في الأدبيات السياسية الصينية يوجد ما يعرف بـ «الزعيم النواة» بحسب تعبير مراسل صحيفة نيويورك تايمز في بكين «كريس بوكلي». ومعنى ذلك هو وجود زعيم مركزي قوي يطبق بصرامة على مقاليد الدولة والحزب الحاكم والجيش الأحمر.
هذه الصفة أعطيت لمؤسس النظام الشيوعي المعلم «ماو تسي تونغ»، لكنها لم تعطَ لخلفائه الأربعة اللاحقين باستثناء الزعيم الإصلاحي «تينغ هيسياو بينغ». وهكذا نستشف أن لقب «الزعيم النواة» له خصوصية وحيثيات، ولا يمنح إلا لزعماء الصين الذين يتولون قيادة الدولة في المنعطفات الخطيرة المزدحمة بالأحداث والصراعات الداخلية أو الخارجية، بدليل أن الزعيم الصيني السابق «هو جينتاو» لم يحظ باللقب لأن فترة زعامته لم يحدث فيها ما يستوجب حصوله على سلطات مطلقة.
وعليه نرى أن اللقب كان من نصيب المعلم ماو لأن الكيان الذي أسسه في عام 1949 تحت اسم جمهورية الصين الشعبية على أنقاض جمهورية الصين الوطنية كانت طبقًا لما قيل وقتها تواجه مؤامرات من قبل الأعداء الامبرياليين أولا، ثم من قبل الرفاق الماركسيين في موسكو لاحقًا، ناهيك عما قيل حول مؤامرات ودسائس كان يخطط لها الزعيم التايواني الماريشال «شيانغ كاي شيك» للعودة إلى السلطة في بكين. ثم لأن ذلك الكيان كان يواجه تحديات بناء صين قوية اقتصاديًا وعسكريًا وفق المبادئ الماركسية.
أما منح اللقب للزعيم الإصلاحي «دينغ هسياو بينغ» فكان نتيجة لظهوره في وقت كانت فيه الصين على عتبة الانهيار بعد وفاة ماو، ومحاولة زوجته وبعض انصارها (عصابة الأربعة) المحافظة على إرثه الداخلي القمعي ونهجه الخارجي المتشدد، ثم وقوع مصادمات دموية في ساحة «تيان إن من» بين المتظاهرين العزل وقوات الأمن والجيش في عام 1989 أي في زمن الرئيس الصيني الأسبق «جيانغ زيمين» الذي تدخل بينغ من أجل تمكينه وتعزيز صلاحياته باستخدام الصلاحيات الممنوحة له بموجب اللقب.
وباختصار شديد كان اللقب بمثابة جائزة منحت للزعيم بينغ لنجاحه في المحافظة على صين قوية موحدة، ووضعها على طريق النمو والازدهار من خلال حزمة من السياسات الداخلية والخارجية البرغماتية التي توخت الانفتاح مع الحزم.
لكن لماذا يرفع اليوم الحزب الشيوعي الصيني الحاكم الرئيس الحالي «شي جيبينغ» إلى مرتبة «الزعيم النواة»؟ وهل يوجد ما يستدعي أن يمنح الرجل صلاحيات مطلقة تقوض فكرة القيادة الجماعية، وآلية الخلافة وإنتقال السلطة في المؤسسات التي طبقت في حقبة ما بعد ماو للحيلولة دون تكرار المآسي التي وقعت في عهد الأخير؟
المتابعون للشأن الصيني يجيبون بنعم!
ففي الداخل تواجه الصين تحديات اقتصادية في شكل تراجع معدلات نمو الاقتصاد الوطني بفعل الازمة الاقتصادية العالمية الراهنة من بعد عقود حققت خلالها البلاد قفزات اقتصادية وتنموية هائلة رفعتها إلى مصاف الاقتصاديات الكبرى على مستوى العالم. ناهيك عن أن هذا يحدث في الوقت الذي تحقق فيه الجارة الهندية المنافسة العكس تماما. ففي القمة الاخيرة لقادة مجموعة «بريكس» (الدول الأسرع نموًا في العالم وهي الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا وروسيا الاتحادية) والتي استضافتها مدينة بينوليم الهندية، بدا الزعيم الهندي «نارندرا مودي» وحده منتشيا لأن اقتصاد بلده سجل نموا بنسبة 7.6 بالمائة (بحسب بيانات صندوق النقد الدولي)، فيما سجلت اقتصاديات بقية الدول تراجعا وانكماشًا وتباطؤًا ملحوظًا، بما فيها الصين التي ظلت لسنوات طويلة محركًا للاقتصاد العالمي.
أما خارجيًا فإن الصين تواجه أيضا تحديات ممثلة في سياسات الإدارة الأمريكية الهادفة إلى تركيعها والحد من قدرتها العسكرية ونفوذها وتأثيرها في منطقة جنوب شرق آسيا ومنطقة بحر الصين الجنوبي، وهما منطقتان تعتبرهما بكين ضمن مناطق مصالحها الاستراتيجية تاريخيا. فوفقا للتصريحات الرسمية الصينية تحاول واشنطون استثمار الخلاف القائم بين الصين من جهة وعدد من الدول الأعضاء في تكتل آسيان من جهة أخرى حول السيادة على مجموعة من الجزر الصغيرة غير المأهولة وحول حقوق الصيد والمرور في بحر الصين الجنوبي في تأليب تلك الدول على الصين. أما ما لا يتحدث به الرسميون الصينيون علنا، لكن يمكن قراءته من وقت إلى آخر في صحيفة «غلوبال تايمز» الناطقة بالانجليزية فهو أن واشنطون متهمة أيضا بتعكير العلاقات الهندية الصينية الهشة، وتشجيع الهند على التصدي لخطط الصين الهادفة إلى مد نفوذها إلى المحيط الهندي بغية تأمين خطوط إمدادات النفط الواردة إليها من الخليج والشرق الأوسط.
إلى ما سبق هناك حديث يعود إلى زمن الرئيس السابق «هو جينتاو» مفاده أن الحزب الشيوعي الحاكم لم يعد حزبًا منضبطًا، وبات يشكو من ضعف خطير، وتتكرر في أروقته قصص تهدد صورته كمؤسسة قائدة. ومثل هذا الحديث يعزز، بطبيعة الحال، فكرة ان ارتقاء جينبينغ إلى مرتبة «الزعيم النواة» هو بهدف تنظيف الحزب الحاكم وتقويته. لكن السؤال الذي يتردد الآن هو «هل سيستخدم جيبينغ صلاحيات الزعيم النواة ليعيد قبضة ماو الحديدية على الصين»؟