياسة.
وثمة عوامل اقتصادية، وقوانين وممارسات خاطئة، ادت إلى تنامي البيروقراطية، وإلى تفاوت واضح في مستوى المعيشة، وتوزيع الدخل والثروة في المجتمع، وهو ما يؤدي على حد تعبير الاقتصادي عبدالقادر شهيب إلى التفاوت الاجتماعي، ويخلق احساساً بالغبن والظلم لدى الفقراء واصحاب الدخول المحدودة وشرائح عديدة من الطبقة الوسطى، وان هذا الاحساس هو اخطر آفة تصيب التماسك الاجتماعي في مقتل.. بينما العدالة الاجتماعية هي افضل وسيلة يمكن بها حماية تماسك المجتمع.
لم يكن العنف والارهاب، والوصاية والتهميش، سوى آلة هدم، تقود إلى توترات، ومخاطر تهدد الاستقرار وتقوض السلم الاجتماعي، وتسلب المجتمع تماسكه، ويدفع الشباب ضريبته الباهظة!.
فعليه ليس هناك ما يبرر العنف والارهاب، والاقصاء، والاعتداء على حرية الآخرين لأن معالجة النواقص والخلل وحماية الحقوق والدولة والمجتمع بالوسائل السلمية لا بالتطرف والتشدد، وان معالجة التوتر والاحتقان السائد اليوم، يبدأ من وقف الاعمال الارهابية التي راح ضحيتها رجال أمن، وشباب في عمر الزهور، ومن الالتزام باصلاحات ديمقراطية واسعة.
ان مسؤولية الحفاظ على مجتمعنا آمنًا مستقرًا يحتضن الجميع مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع.
مما يفرض علينا تجريم خطاب الكراهية ونبذ العنف وثقافة التطرف والشروع في حوار وطني وتثبيت قيم الديمقراطية واحترام الآخر بمنأى عن التشظي السياسي والطائفي، والمزايدات السياسية التي لا تفضي الا الى صب الزيت على النار واشعال الفتن الطائفية والانقسامات والصدامات والتمزق الداخلي!!.
عديدة هي التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهنا، وهذا ما يحمل الجميع مسؤولية كبرى.. نعم هناك حاجة للخروج من الازمة السياسية وحاجة لإزالة معوقات التحولات الديمقراطية، وحماية المنجزات والمكتسبات الوطنية التي لم تأتِ من فراغ، بل نتيجة تراكمات نضالية ومطلبية وكفاح وسجون وتضحيات ومنافٍ.. وحاجة للخروج من النفق المظلم الذي قادنا إلى متاهات، لا سبيل للخلاص منها الا بالتعايش والوحدة الوطنية التي اهم شروطها الولاء للوطن لا لغيره، والدفاع عنه ضد الاطماع والتهديدات الايرانية وغيرها، والاجماع الوطني على قاعدة احترام سيادة القانون في ظل مجتمع مدني حداثي، اساسه فصل الدين عن السياسة وفي ظل مساواة، وحقوق مواطنه متكافئة ومطالب مشروعة.
لا شك ان حوار التوافق الوطني القائم على اسس ديمقراطية، والتعايش بين شركاء الوطن، هما اللذان يكفلان ان نحقق المزيد من النجاح على طريق التقدم الديمقراطي والاجتماعي.
وهذا الامر لا يدعو إلى التعصب، بل الى تنازلات ومصالحة وطنية سنجد انها في النهاية تخدم حل ازمتنا السياسية، ومصالحنا الوطنية، وهو ما يفوت الفرصة على اعداء الوطن من الاسلام السياسي (بشقيه السني والشيعي) الذي يستهدف الدولة والمجتمع، وعلى المشروع الايراني الذي يدعو إلى تصدير الثورة، ودعم الطائفية كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن وفي بلادنا، وتفويت الفرصة ايضاً على اولئك الذين يمارسون التفرقة المذهبية والطائفية، واثارة الحقد والكراهية تجاه الآخر!
وهذا لا يتأتى الا بوعي وطني، مخلص ووفيّ لهذه الأرض الطيبة، التي وفي زمن الاجداد والآباء تغنت بمواويل الفرح في كل قرية ومدينة، وهي تنسج حكايات لبطولات تردد صداها بين اشجار النخيل، والازقة الضيقة، وفي اعماق البحار البعيدة.. بطولات وطنية قاومت المستعمر، من اجل الحرية والقضاء على القهر والاستغلال، وتكريس التعايش الاجتماعي في المجتمع.
وتزداد القناعة رسوخًا، بان لا يمكن ان نبني وطناً قوياً متطوراً، دون تضافر جهود الجميع، وحين تغيب المسؤولية الوطنية والاجتماعية، والانفتاح الديمقراطي، تتفاقم الازمات والفوضى السياسية!!
ان بداية الخروج من الازمات يتطلب – كما اشرنا سلفًا – جهوداً حثيثة، وحوارًا وطنيًا فاعلاً، وهو الخيار الحضاري، الذي يفضي إلى الاستقرار والامن، والوصول إلى استراتيجيات تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية، ومحاربة الارهاب والخطاب الديني المتطرف، وكل اشكال العنف وجهات تمويله!. وهو الامر الذي يستلزم معالجة حقيقية على اكثر من صعيد، لأن الارهاب لا يبني وطناً، ويستلزم ايضاً الرقابة على المؤسسات الدينية، والجمعيات السياسية الطائفية، التي تراهن على الارهاب، والعودة إلى القرون الوسطى!