دولة الإمارات جميلة ورائعة ومثيرة في كل الأوقات، لكن جمالها وتألقها يزداد في شهر ديسمبر مع نسمات الشتاء الباردة وأجواء الإحتفال بالعام الميلادي الجديد. وديسمبر العام الجاري (2016) جاء مختلفا لجهة توالي الاحتفالات والفعاليات خلف بعضها البعض إلى درجة عجزت معه وسائل الإعلام عن التقاط انفاسها. فما ان فرغت البلاد من احتفالاتها بالعيد الوطني الخامس والاربعين لقيام الدولة إلا وكانت على موعد مع حدث كبير آخر هو زيارة خادمين الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي حرص على أن تكون الإمارات هي محطته الأولى في جولته الخليجية الأخيرة، في إشارة بالغة الدلالة على ما بات يربط البلدين الشقيقين من شراكة مصيرية.
وما إن انتهت زيارة العاهل السعودي إلا ودارت عجلة جملة من الفعاليات والانشطة في وقت متزامن تقريبا. فمن اجتماعات القمة العالمية لرئيسات البرلمانات والتي اختتمت أعمالها باصدار «إعلان أبوظبي» الداعي إلى العمل من أجل رفاهية وسلام شعوب كوكب الأرض، ووضع الاستراتيجيات الهادفة إلى التنمية المستدامة والاستجابة لمطالب الشعوب في الحياة الكريمة، وتضييق الفجوة الرقمية بين الدول المتقدمة والنامية، وتعزيز قيم التسامح والتعايش بين البشر، إلى المؤتمر السنوي لمؤسسة الفكر العربي (فكر 15) الذي انعقد هذا العام في أبوظبي بحضور ثلة من الشخصيات المرموقة لبحث أجندة اشتملت على كيفية تحقيق التكامل الاقتصادي والتنموي والامني العربي مع التشديد على التكامل الثقافي، باعتباره الحصن المنيع لمواجهة أفكار الارهاب والتطرف.
أما دبي التي تسابق الزمن في تقديم كل ما هو مبتكر وجديد وغير مسبوق في العالم العربي، فكانت تحتضن أيضا في وقت متزامن الدورة الثالثة عشرة لمهرجان دبي السينمائي بمسرح سوق مدينة الجميرا، حيث تم توزيع جوائز «مهر دبي السينمائي» بحضور مجموعة من الفنانين والمخرجين والمنتجين ومبدعي الفن السابع، وفعاليات الموسم الخامس من مهرجان الرحالة العالمي الذي نظمه رحالة الإمارات وحضرها 35 رحالة من مختلف دول العالم الذين عرضوا صورهم ومقتنياتهم وتحدثوا عن مغامراتهم. الى ذلك كانت هناك في القرية العالمية بدبي فعاليات وعروض فلكلورية شهيرة ومميزة ضمن برامج حكومة دبي المنتظمة على مدار العالم لتكريس عالمية الإمارة وتعزيز طابعها التسامحي وصورتها الانسانية، كما شهدت دبي في الوقت نفسه أعمال الدورة الثانية لقمة رواد التواصل الاجتماعي وتوزيع جوائزها لمختلف الفئات في مركز دبي التجاري العالمي.
على أن الحدث الأبرز الذي استضافته دبي، من وجهة نظري، كان جلسات المنتدى الاستراتيجي العربي الذي أخذت حكومة دبي على عاتقها تنظيمها سنويا من أجل استشراف آفاق الاوضاع السياسية والإقتصادية في العالم في السنة التالية من خلال توقعات ومرئيات مجموعة من المفكرين وصناع القرار السابقين. وقد تميز لقاء هذا العام بمشاركة شخصيات معروفة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي مثل: نتاليا تاميريسا من صندوق النقد الدولي (توقعت ان يكون المشهد الاقتصادي الاقليمي في العام المقبل متفاوتا بين الدول العربية في ظل نجاح بعضها في تنويع اقتصادياتها، ومحاولات بعضها الآخر تحقيق النجاح في ظل الصراعات الدائرة وتأرجح أسعار النفط)،
وجورج قرم وزير المالية اللبناني السابق (قال إن دول مجلس التعاون تسير على الطريق الصحيح لجهة الانتقال إلى اقتصاد متنوع على الرغم من توظيف 80% من استثماراتها في القطاعات النفطية والعقارية والسياحية، فيما الافضل لها ان تقتدي بدول شرق آسيا التي ركزت على الاستثمار في قطاعات التكنولوجيا والمعرفة والابتكار)، وإيان بريمر رئيس مجموعة يورو آسيا (توقع ان تكون حالة عدم الاستقرار السياسي في أعلى مستوياتها خلال 2017،
مشيرا إلى أن واشنطون ستكون من أهم مسببات هذه الحالة، ومشيدا بدولة الإمارات التي اعتبرها تمثل نموذجا لحكومات العالم المستقبلية من حيث المرونة إزاء التغيير والقدرة على خلق البيئة الأنسب لمواطنيها للمساهمة في إحداث التغيير الايجابي)، إضافة إلى كل من ليون بانيتا مدير وكالة الاستخبارات ووزير الدفاع الأمريكي السابق، وديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا السابق، وغسان سلامة وزير الثقافة اللبناني الأسبق. ولعل ما استفزني واستفز الكثيرين غيري قول ليون باتينا بأن العالم إذا ما أراد الأمن والإستقرار فإنه يحتاج إلى قيادات عالمية حازمة وغير مترددة وقادرة على وضع خطوط حمراء لما هو مقبول وغير مقبول دوليا.
وسبب الاستفزاز أن الرجل لم يقل مثل هذا الكلام الجميل لرئيسه أوباما يوم كان ضمن طاقمه الوزاري. أما ديفيد كاميرون فقد حاول التهرب من مسؤوليته في إخراج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي بالقول ان الإستفتاء الذي أجراه كان مطروحا على الدوام ضمن أجندات الحكومات البريطانية المتعاقبة، كما حاول الإيحاء بأن سياسة خلفه تيريزا ماي لجهة الانخراط مجددا في تأمين أمن واستقرار الخليج إنما كانت جزءا من خططه التي كان سينفذها لو بقي في السلطة، وذلك على الرغم من إجماع المراقبين على ان تلك السياسة أملتها خسائر بريطانيا الاقتصادية المتوقعة من خروجها من الاتحاد الاوروبي.
وأخيرا فإن ما حظي بالاهتمام هو الرد القوي من جانب رئيس وزراء لبنان الأسبق فؤاد السنيورة على المتحدث غسان سلامة الذي كاد أن يسخر من أهمية التطورات الأخيرة في لبنان لجهة تعزيز مفهوم الدولة اللبنانية، في معرض سؤال لكاتب هذه السطور حول توقعاته في ما خص لبنان بعد انتخاب الرئيس ميشيل عون، وقرب تشكيل حكومة جديدة، وعودة دول الخليج للاهتمام بالملف اللبناني. حيث قال السنيورة إن مفهوم الدولة في لبنان لم ينحسر إلا بسبب تغول حزب الله (الارهابي) المدعوم من إيران