كنعان مكية.. يعتذر ويكشف/سعيد الحمد

4606
كنعان مكية شخصية عراقية برزت في الفكر والتحليل السياسي والفكري الذي قد تختلف معه لكنك تحترمه، وقد غاب في السنوات الأخيرة خلف المشهد السياسي والثقافي العارم في بغداد واختفى حتى أعاده في صورة أخرى وموقف جريء الكاتب بالشرق الاوسط الأستاذ مصطفى فحص ابن المفكر هاني فحص الذي يعرفه الوسط الشيعي الراديكالي جيداً، وقد اختلفت مواقفهم منه اختلافاً بيناً لسنا في وارد عرضه هنا.

مكية يخرج عن صمته كما فهمنا من مصطفى فحص بكتاب يشرّح فيه الحالة العراقية الحاكمة تشريحاً جريئاً لا يجامل ولا يلتف على الأشياء، بل يذهب مباشرة الى ادانة السلطة أو النخبة الشيعية الدعوية وحلفائها الذين يحكمون بغداد الآن.
كنعان يقدم خلاصة شهادة من داخل التجربة ومن بين عروقها، فهو واحد من العراقيين الذين خدعهم ساسة الدعوة والاحزاب الولائية الأخرى فروجوا لهم بوصفهم «معارضة في المنفى» تستحق الدعم والمساندة والمساعدة، وهكذا كتب وهكذا تحرك ضمن دوائر اتصالاته ومعارفه في الغرب بصناع القرار.
ثم كان ما كان من استيلاء مجموعة نخب الدعوة وباقي الاحزاب الشيعية الولائية على السلطة ومقاليد الحكم في العراق، ليبدؤوا عملية استنزاف ما زالت مستمرة، حتى كتب كنعان الذي كان قريباً منهم «لا يستحقون أن يحكموا أحداً خصوصاً المتشيعين منهم»، هكذا نقل عنه أو بالأدق عن كتابه الاستاذ مصطفى فحص.
كنعان مكية شيعي المذهب، ديمقراطي النزعة ومدني الاتجاه، فصدمه ما كان يبديه ويلعنه في المنفى مجموعة الولائيين الدعويين وغيرهم من ميول ديمقراطية وما يطرحون من شعارات الدولة المدنية التي سرعان ما نقضوها وأداروا ظهورهم لها، وتشرنقوا في دائرة الطائفية الضيقة التي أرادوا حشر العراق كله في زاويتها التي من المستحيل ان تأتي بمقاس عراقٍ تعددي في مكوناته وأطيافه واديانه ومذاهبه.
لكنها شهوة الحكم والتحكم في صراع الاخوة الاعداء وهو الصراع الذي أخذ عنوان الطائفة في عراق ما بعد صدام، فذهب العراق العظيم ضحية هذا العنوان البغيض وعلى مذبح الدم المراق باسم الطائفة ونزعة الطائفية، برزت المصالح الانتهازية لمجموعة المنفى من ساسة الدعوة لينشب بينهم صراع خفي ومعلن على من يجمع ثروة اكبر من الآخر الدعوي، فخرج من خرج من حلبة الصراع ودخل من دخل، وما زال العراق بقرة يتنارع عظامها وما تبقى فيها بقايا لحم، دعويون قادمون بشهوة المال.
كنعان مكية خبأ وجهه بيديه وفرّ خارج العراق ليعتذر من الشعب في سطور رواية «الفتنة» فقد كان مبشراً بالقادم الجديد، فإذا القادم نصل سكين ونصل خنجر ينغرس في خاصرة الشعب العراقي باسم الثأر من معاوية ومن يزيد وباسم دم الحسين، والحسين براء مما يفعلون، وكم من الجرائم ارتكبوها باسمك يا حسين.
غواية السلطة كانت اكبر من الطائفة والطائفيين فطعنوا بعضهم البعض في صراع جرى بين الكواليس، ولم تستطع لا طهران ولا قُم ان تضع حداً لنزيف صراع جماعتها ومازالت توزع العراق غنيمة حرب بين عشيرتها الطائفية الدعوية التي تحج الى «قم» عند كل خلاف حول الكنز الذي كان اسمه العراق.
كنعان مكية سيصمت بعد الاعتذار ولن يملك أن يقول شيئاً وربما اختفى او تخفى بحسرته، والعراق سيظل يجتر اوجاعه في المساء البغدادي الحزين، ولن ينقذه من أحزان بحجم الجبال موال «الريل وحمد» فلم يعد في العراق «ريل»، ولم يعد في العراق «حمد»، وليس هناك من يمر بذلك الطريق الذي مرّ به «الريل» وصاح بقهر