خروفٌ يائسٌ ووحيد

خالد الرويشان وزير الثقافة اليمني الاسبق

قال الراعي: خرافي كثيرةٌ، وعواءُ الذئاب يملأُ السهل والجبل، لذلك، أنا بحاجةٍ إلى كلابٍ تحرس القطيع.
اشترى الراعي كلاباً كبيرةً مدرّبة. كانت الكلاب تعود مع الخراف عند الغروب منهكةً جائعة لتلتهم عشاءها الذي كان خروفين أو أكثر. قال الراعي هانئَ البال: خروفان لايعنيان شيئاً.

4310

بعد أسابيع، لاحظ الراعي نقصاً في عدد الخراف.. هَزّ أكتافه غير مُهتمٍّ قائلاً: النِّعاج سَتلِدُ نعاجاً وخِرافاً .. الخيرُ قادم، والخراف آمنة.
مَرّ وقتٌ طويلٌ قبل أن يكتشف الراعي أن عدد الكلاب أصبح مساوياً لعدد الخراف. ذُعِرَ الراعي، اجتمعَ بكلابه، صَارَحها بأنه عازِمٌ على تسريحِ نصفِها، فالخرافُ أصبحت قليلةً ولم تعد بحاجةٍ إلى هذا العدد الكبير من الكلاب. كشّرت الكلابُ عن أنيابها. بَلَعَ الراعي صوتَه، ورجاءه.

بعد أشهر، أصبح عدد الكلاب ضعف عدد الخراف. اجتمع الراعي بكلابه، توسل إليها بأن تذهب في سبيلها، وأن تكتفي بما أكلت من الخراف.. هزّت الكلابُ أذيالها ساخرةً وذَكّرتهُ بأنها حَمَت قطيعَهُ من الذئاب، واتّهمتهُ بأنّهُ ناكِثٌ للعهد، ناكرٌ للجميل، بكى الراعي، سَفَحَ دموعَهُ بين أيدي الكلابِ وأقدامِها دونَ أن يهتزَّ قلبٌ أو تَطرُفَ عينٌ لكلب.

بعد أيام، وعند الغروب، عاد الراعي مملوءاً بالحسرة، ومعه خروفان هما كل ما تبقى له.
كانت الكلابُ حولَه تملأُ السّهلَ وتتزاحم باندفاعٍ نَهِمٍ حول الخروفين.. عشائِها الأخير.
في مساءِ اليومِ التالي وفي ميعادِ عَشَائها، عادَت الكلابُ لا تصحبُ إلا نفسَها فلم يعُد ثمّةَ من خراف! كانت جائعةً جامِحَةً لا تلوي على شيء، وكان الراعي بانتظارها.. خروفاً يائِساً ووحيداً!