روسيا تنسّق مع الأسد من خلال سفيره لديها وهو رياض حداد. وتم إرساله في عداد وفده إلى “أستانا” لهذه الغاية. إلا أن إيران تنسق مع الأسد، عبر رئيس وفده هناك وهو بشار الجعفري. دون أن يكون سفير الأسد في طهران عادل محمود، عضوا في وفد “أستانا”. علماً أن الجعفري ومحمود التقيا (إما في دمشق أو طهران) قبل التوجه إلى “أستانا” وفي الوقت الذي كانت فيه المباحثات حول توجيه الدعوات.
سفير الأسد لدى طهران عادل محمود ومندوبه بالأمم المتحدة بشار الجعفري
غياب سفير الأسد في طهران، عن وفده بأستانا، كان إشارة ضعف متقدّمة لما تمثله طهران في تلك المحادثات، برأي محللين. خصوصاً بعدما فشل نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في تحقيق أي مكاسب ممكنة من سيطرة حليفته إيران وميليشياتها على مدينة حلب التي سقطت نهاية العام الماضي.
وعوّل الأسد وحلفاؤه الإيرانيون على سقوطها كمنصة لجلب المعارضة السورية إلى مفاوضات إذعان في “أستانا” فاستبق الأسد بداية تلك المفاوضات، بالقول إنه سيفاوض “إرهابيين” هناك، بعدما كان يعمل على استدراجهم بتصريح “تسامحي” قال فيه إن الحل في سوريا هو أن يسامح الجميع الجميع.
انقلاب الأسد على خطاب “المسامحة” وإبداله بخطاب محاولة تشويه صورة المعارضة السورية، جاء بعدما وصل الخلاف الإيراني الروسي إلى ذروته، بخصوص كيفية إدارة حل الأزمة السورية. حيث كانت تريد طهران، ولا تزال، الاستفراد المتواصل بالموضوع السوري، متكئة على سيطرتها على نظام الأسد، في مؤسساته السياسية ومؤسساته العسكرية. خصوصاً بعدما بدأت تنظر بعين الريبة للتوجه الروسي لإخراج ميليشياتها من سوريا، كون وجود هذه الميليشيات يشكل عصب النفوذ الإيراني في سوريا، ومنها إلى المنطقة.
مؤتمر “أستانا” بين نظام الأسد وفصائل المعارضة السورية، تحول منبراً لإدانة إيران في العالم. فقد أعلنت المعارضة السورية أمام جميع وسائل الإعلام في العالم، في افتتاح المؤتمر، مطالبتها بطرد كافة الميليشيات الطائفية التي أرسلتها إيران إلى سوريا لقتل السوريين، وعلى رأسها ميليشيا “حزب الله” اللبناني.
وعوضاً من أن تكون حلب التي سقطت بيد تلك الميليشيات، ورقة لإكراه ممثلي الشعب السوري على قبول “أستانا” كبديل لـ”جنيف” وجدت إيران نفسها بمواجهة الشعب السوري، وأمام عدسات الكاميرات من مختلف أنحاء العالم، عندما طالب ممثل الشعب السوري في “أستانا” محمد علوش في كلمته المتلفزة، برحيل الأسد وطغمته، وبرحيل ميليشيات إيران وحرسها الثوري، من سوريا.
وتشير الأنباء التي تسربت من روسيا، أن إيران مستاءة من تعزيز وجود روسيا وجودها على البحر المتوسط عبر توسعة القاعدة البحرية في طرطوس، وتوقيع اتفاق بشأنها مع نظام الأسد يضمن وجود روسيا هناك 49 عاماً قابلة للتجديد 25 سنة، في حال لم يقدم أي من الطرفين على طلب التوقف عن سريانها، خصوصاً أن الاتفاق أخفى عن إيران وغيرها، حدود القاعدة البحرية، وجعلها في ملحق سري غير قابل للنشر كما ورد في نص الاتفاقية. فبادر الأسد إلى طمأنة إيران بمنحها ميناء بحرياً نفطياً على البحر المتوسط، وعلى وجه السرعة، بدليل أن الاتفاق الخاص بشأن الميناء السالف، تم تأجيل توقيعه إلى أيام لاحقة، بغية تأمين إيران كل الشروط التي تريدها منه، خصوصاً وهي تسعى إلى “منافسة” روسيا في سوريا، بعدما قلّل الروس من شأنها عبر قولهم إن دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو 3 لو لم يأت التدخل العسكري الروسي.
سقوط حلب بيد ميليشيات إيران، تعرض لهزة عنيفة عندما أصرت تركيا، وبعد اقترابها من روسيا، على انسحاب كافة الميليشيات الأجنبية من سوريا التي تقاتل إلى جانب نظام الأسد. ومما أثار شكوك طهران بحليفها الروسي، هو عدم تعليقه على الطلب التركي سحب الميليشيات الإيرانية من سوريا. فتيقنت أنه لن يذرف دمعاً على ما سكِبته في سوريا، وعرفت أن اقتراب روسيا من أنقرة هو طردٌ تدريجي لها.
افتُضحت إيران في “أستانا” الذي حضرته بصفة ضامن لوقف العمليات القتالية. ولم يستطع احتلالها لحلب أن يجلب ممثلي الشعب السوري للقبول بصفقة إذعان. قال لها محمد علوش رئيس وفد ممثلي الشعب السوري في أستانا: نحن لم نأت إلى هنا لنتقاسم السلطة. وطالب بطرد مرتزقتها وإسقاط الأسد. فتحولت حلب من ورقة بيد الأسد، إلى طعنة نجلاء سدّدتها المعارضة السورية إلى الصدر الإيراني أمام كل وسائل الإعلام في العالم. بينما تتوسع شقة الخلاف بينها وروسيا، وبين الأخيرة والأسد، لتكبر احتمالات اضطراب فعلي ما بين طهران وموسكو حول –وفي- سوريا، قد يؤدي إلى اضطراب فعلي وجوهري في السياسة التي ستتبعها القيادة الروسية لإرغام حليفها الأسد على القبول بحل دولي وإقليمي للأزمة السورية. الأمر الذي تعمل إيران على إفشاله بكل السبل، بدءاً من محاولتها إفشال مؤتمر “أستانا” الذي خرجت من مولده “بلا حمّص” وانتهاء باستحقاق طرد مرتزقتها من سوريا.
نقله عن العربیه