أنا طالبة جامعية من دولة الإمارات العربية المتحدة أسعى للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة درهام البريطانية في موضوع العلاقات السياسية بين الهند ودول مجلس التعاون. تلفت يمينا ويسارا وبحثت وسألت عن من يمكنه مساعدتي ونصيحتي حول موضوع أطروحتي فكان الجواب بالإجماع بأن خير من يمكنه المساعدة هو سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله المدني من مملكة البحرين الشقيقة، حيث قال لي أحد الأكاديميين الإماراتيين إن سعادته هو أول من بحث في هذا الموضوع من أبناء الخليج، وإن له مؤلفات قيمة ويجيد التحدث بالهندية، وهو أول من دعا الى سياسة التوجه شرقا في الثمانينات الميلادية.
بعد قيامي بالبحث عنه باستخدام محرك البحث غوغل، وجدت أن ما أخبروني عنه قليل جدا مقارنة بما قرأته عن شخصه وجهوده. فسيرته الذاتية المنشورة ومقالاته الأسبوعية المتناثرة وأعماله الأكاديمية والأدبية العديدة ومشاركاته في الندوات والفعاليات المختلفة أصابتني بالدهشة والفخر معا. أما الفخر فكان مرده هو أن يكون بيننا في الخليج قامة فكرية مثل جنابه، متبحر في السياسة والعلاقات الدولية والتاريخ المعاصر واللغات والرواية والفنون والسينما وغيرها. وأما الدهشة فقد جاءتني حينما علمت من سيرته الذاتية (CV) أنه لم يشغل قط منصبا رسميا في بلده الحبيب على قلوبنا ولم يتم حتى تكريمه إلا من قبل بلدية الإمارات التي منحته جائزة الصحافة العربية في دورتها الماضية.
لذا وجدت نفسي أتساءل ماذا لو كان أستاذنا في دولة متقدمة مثل الدول التي ترعى مبدعيها وتمنحهم المكانة اللائقة بهم؟
لا أريد الإطالة في هذا الموضوع وأترك الجواب لكم.
نظرا لحاجتي الماسة للاستئناس برأي سعادته في موضوع أطروحتي بدأت مرحلة أخرى من المعاناة بهدف الاهتداء الى رقم هاتفه الخاص، وأقول معاناة لأن في دليل الهاتف لمملكة البحرين يوجد أكثر من شخص يحمل الاسم نفسه، وكلما اتصلت بواحد منهم كان المجيب شخصا آخر غير الذي أبحث عنه. لقد كانت دهشتي كبيرة عندما اتصلت بصحيفتكم الموقرة وسألت عنه لأن عامل البدالة أجابني بأنه لا يوجد في الجريدة من اسمه عبدالله المدني!!! ثم جاءت النجدة من أحد زملائه ومعارفه في صحيفة الاتحاد التي تصدر في أبوظبي.
حينما هاتفته من دبي لأطلب مقابلته شخصيا في البحرين وجها لوجه للتداول في موضوع أطروحتي كان كريما معي أشد الكرم، ولم يتردد لحظة في تحديد المكان والزمان.
في بلدي الثاني البحرين الذي طرت اليه على جناح السرعة ومع فنجان من القهوة في فندق الخليج جلست منصتة لأكثر من ساعتين أمام أستاذي الكريم، تشعبت أحاديثنا من الخاص الى العام، ومن تجربة آسيوية الى أخرى، ومن معلومة ثرية الى معلومة أكثر ثراء منها. تحدثنا عن زمن تردد آبائنا وأجدادنا على الهند للتجارة وبيع اللؤلؤ، وزمن نهرو وعدم الانحياز، وعن زمن ابنته الصلبة انديرا غاندي وكيف تعاملت مع حركة السيخ الانفصالية، وحرب استقلال بنغلاديش وعن زمن راجيف غاندي ومعاناته مع نمور التاميل الذين اغتالوه، وعن زمن مانموهان سينغ الذي تخلى عن الاشتراكية واختط سبيل الاقتصاد الحر. وفي كل هذه المحطات والوقفات كان العداء الهندي/ الباكستاني، والتنافس الهندي/ الصيني وتداعياتهما على العلاقات الهندية الخليجية حاضرة بقوة.
حينما كانت ساعة الافتراق لم ينس أستاذنا أن يخرج من حقيبته بعض مؤلفاته الثمينة ويهديها لي قائلا بتواضع ربما تفيدك هذه الكتب في ما انت مقبلة عليه من عمل بحثي شاق، ولا تنسي ان تزوري البريتش لايبراري ومكتبة كلية الدراسات الشرقية والافريقية في لندن لانهما تضمان مؤلفات ووثائق هامة عن حقبة الهند البريطانية وعلاقاتها بمنطقة الخليج والجزيرة العربية.
هذا ما كان من أمري مع سعادة الأستاذ الدكتور عبدالله المدني الذي استفدت منه ما لم يكن لي أن استفيده من قراءة عشرات الكتب والمراجع، والذي أخبرني أنه يشعر بسعادة لا مثيل لها كلما شاهد شابة من الخليج تكسر القوالب الجامدة وتذهب للتغرب من أجل الحصول على أعلى الدرجات العلمية في الشؤون ذات العلاقة بآسيا.
ما كتبته هنا ليس نفاقا لشخص دكتورنا، وليس به مبالغة لكنها كلمة شكر واجبة على علمه وجهده وفكره وتواضعه الجم وحبه لمساعدة الآخرين وثقافته الموسوعية التي استقاها من تنقلاته بين عدد من الجامعات والبلدان من السعودية والبحرين الى لبنان ومصر فأمريكا وانجلترا طبقا لما هو مذكور في سيرته الذاتية.
حصة الشامسي