ثمة عجز برلماني ظهر اكثر ما ظهر في ممارسة الدور الرقابي، ويتضح ذلك على سبيل المثال في تعطل اداة الاستجواب في القضايا المرتبطة بالتجاوزات المالية والادارية، وبالفساد عامة!!
ثمة نواب، وفي محاولة يائسة لاستعادة ثقة الناخبين، لجؤوا الى دغدغة العاطفة الدينية، هذا ما يفسر وبصراحه كاملة توجهاتهم الأخيرة بمنع «الموسيقى» في المدارس، واقامة الحفلات الغنائية في البلاد !!
وليس هناك اخطر على وحدة المجتمع وتطوره من فرض الوصاية على الحريات العامة والشخصية، ولا يوجد تفسير آخر لمقترح منع الموسيقى في اولى جلسات البرلمان في الدور الجديد سوى ان نوابنا الافاضل في سبيل ردم الفجوة العميقة بينهم وبين الناخبين، ولارضاء المريدين والتابعين، ولدوافع سياسية وعقائدية، توصلوا الى هذا القرار السيئ والمجحف، وهو منع الموسيقى، ظناً منهم ان مثل الخطوة جديرة بإعادة تلك الثقة المفقودة!!
وبدلاً من ان يعيدوا النظر في الأداء النيابي الذي لا يزال في نظر الناخبين في وادٍ وقضايا المواطن المغلوب على امره في وادٍ آخر، راحوا يعزفون لحناً نشازا.. لحناً يغوص في قضايا غير مألوفة في المجتمع البحريني تفاصيله «فرض الوصاية» في حين كم بودنا ان يجرموا خطاب الكراهية وكل من يثير ويؤجج الانقسام المذهبي والطائفي.. نعم كم بودنا ان يدفعوا عجلة التنمية الى الأمام لما فيه صالح الوطن والمواطنين بدون تمييز وانتقاص طبقي واجتماعي.
فهل آن لاصحاب السعادة الذين نكن لهم الاحترام والتقدير ان يراجعوا هذا «الردح» وهذه «الفزعة» القاضية بالمنع والتحريم والتجريم، ليعلنوا بصدق وايمان حقيقي انهم في حاجة الى وقفة نقدية جادة لصياغة سياسة اقتصادية واجتماعية يتوقف نجاحها على اداء برلماني يعزز مكانة المواطن في التنمية، وتقترن فيها الحقوق والواجبات بالديمقراطية، وتفتح الطريق امام انجازات سياسية ومشاريع اقتصادية تتفق وفي هذه الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب انخفاض اسعار النفط، وعجز الموازنة العامة وارتفاع الدين العام مع توفير الاستثمارات وزيادة فرص العمل والحد من ظاهرة الفقر. فالجهود التي لا تستطيع ان ترى الاسباب الجوهرية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وتعمل على ازالتها، تظل محصورة بين التخبط والعشوائية والتبرير. ولذلك لا نندهش حين نجد منع «الموسيقى» يتصدر اولى جلسات البرلمان!!
الشرط الاساسي للنقد ان يكون بناء.. صادقاً قبل كل شيء.. الهدف منه ازالة النواقص، ولهذا فالمراجعة وبعيون نقدية تدعو الى قراءة واقعية وجدية للأداء النيابي الذي اصبح في نظر البعض في مقدمة المأساة الحقيقية التي يعيشها البرلمان على مستوى الرقابة والمساءلة التي ربما ترجع بالاساس الى تداخل صلاحيات المجلسين التشريعي والتنفيذي، والى اللائحة الداخلية للمجلس المقيدة للاستجواب عندما تم تعديل هذه اللائحة بما يقر اشتراط موافقه ثلثي المجلس على جدية الاستجواب وهو ما يوفر الحماية للفساد، وفضلاً عن هذا وذاك ترجع الى ثقافة الاسلام السياسي التي تتعارض مع العملية الديمقراطية، ولذلك ترفض هذه الثقافة الاقصائية. الفصل بين الدين والسياسة، والدين والدولة، وتحرم حرية الابداع وتهاجم الرأي الآخر والتعددية، بدعم من المؤسسة الدينية من اجل ايجاد فتاوى تحرم وتفرض الوصاية على الناس والمجتمع، ولنا مثال على ذلك موقف هذه المؤسسة الرافض لقانون الاحوال الشخصية الشق الشيعي تحت عنوان «الاخذ بأي قانون على خلاف احكام المذهب يعتبر متمردا عليه وخائنا ومحاربا له» هذا ما جاء في بيان كبار علماء البحرين بتاريخ 22 اكتوبر 2016.
على أي حال فإن فعل التحريم والمنع والتخوين والمصادرة، كما جاء في الموقف النيابي من الموسيقى وموقف العلماء من قانون الاحوال الشخصية الشق الشيعي، ينم عن ثقافة التعصب!!
ولن يتسع المجال هنا لاستعراض تداعيات هذه الثقافة على المجتمع، ولكن كل ما نود قوله هنا هو ان الدفاع عن الحريات وحقوق المرأة من اهم ضمانات التطور الديمقراطي.
ولا يمكن محاربة ثقافة التعصب والتطرف الا بمزيد من الديمقراطية، واذا ما أردنا تحديد الموقف السياسي من التعدي على الحريات وحقوق المرأة التي تتعرض للتميز على اساس التعصب الديني والذكورى، فان تضافر جهود القوى الديمقراطية والتقدمية وجمعيات المرأة الحداثية ومنظمات المجتمع المدني لاصدار وثيقة وطنية ــ كما اشار اليها الموسيقي وحيد الخان في رؤيته عن منع الموسيقى ــ ليست للدفاع عن الموسيقى والموسيقيين فحسب، وانما للتصدي لثقافة الكراهية والتكفير، وخطاب التحريم والعنف والتخوين!