«السيد قلق» يعلن انسحابه من الحياة السياسية/عبداالله المدني

4399
«السيد قلق» هو الاسم الذي أطلقه الكثيرون على الأمين العام للأمم المتحدة المنتهية ولايته «بان كي مون» كناية عن ضعف إدارته للمنظمة الدولية واكتفائه بإصدار بيانات يعرب فيها عن قلقه بشأن الحرائق الدولية المستعرة بدلاً من محاولة إطفائها، وهو ما عرضه لموجة من السخرية حول العالم لم يتعرض لها أي من أسلافه.
«السيد قلق» عاد مؤخرًا إلى بلاده كوريا الجنوبية بعد عشر سنوات عجاف قضاها في منصبه من غير تحقيق أي إنجاز يحسب له. والمفارقة أن هذه العودة تزامت مع استعدادات كوريا الجنوبية لإجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجاري لاختيار رئيس جديد للبلاد بدلاً الرئيسة الحالية «غوين هي بارك» التي صوت البرلمان الكوري على مساءلتها حول قضايا تتعلق بالفساد والتكسب من منصبها تمهيدًا لعزلها بحكم من المحكمة الدستورية.

وهكذا وجد «السيد قلق» الباب مفتوحًا أمامه للترشح للمنصب الأعلى في بلاده، خصوصًا وأنه ألمح إلى ذلك قبل انتهاء مسؤولياته الأممية في ديسمبر المنصرم. صحيح أن للرجل بعض المناصرين الذين استقبلوه بالهتاف في مطار انتشون الدولي بالقرب من سيئول. وصحيح أنه ليس وجهًا غريبًا على الساحة السياسية الكورية كونه شغل في الماضي عددًا من الحقائب الوزارية مثل الخارجية والتجارة، واسندت إليه وظائف دبلوماسية في نيودلهي وواشنطون وفيينا، ناهيك عن عمله في فترات متفرقة كمستشار للرئيس للسياسة الخارجية وككبير مستشاري الرئيس للأمن الوطني وكمدير عام بالخارجية للشئون الأمريكية. وصحيح أنه يحمل درجة الماجستير منذ عام 1985 في الإدارة العامة من معهد مرموق هو معهد جون كينيدي لشؤون الحكم بجامعة هارفرد، إلا أنه لم يعطِ – قط – انطباعًا حول امتلاكه لمواهب قيادية متميزة من تلك التي تحتاجها دولة صناعية صاعدة في وزن كوريا الجنوبية، خصوصًا في وقت تواجه فيه الأخيرة تهديدات متصاعدة من جارتها المشاغبة الشريرة في الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية.
وقد رأى الكثيرون من متابعي الشأن الكوري أنه إذا حزم «السيد قلق» أمره وترشح فعليًا للرئاسة وفاز بها فإن الأمر سيكون بمثابة كارثة كبيرة. وبكلام آخر فإن كوريا الجنوبية ستكون في عهده عرضة لقرارات وسياسة رخوة غير حازمة على شاكلة سياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بدليل طريقة إدارته للأمم المتحدة، ثم تصريحاته التي توحي أنه سيتودد إلى زعيم بيونغيانغ الدكتاتور «كيم جونغ أون» بغية إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية بأي ثمن. حيث سجل عنه قوله: «أنا مستعد لفعل أي شيء لتوحيد كوريا بما في ذلك حرق جسدي».
وربما لهذه الأسباب مجتمعة قابل بعض الساسة الكوريين الجنوبيين مبكرًا فكرة ترشحه للرئاسة بالقول بأنه غير مؤهل للترشح لرئاسة البلاد. فمثلاً قال «لي جيه ميونغ» عمدة مدينة «سونغ نام»: «إن أحد المعايير الرئيسية فيما يتعلق بمؤهلات المرشح الرئاسي هو تحقيق الانجازات في الوظائف العامة السابقة، وعدم التكسب من هذه الوظائف بطريقة غير مشروعة، والشجاعة في محاربة فساد الطبقة المميزة بضراوة، وهذه كلها مؤهلات غير متوفرة في السيد بان كي مون».
غير أن ما صعب الأمور كثيرًا أمام «السيد قلق» لتحقيق طموحاته في رئاسة بلد له حساسية شديدة إزاء الضالعين في قضايا الفساد والافساد، ليس هذا ولا ذاك، وإنما قيام الولايات المتحدة في نهاية العام المنصرم بتقديم عريضة امام محكمة إتحادية في مانهاتن تتهم فيها الشقيق الأصغر لـ «السيد قلق» وابن شقيقه بتقديم رشوة لمسؤول في إحدى دول الشرق الأوسط من أجل اتمام صفقة بيع مجمع مباني في فيتنام مقابل 800 مليون دولار، وهي الأخبار التي وصفها «بان كي مون» فورًا بأنها «مقلقة».
وبسبب هذه الأخبار غير السارة لـ «لسيد قلق»، ثم بسبب اتهامات كشفت عنها أسبوعية «سيسا» حول تلقيه مبلغ 200 ألف دولار أثناء توليه حقيبة الخارجية في عام 2005، فمبلغ 30 ألف دولار في عام 2007 من أحد رجال الأعمال المحليين، فإن شعبيته في استطلاعات الرأي تراجعت بنسبة أربع نقاط لصالح المرشح المحتمل في السباق الرئاسي «مون جيه إن» الزعيم السابق للحزب الديمقراطي، وذلك بحسب وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية التي استطلعت آراء 2022 مواطنًا كوريًا.
ولكونه مرشحا رئاسيا محتملا فقد سجلت كاميرات الإعلام كل عمل قام به منذ لحظة عودته من نيويورك، ليكتشف الكوريون سريعًا حجم الهفوات التي وقع فيها «السيد قلق»، ومدى انفصاله عن واقع بلده وشعبه. فهو مثلا بدا جاهلا بكيفية قطع تذكرة لركوب القطار إلى مسقط رأسه، واشترى زجاجة مياه من نوع إيفيان بدلاً من أن يشتري من النوع الكوري المتداول، وارتدى «المريلة» لإطعام سيدة طاعنة في دور للعجزة رغم ان الأخيرة لم تكن ترتديها، ولبس ملابس واقية خاصة عند تجربة رش نوع من المطهرات رغم أن كل من كانوا حوله ارتدوا ملابس عادية.
ولم يفتْ «السيد قلق» بعد أن قرأ انتقادات لتصرفاته في الصحافة الكورية، أن يبدي قلقه من تصرفات بعض الجهات الخبيثة التي تحاول النيل منه، على حد زعمه.
لكنه في نهاية المطاف أدرك أن فساده عائق أمام ترشحه فقرر أن ينسحب من الحياة السياسية غير مأسوف عليه.

أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي