سلط الإعلان الأميركي حول عزم واشنطن طرح قضية تواجد الجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد ما يعرف بـ “فيلق القدس” في محافظة حلب السورية، أمام مجلس الأمن الدولي، الضوء على مسلسل الجرائم الإرهابية التي ارتكبها هذا القيادي الذي لعب طيلة 5 سنوات دور المنسق والمشرف العام بين القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية التابعة لها في سوريا.
وبدأ مسلسل جرائم سليماني في سوريا منذ بداية الثورة السورية السلمية الذي شارك بقمعها من خلال دعم ومساندة وتحريض نظام الأسد على العنف الدموي، حيث فرضت الولايات المتحدة العقوبات على سليماني في 18 مايو/أيار 2011 مع رئيس النظام السوري بشار الأسد وغيره من كبار المسؤولين السوريين بسبب تورطه في تقديم دعم مادي للحكومة السورية، حيث صنفته الولايات المتحدة كإرهابي معروف ولا يحق لأي مواطن أميركي التعامل الاقتصادي معه.
وفي 24 يونيو/حزيران 2011 وضع الاتحاد الأوروبي أسماء كل من قائد فيلق القدس سليماني والقائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري وحسين طائب مدير مخابرات الحرس الثوري في قائمة العقوبات لتوفيرهم أدوات للجيش السوري لغرض قمع الثورة السورية. كما أدرجت الحكومة السويسرية أيضا اسمه على لائحة العقوبات في سبتمبر 2011 بناء على الأسباب التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي.
وأدرجت الأمم المتحدة اسم سليماني في القرار رقم 1747 في أغسطس/آب 2012 بقائمة الأشخاص المفروض عليهم الحصار بسبب تزويد النظام السوري بالأسلحة من إيران وكذلك التدخل العسكري ميدانيا ولوجستيا وماديا.
وشارك قائد فيلق القدس الإيراني منذ عام 2012 في إدارة تدخل الحرس الثوري وحزب الله اللبناني وميليشيات عراقية في معارك سوريا خاصة معركة القصير في محافظة حمص بسوريا، وأشرف عليها بنفسه وتمكن من استردادها من المعارضة في مايو 2013.
كما أشرف بنفسه على عدة معارك في ريفي اللاذقية وحلب، وآخرها معارك حلب التي أدت إلى تهجير قسري لمئات الآلاف من السوريين. ويقود سليماني حاليا عمليات تغيير ديمغرافي في حلب وسائر المحافظات السورية التي تدور فيها رحى الحرب.
سليماني في العراق
وجلب إلى سوريا حوالي 70 ألفا من الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والباكستانية واللبنانية والتي لعبت دورا أساسيا في تحويل ثورة الشعب السوري الى صراع طائفي لصالح توسيع النفوذ الإيراني.
دوره السياسي
يلعب سليماني دورا كبيرا في رسم سياسة إيران الداخلية والخارجية التي تعتمد على توسيع نفوذ دولة ولاية الفقيه وذلك بدعم مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئي الذي وصفه ذات مرة بـ “الشهيد الحي”.
وفي مطلع يونيو/حزيران الماضي، بدأ مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني جلسته لاختيار هيئة رئاسية بكلمة لسليماني، قائد فيلق القدس، مهددا بتصفية كل تيار يعارض ولاية الفقيه منهيا الآمال بوجود “تيار معتدل” في النظام الإيراني، خاصة بعد هيمنة التيار المتشدد بشكل كامل على كافة مؤسسات صنع القرار عقب تسلمهم رئاسة مجلسي الشورى والخبراء.
ويقول خبراء في الشأن الإيراني إن سليماني يعتبر اليوم “رمزا لدولة ولاية الفقيه” في إيران، والتي يسيطر عليها المرشد الأعلى علي خامنئي، وبطانته من رجال الدين المتشددين وقادة الحرس الثوري وفيلق القدس وجماعات الضغط المرتبطة به كأنصار حزب الله وعماريون وغيرهم من التيارات المتشددة التي تهيمن على المؤسسات الأساسية في الدولة كمجلس الخبراء والشورى (البرلمان)، إضافة إلى مجلس صيانة الدستور والقضاء والمؤسسات المالية والاقتصادية الضخمة.
سليماني مع قادة ميليشيات الحشد الشعبي
وفي سبتمبر/أيلول الماضي قال سليماني في خطاب أمام مجلس الخبراء – وهم رجال الدين الذين يختارون القائد الأعلى – في حديث عن سوريا بلهجة حادة: “دعونا لا نبالي بالحملة الدعائية التي يشنّها العدو، لأن سوريا هي الخط الأمامي للمقاومة، وهذه الحقيقة لا يمكن نكرانها. علينا واجب الدفاع عن المسلمين، لأنهم تحت الضغط والاضطهاد”.
كيف بدأ حياته العسكرية؟
ولد سليماني في 11 مارس/آذار 1957 في قرية رابور، التابعة لمحافظة كرمان، جنوب شرقي إيران، من أسرة فقيرة فلاحة وكان يعمل كعامل بناء، ولم يكمل تعليمه سوى لمرحلة الشهادة الثانوية فقط، ثم عمل في دائرة مياه بلدية كرمان، حتى انتصار الثورة عام 1979 حيث انضم إلى الحرس الثوري الذي تأسس لمنع الجيش من القيام بانقلاب ضد الخميني.
وكانت أول مهمة له في صفوف الحرس إرساله إلى غرب إيران، حيث انتفض الأكراد للمطالبة بحقوقهم القومية بالتزامن مع انتفاضات الشعوب غير الفارسية الأخرى كالتركمان والعرب الأهوازيين ضد نظام الخميني الذي قمع مطالبهم وحقوقهم الأساسية التي حرمها الشاه منهم وتوقعوا أن النظام الإسلامي الجديد سيلبيها لهم بدل الاستمرار في تهميشهم.
وبدأ سليماني حياته العسكرية بالمشاركة في قمع انتفاضة الأكراد على جبهة مهاباد، عام 1979، ثم انضم إلى الحرس الثوري في العام التالي عندما تطوع للمشاركة في الحرب الإيرانية – العراقية (1980-1988 ) حيث أصبح قائدا لفيلق “41 ثأر الله” بالحرس الثوري وهو في العشرينيات من عمره، ثم رقي ليصبح واحدا من قادة الفيالق على الجبهات.
همداني وخامنئي يتوسطهما قاسم سليماني
قيادة فيلق القدس وقمع انتفاضة الطلبة
وتولّى سليماني قيادة “فيلق القدس” عام 1998، حيث اشترك بعد عام مع قوات الحرس الثوري وجماعات الضغط المتطرفة المقربة من المرشد خامنئي والأنصار المتشددين لنظام إيران الديكتاتوري في قمع انتفاضة الطلاب في يوليو 1999.كما شارك بقوة في القمع الدموي للانتفاضة الخضراء عام 2009.
ووفقا لتحقيق نشرته صحيفة “نيويوركر” الأميركية، وأجراه الصحافي ديكستر فيلكين، فإن سليماني سعى منذ تسلمه قيادة فيلق القدس “إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط ليكون لصالح إيران، وعمل كصانع قرار سياسي وقوة عسكرية: يغتال الخصوم، ويسلّح الحلفاء”.
جرائم الجنرال
ومع مرور السنوات، بنى سليماني شبكة أصول دولية، بعضها مستند إلى الإيرانيين في الشتات الذين يمكن استدعاؤهم لدعم المهمات وآخرين من حزب الله والميليشيات العراقية التابعة للحرس الثوري، تتمثل في تصفية المعارضين الإيرانيين في الخارج ومهاجمة أهداف في دول عربية وغربية.
واستناداً لمسؤولين غربيين، أطلق “حزب الله” و”فيلق القدس” في العام 2010 حملة جديدة ضد أهداف أميركية وإسرائيلية – في رد انتقامي على ما يبدو ضد الحملة على البرنامج النووي الإيراني التي تضمنت هجمات قرصنة عبر الإنترنت وعمليات اغتيال لعلماء نوويين إيرانيين.
قاسم سليماني في مجلس الخبراء
ومنذ ذلك الحين، نظّم سليماني هجمات في أماكن بعيدة مثل تايلاند، نيودلهي، لاغوس ونيروبي – على الأقل 30 محاولة خلال عامي 2012 و2013 وحدهما.
وكانت أكثر محاولات فيلق القدس شهرة، مؤامرة في العام 2011 لاستئجار خدمات شبكة لاغتيال السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الحالي، عادل الجبير، وهو يتناول الطعام في أحد المطاعم على بعد كيلومترات قليلة من البيت الأبيض.
دوره في تقوية حزب الله
وعزز سليماني علاقته مع قيادات حزب الله اللبناني، منهم عماد مغنية ومصطفى بدرالدين وزعيم الحزب حسن نصر الله، منذ عام 2000 ومن ثم حرب يوليو عام 2006 مع إسرائيل. وكان له الدور الأساسي في تجهيز حزب الله بالصواريخ ومن ثم تعززت العلاقة العضوية بين فيلق القدس وحزب الله، خلال التدخل العسكري لإنقاذ حليفهما نظام بشار الأسد في سوريا منذ عام 2011.
أما في العراق، فبات يسيطر على مفاصل الحياة السياسية والأمنية والعسكرية من خلال قيادات الحكومة في بغداد التي تهيمن عليها أحزاب التحالف الشيعي التي دعمتها إيران طيلة عقود، وكذلك من خلال ميليشيات الحشد الشعبي التي أسستها ومولتها ودربتها طهران.
نقلا عن العربیه