تناولت وثائق الحكومة البريطانية التي رُفعت عنها السرية قبل أيام في الأرشيف الوطني قضية الرهائن الغربيين الذين كانوا محتجزين لدى «حزب الله» في لبنان في نهاية ثمانينات القرن الماضي، مشيرة إلى الجهود التي بُذلت للإفراج عنهم. وعلى رغم أن الولايات المتحدة وبريطانيا حليفان وثيقان، تكشف الوثائق البريطانية بأن حكومة مارغريت ثاتشر كانت قلقة من أن الأميركيين في عهد الرئيس جورج بوش الأب كانوا يجرون صفقة سرية مع الإيرانيين (الرئيس هاشمي رفسنجاني) والسوريين (الرئيس حافظ الأسد) بهدف تأمين الإفراج فقط عن الرهائن الأميركيين المحتجزين في لبنان، لكن واشنطن طمأنت لندن بأنها تعمل من أجل الإفراج عن جميع الرهائن، بما في ذلك البريطانيون. وتشير الوثائق إلى أن استجواب أجهزة الأمن الأميركية لرهائن تم الإفراج عنهم قدّم معلومات عن أن بعض الرهائن محتجز في برج البراجنة بضاحية بيروت الجنوبية وبعضهم ربما كان محتجزاً بالفعل في المقر السابق للسفارة الإيرانية في بيروت.
لبنان، سورية والرهائن
في مذكرة مرسلة من البعثة البريطانية في سانتياغو (تشيلي)، كتب السفير آلان وايت، في آذار (مارس) 1990، متحدثاً عن لقاء عقده سير جيفري هاو، نائب رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، مع نائب الرئيس الأميركي دان كويل على هامش تنصيب الرئيس التشيلي الجديد. جاء في تقريره:
«ملخص
1- أكد نائب الرئيس كويل أن ليست هناك مفاوضات حالياً مع إيران وسورية في شأن الإفراج عن الرهائن.
التفاصيل:
2- خلال لقائه الثنائي مع كويل سأل سير ج. هاو عن تقارير تفيد أن الأميركيين يتفاوضون على الرهائن. (التقارير عن محادثات سايروس فانس في سورية واتصال رفسنجاني ببوش). قال كويل إن ليست هناك مفاوضات في شأن الرهائن. الأميركيون راغبون في تحسين العلاقات مع السوريين. هم بالطبع يريدون أن يتم الإفراج عن جميع الرهائن، لكنهم أوضحوا للأسد ورفسنجاني – اللذين يعتقد الأميركيون أنهما يفتشان عن طرق للمساعدة – أن مصير الرهائن ليس موضع تفاوض. يجب الإفراج عنهم.
التوقيع: وايت».
وفي 7 آذار 1990 بعثت السفارة الأميركية في واشنطن بمذكرة إلى وزارة الخارجية في شأن الرهائن، كتب فيها السفير أنتوني آكلاند:
«ملخص
1- نقل (المسؤول في الخارجية الأميركية) كيميت ضماناً شخصياً من (وزير الخارجية جيمس) بيكر بأن الولايات المتحدة ليست في أي مفاوضات في خصوص الرهائن، سواء كان ذلك في شكل مباشر أو غير مباشر. الولايات المتحدة تأخذ مصادر قلقنا في الحسبان وستخبرنا فوراً إذا كان هناك أي شيء يحصل له معنى جوهري.
التفاصيل
2- اتصل (روبرت) كيميت الليلة (بمسؤول رفيع في السفارة البريطانية في واشنطن)، بعدما كنا قد اتصلنا بمكتبه في وقت سابق اليوم. قال كيميت إنه نقل قلقنا إلى بيكر الذي طلب منه أن ينقل لك (أي وزير الخارجية البريطاني) الضمانات الآتية:
أ- الإدارة (الأميركية) تضع في تفكيرها طوال الوقت جميع الرهائن، سواء من خلال التصريحات العلنية أو من خلال اتصالاتها الخاصة مع أي شخص يمكنه أن يساعد. ليسوا يبحثون – أكرر ليسوا يبحثون – فقط عن رهائنهم.
ب- الولايات المتحدة ليست منخرطة في أي مفاوضات في شأن الرهائن، سواء مباشرة أو في شكل غير مباشر.
ت- بقدر ما هو متاح للإدارة أن تقوله، ليس هناك أساس للإشاعات الإعلامية الرائجة حالياً والتي تعتقد الإدارة أن وسائل الإعلام نفسها هي من يروّج لها.
3- قال كيميت إن ما كان يحاول أن يقوله فيتزووتر (مارلين فيتزووتر، الناطق باسم البيت الأبيض) في إطنابه الأسبوع الماضي هو أن هناك أشخاصاً من كل الأصناف يأتون إلى الإدارة عارضين معلومات عن الرهائن. لكن هذا عبارة عن قناة اتصال من طرف واحد.
4- اختتم كيميت بأنه في حال كان هناك أي شيء له معنى في الجوهر فالولايات المتحدة ستخبرنا فوراً.
التوقيع: أكلاند».
الإفراج عن رهينة أميركية
وتضمنت برقية سرية عاجلة من السفارة البريطانية في دمشق، بتاريخ 31 أيار (مايو) 1990، معلومات عن الإفراج عن الرهينة الأميركية فرانك ريد بما في ذلك استجوابه وكشفه أنه كان محتجزاً مع رهائن بريطانيين (مثل جون ماكارثي) ومن إيرلندا الجنوبية (برايان كينان).
جاء في برقية السفارة ما يأتي:
«الإفراج عن ريد
ملخص
1- كان ريد معتقلاً إلى جانب كينان وماكارثي إلى تاريخ 28 نيسان (أبريل). دينامية (الإفراج عنه) ما زالت غير واضحة، لكن سورية لعبت دوراً مهماً.
النص
2- نائب رئيس المفوضية (البريطانية) وأنا أُعطينا الرواية الآتية في شكل سري جداً من مسؤول في السفارة الأميركية كان جزءاً من فريق الاستجواب الأولي مع فرانك ريد الرهينة الأميركي الذي أفرج عنه في بيروت يوم 30 نيسان.
3- قال ريد لمسؤولي السفارة (الأميركية) في استجوابه الأولي في دمشق إنه كان محتجزاً منذ تشرين الأول (أكتوبر) 1988 في مبنى قرب مسجد حي السلّم في برج البراجنة بضواحي بيروت الجنوبية. كان معصوب العينين معظم الوقت، ومقيداً إلى سريره. اشترك في الاحتجاز بهذا المبنى مع جون ماكارثي وبرايان كينان وتحدث مع كل منهما حتى تاريخ نقله من ذلك الموقع ليلة 29 نيسان. بحسب ريد، تعرض كل من كينان وماكارثي للضرب لكنهما ليسا في وضع بدني سيء. آخر مرة رأى فيها هذين الرهينتين البريطانيين كان في 28 نيسان. ترك صمود وصلابة كينان أثراً في نفس ريد. كينان كان مصراً على أنه لا يريد أي شيء يتعلق باتفاق على الرهائن إذا كانت الحكومة البريطانية جزءاً منه. فهو رجل إيرلندي من جمهورية إيرلندا وفخور بذلك.
4- كان كينان وماكارثي في ذلك الموقع عندما وصل إليه ريد في تشرين الأول 1988. كان ريد محتجزاً قبل ذلك في سجن تحت الأرض يصفه بأنه عبارة عن حفرة وهو يفترض أن موقعها في سهل البقاع. الحفرة شكّلت جزءاً من بيت-سجن كان ريد، بحسب ما يزعم، محتجزاً فيه في أوقات مختلفة مع الآتي ذكرهم: شخص كوري جنوبي، الأب جنكو ورجل فرنسي (جميعهم أفرج عنهم الآن)، و(توماس) ساذرلاند و(تيري) أندرسون (ما زالا محتجزين).
5- يقول ريد إنه في الإجمال تم نقله 16 مرة بين هذه الأماكن خلال فترة احتجازه التي دامت 3 سنوات و9 أشهر. وعلى رغم ذلك فهو خرج من هذه المعاناة بحالة ذهنية وبدنية جيدة على رغم أنه بدا شاحباً وفقد من وزنه. الذين استجوبوه لاحظوا ضعف صوته لكنه كان توّاقاً للكلام. على رغم ذلك فإن شهادته تضمنت بعض التضارب، كما أن مستجوبيه تفاجأوا بأنه رأى كل هذا العدد من الرهائن الأجانب على رغم أنه قضى معظم وقته معصوب العينين. كان يعتقد أنه آخر الرهائن الذين يفرج عنهم لكنه قال (في الوقت ذاته) إن تيري ويت ما زال محتجزاً (بحسب رأيه) في المبنى القديم للسفارة الإيرانية في بيروت. المستجوبون في فيسبادن (ألمانيا) سيكوّنون رأياً أكثر عمقاً في شأن مدى صدقيته.
6- أُفرج عن ريد من دون أن يحمل رسالة مكتوبة من خاطفيه، فقط رسالة شفوية غالباً ما تتكرر (فحواها) أن كل ما يريده الخاطفون هو أن يكون هناك أحد من الولايات المتحدة أو أي حكومة أجنبية أخرى مشاركة (في قضية الرهائن) للتحدث معهم.
7- ما زالت السفارة الأميركية غير متأكدة بالتحديد ما هي الدينامية التي يُعمل بها هنا. لكنها تعتقد أن الإفراج لا يمكن أن يكون قد حصل من دون التزام وضغط إيراني قوي على الخاطفين. على رغم ذلك، لعب السوريون دوراً أساسياً مسهّلاً في ترجمة الموقف الأميركي لطهران وفي إعطاء الإيرانيين غطاء ودعماً معنوياً. السفارة لا تعتقد أن الإفراج يمكن أن يكون حصل من دون سورية. ولكن ما زال من غير الواضح كم من الفضل يجب إعطاؤه لسورية لبدئها عملية (الإفراج عن الرهائن).
8- ريد هو الثاني من بين رهينتين قال السوريون في الأصل إنه سيتم الإفراج عنهما. السفارة غير متأكدة بعد ماذا سيحصل الآن. الإدارة الأميركية قالت بوضوح إنها تريد جميع – أكرر جميع – الرهائن أن يفرج عنهم. فقط بعد ذلك يمكن أن تتحسن العلاقات الأميركية – الإيرانية. السوريون أُبلغوا بأن الولايات المتحدة ترفض أن تستمع أو أن تستجيب لمطالب مضادة من إيران أو الخاطفين حتى يكون جميع الرهائن قد باتوا أحراراً. الاقتراح السوري هو أن الإفراج عن رهينتين يتطلب مبادرة مقابلة من واشنطن تم رفضه رفضاً صارماً.
تعليق:
9- إيران وسورية ستربحان من إنهاء قضية الرهائن إنهاء كاملاً. حتى هذه اللحظة وبمعزل عن الشكر من الرئيس بوش، لا يبدو أنهما ستحصلان على أي «مُحليّات» من واشنطن حتى يكون بقية الرهائن قد أفرج عنهم. يجب الانتظار لرؤية إذا كان الرئيس الإيراني (هاشمي) رفسنجاني قادراً أو راغباً في ممارسة السلطة الضرورية لتحقيق ذلك. ولذلك فإن من الصعب التنبؤ بكيف ستتطور دينامية الإفراج.
10- على رغم التناقض في الاستجواب الأوّلي لريد، يبدو أن 2 من بين الرهائن البريطانيين الخمسة (بما في ذلك كوليت) أحياء وفي أيدي مجموعة ربما تكون مستعدة لدرس الإفراج عنهما في شكل مبكر. خطط الطوارئ للتعاطي مع الإفراج عنهما من خلال دمشق جاهزة. نأمل بأننا ما زلنا قادرين على توفير طائرة خلال مهلة قصيرة لنقلهما، إذا تطلب الأمر ذلك.
…. التوقيع ديفيز».
رسالة إيرانية عبر عُمان
وفي برقية سرية من السفارة البريطانية في مسقط إلى وزارة الخارجية في لندن، بتاريخ 20 أيار (مايو) 1990، جاء ما يأتي:
«ملخص
1- قدّم وزير الخارجية العماني شرحاً عن اتصالاته مع إيران ورجاء رفسنجاني من الغرب أن يشجع الإفراج عن مزيد من الرهائن من خلال بادرة تجاه حزب الله.
التفاصيل
2- مثلما كان متوقعاً، دعاني يوسف بن علوي لزيارته مساء أمس (19 أيار) لكن رسالته الأساسية كانت عن الرهائن في لبنان.
3- قال إنه في لقائه مع رفسنجاني في طهران في 11 أيار، شرح له الأخير جهوده من أجل تحرير الرهائن في لبنان كبادرة تجاه الغرب. لقد حاول جهده ونجح في الإفراج عن رهينتين أميركيين، ولكن لم يكن هناك من رد على هذه المبادرة من الأميركيين. يشعر رفسنجاني الآن أنه لا يستطيع أن يقوم بأي شيء إضافي. يشعر حزب الله في لبنان بالغضب وبأنه تم خداعه. عُمان تريد أن تشجع رفسنجاني على مواصلة جهوده وبن علوي سأل ما هي البادرة التي يتوقعها. رد رفسنجاني بأن الولايات المتحدة يجب أن تمارس ضغطاً لحمل إسرائيل على الإفراج عن عدد من اللبنانيين الشيعة المعتقلين في إسرائيل. سأل عما إذا كانت عُمان قادرة على المساعدة في إقناع حلفاء الولايات المتحدة بالقيام بشيء من أجل إقناع حزب الله بأن مبادرتهم (الإفراج عن الرهينتين) لم تذهب هباء.
4- قال بن علوي إنه يأمل بأننا في بريطانيا وفي السوق الأوروبية المشتركة ككل يمكن أن نستمع إلى رجاء إيران. فهذه تبدو الطريقة الوحيدة للتقدم إلى الأمام في شأن بقية الرهائن. أشرت إلى جهود المطران جون براون من أجل تحديد مصير بعض الشيعة الذين يُعتقد أنهم قد خُطفوا. قال بن علوي إن هناك العديد من الآخرين (المحتجزين) لدى الإسرائيليين. من المهم جداً لوضع رفسنجاني وانفتاح إيران نحو الغرب أن يتم بذل مزيد من الجهود التي يمكن أن تُلبّي على الأقل رغبة حزب الله.
تعليق
5- بن علوي سيسافر في 22 أيار لحضور اللقاء التحضيري للقمة العربية ويرجح أن يحضر القمة بعد ذلك. سيبقى على تواصل مع الإيرانيين في شأن مسائل أخرى… وسيرحب بأي تعليقات يمكن أن نرد فيها (على ما يطلب).
التوقيع: كلارك».
نقلا عن ایلاف