فرنسوا فيون.. يميني صلب سرق أحلام مارين لوبن/محمد قواص

فرنسوا فيون.. يميني صلب سرق أحلام مارين لوبن
مرة أخرى لا تثبت استطلاعات الرأي صدق توقعاتها حيث تحل مفاجأة جديدة باستحقاقات الصناديق الغربية بنجاح فرنسوا فيون في الانتخابات التمهيدية لليمين والوسط الفرنسيين التي كشفت عن مزاج شبيه بذلك الذي أتى بدونالد ترامب، ورغم أن أفضل الاستطلاعات منحته المركز الثالث إلا أنه يحل في المرتبة الأولى في السباق الانتخابي ويسرق من مارين لوبن حلمها بالسلطة أمام توقعات تنبئ بأن من فاجأ فرنسا الأحد وفاز في الانتخابات هو نفسه من سيكون رئيس الجمهورية الفرنسية في مايو المقبل.

4102

لتقف فرنسا من جديد

مفاجأة كبرى حملتها الدورة الأولى للانتخابات التمهيدية لليمين والوسط الفرنسيين التي جرت الأحد الماضي، الحدث الفرنسي يضاف إلى سلسلة المفاجآت التي صارت تضجّ بها استحقاقات الصناديق في البلدان الغربية، والتي باتت عصيّة على مؤسسات استطلاعات الرأي.

فرنسوا فيون، الذي كانت أفضل الاستطلاعات تمنحه المركز الثالث في تلك الانتخابات، تصدّر النتائج بأكثر من 44 بالمئة من الأصوات، فيما منافسه في الدورة الثانية الأحد المقبل آلان جوبيه نال حوالي 28 بالمئة فقط، وقد أطاحت هذه الانتخابات نهائيا بطموحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لاستعادة مكانه في قصر الإليزيه.

يمثّل فرنسوا فيون، الذي شغل منصب رئيس الوزراء طيلة عهد نيكولا ساركوزي الرئاسية، ما يمكن لوهج الأميركي دونالد ترامب أن يتركه في الداخل الفرنسي. يبث رجل اليمين الجديد صلابة في الخطاب بالمعنى الذي عرفته بريطانيا في عهد مارغريت ثاتشر، ويتحرك وفق برنامج سياسي واضح حاسم يروم استعادة فرنسا لقوتها وبريقها. المحللون قبل أشهر رأوا في برنامجه دينامية ومصداقية وطموحا، ومع ذلك لم يفهموا لماذا لا ترتفع شعبية الرجل في صفوف اليمين.

انتقام مزدوج

يفوز فرنسوا فيون لكي لا ينجح اليمين المتطرف في الوصول إلى الرئاسة في فرنسا، هو نفسه كان حاسماً في القول قبل أشهر إن “لا يمين متطرّفا في قصر الإليزيه عام 2017″، لكنه لا يضمن مصير القصر بعد ذلك “إذا لم نُحسن توفير الحلول الناجعة لمشكلات فرنسا”، يذهب كثيرون إلى المخاطرة في الجزم بأن من فاجأ فرنسا الأحد وفاز في انتخابات اليمين والوسط هو نفسه من سيكون رئيس الجمهورية الفرنسية في مايو المقبل.

في الفوز الذي حققه فيون انتقام مزدوج داخل العائلة الديغولية؛ الأول ضد نيكولا ساركوزي الذي مارس رئاسة مفرطة ثقيلة الظل على النحو الذي أحال فيون، رئيس الوزراء حينها، ظلاً لا أصلاً، وجعل من منصب رئاسة الحكومة وظيفة ملحقة داخل ردهات الإليزيه.

الثاني ضد فرنسوا كوبيه الذي انتزع من فيون بطريقة ملتبسة مشكوك بها رئاسة الحزب الديغولي، فحملت انتخابات الأحد فيون إلى الصدارة ورمت بكوبيه إلى آخر مركز بين المتسابقين بنسبة لم تتجاوز 0.3 بالمئة من أصوات المقترعين.

يفوز فيون في تمهيد الأحد الماضي والأغلب في تمهيد الأحد المقبل والأرجح بالرئاسة الفرنسية في الربيع المقبل، مستفيداً من عوامل عدة.

تغلّب فيون على آلان جوبيه، رئيس وزراء فرنسا في عهد الرئيس جاك شيراك، بسبب ما يمثّله جوبيه من وسطية معتدلة مفرطة لم تعد قابلة للتسويق في مواسم ترامب والبريكست، ثم أن سنّ جوبيه (71 عاما) الذي قد يرمز للحكمة والخبرة لم يعد عاملاً مساعداً في زمن بات فيه الناخب يحتاج إلى مرشح قوي في الشكل والمضمون.

انتخابات الأحد الماضي التمهيدية هي إعلان صريح عن فوز فرنسوا فيون بالرئاسة الفرنسية ولو بشكل مبكر
وأطاح فيون بنيكولا ساركوزي المثقل بتركة رئاسية مثيرة للجدل وبتجربة عجزت عن التجديد لنفسها لولاية ثانية.

ثم أن ساركوزي الرجل القوي داخل صفوف اليمين تلاحقه ملفات الفساد الملتبسة، كما دوره في حرب ليبيا وعلاقاته المالية المشبوهة مع نظام معمر القذافي، حتى أن فيون نفسه غمز من قناة ساركوزي قبل أشهر بالقول “هل تتخيلون الجنرال شارل ديغول رهن التحقيق؟”.

اختار ناخبو الأحد الرجل الأكثر نقاء والذي لا تلاحقه الملفات والرجل الأكثر صلابة في خطابه اليميني، كشفت انتخابات الأحد، التي لم تقتصر على ناخبي اليمين والوسط بل فُتحت أمام ناخبي اليسار أيضا (650 ألفا من أصل حوالي 4 ملايين مقترع)، عن مزاج شبيه بذلك الذي أتى بدونالد ترامب في الولايات المتحدة، من حيث الحاجة إلى قول الأمور على حقيقتها وتحديد المشكلات دون مواربة واقتراح الحلول دون رمادية وأنصاف حلول. لم يذهب فيون مذهب ترامب في شعبويته حتى لا يتقاطع مع الميادين التي ينزع إليها تاريخياً اليمين المتطرّف الفرنسي.

فيون الرئيس القادم

إذا لم تبرز مفاجآت أخرى، فإن انتخابات الأحد الماضي التمهيدية هي إعلان صريح عن فوز فرنسوا فيون بالرئاسة الفرنسية ولو بشكل مبكر. هكذا تجمع التحليلات في باريس، حتى في أوساط اليسار نفسه، لا يمثّل الرئيس فرنسوا هولاند تحدياً لمرشح اليمين إذا ما عزم هولاند على إعلان ترشّحه للرئاسة في ديسمبر المقبل.

ويسجل هولاند حاليا رقماً قياسيا في نسب رؤساء الجمهورية الفرنسية الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة، وبالتالي لا تعويل على ترشّحه لولاية رئاسية ثانية.

ولا يبدو أن البدائل الاشتراكية أو اليسارية المطروحة تمثّل تحدياً ناجعاً يمكنه مواجهة تسونامي فيون.

في ذلك يعترف الوسط اليساري بأن المزاج الفرنسي العام يميني الهوى وأن اقتراع الأحد الماضي عُدَّ “ثورة يمينية محافظة”، على حد تعبير أحد المراجع اليسارية، تحتاج إلى “ثورة يسارية مضادة”، على حد قوله، وهو أمر لا يعدو كونه من التمنيات أكثر من كونه قابلا للإنجاز.

لكن ذلك اليميني الصلب الشاب الوسيم المندفع نحو الإليزيه يعيد تصويب النقاش وفق معايير لم يعهدها اليمين، يعتبر الرجل أن لبّ مشكلات فرنسا يتعلق بالبطالة وليس بمسائل الهوية. يُخرج الرجل النقاش من رتابة مسائل الهجرة واللجوء والأجانب ويصوّبه نحو ديناميات رفع النمو وإنقاذ الإنتاج وخلق فرص العمل. في برنامجه صرامة في ضغط النفقات العامة وحدة في إصلاح ضرائبي لصالح المنشآت والشركات ومنتجي فرص العمل.

لا يبتعد عن محاكاة قضايا المهاجرين ويقترب في معالجاته من تلك التي قد تطرحها مارين لوبن زعيمة حزب الجبهة الوطنية، بما يجعله حاصداً لأصوات تصبّ عادة في صالحها وصالح حزبها. لكن خطابه يبقى مشدوداً نحو الوسط والقيم الديغولية المضادة لأي شطط عنصري.

يقترب فرنسوا فيون من خطاب دونالد ترامب في السياسة الخارجية. العدو الأول هو تنظيم داعش، مع ما يتواكب مع تلك الأولوية من تحالف مع أي طرف (بما في ذلك نظام الأسد في دمشق).

ثم أن في خطاب فيون حيال روسيا شيئا من الترامبية من حيث ضرورة الاتفاق مع روسيا بوتين لا الانجرار نحو مواجهة معها.

بيد أن خطاب السياسة الخارجية للمرشح اليميني يبقى هامشياً في تقرير وجهة الناخبين وتحديد مزاجهم، ليس فقط لأن الهمّ الاقتصادي الداخلي يبقى طاغيا على ما عداه، بل لأن الدور الفرنسي في العالم يبقى ثانوياً إذا ما قورن بذلك الأميركي الذي تحدد وجهته وجهة العالم الغربي في العالم.

يبقى أن صعود نجم فرنسوا فيون المفاجئ يعد خبراً سيئا جداً لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، فالسيدة التي وجدت نفسها الرئيسة “الطبيعية” لفرنسا بعد ترامب والبريكست، بات الفرنسيون يعتبرون هذا الاحتمال “غير طبيعي” في زمن فيون، يسرق الأخير حلم لوبن، أو يؤجّله إلى حين، ويعيد صعوده ترتيب البيت الفرنسي الذي لم يعد يحتمل حكمة جوبيه أو حذاقة ساركوزي أو رتابة هولاند.