يدخل « ترامب» البيت الابيض، عن طريق انتخابات «غير مزورة « كانت نتائجها ، أشبه ب»الصدمة والترويع» لشرائح واسعة من المجتمع الاميركي ، كما شكل فوزه مفاجأة مذهلة لغالبية دول العالم ! بعد أن تم «شيطنة « شخصيته في وسائل الاعلام ، استنادا الى تصريحاته ومواقفه المتقلبة والغريبة المقلقة خلال الحملة الانتخابية ، وكانت أكثر عناوين حملته إثارة للجدل والقلق ، مواقفه العدائية ضد المسلمين والنساء والسود ومن أصول أميركا اللاتينية، ومع ذلك حصد ترامب نسبة كبيرة من أصوات هؤلاء، من مختلف «الأصول والمنابت».
وربما كانت كلمة السر في ذلك ، أن المحاور الأساسية لحملة ترامب ، ركزت على قضايا حياتية أساسية تعني المواطن الأميركي ، مثل الضرائب والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتوظيف، وكانت السياسة الخارجية هامشية في خطاباته، رغم أن أميركا هي الدولة الأعظم في العالم، وصاحبة أكبر نفوذ سياسي ووجود عسكري خارجي ، ومصالحها تعتمد على نفوذها الخارجي في مختلف القارات! حتى أنه لم يعرف أن روسيا ضمت شبه جزيرة القرم.
وتحت وقع الصدمة ، نسي الكثيرون أن رئيس أميركا، ليس مثل الحكام في غالبية دول العرب، يوصف بألقاب استثنائية مثل الحكمة والإلهام ، وصاحب الرؤية الثاقبة و» القائد الضرورة».
وكراهيتنا لسياسة أميركا الخارجية لا تلغي حقيقة، أنها دولة مؤسسات مدنية وعسكرية وللكونغرس دور أساسي في صنع السياسات وإقرار التشريعات ، ومن الطبيعي أن يكون لكل رئيس أسلوبه في التعبير عن مواقفه.
لا أقلل من تطرف ترامب وتوجهاته العنصرية، لكن كثيراً من شعارات المرشحين تكون وقتية ، حيث يضطر المرشح الذي يفوز الى التعامل بواقعية ومسؤولية ، وبشكل مختلف عن الشعارات التي كان يطرحها خلال الحملة الانتخابية، وسنلاحظ ذلك عمليا عندما يتسلم ترامب مسؤوليات الحكم في شهر يناير- كانون الثاني المقبل، بل إنه فور إعلان فوزه تغيرت لهجته في خطاب النصر الذي ألقاه ، حيث أشاد بمنافسته المهزومة هيلاري التي أشبعها شتما خلال حملته الانتخابية ، ودعا الى وحدة الأميركيين ! ثم أن الاميركيين يحبون التغيير، وعبر تاريخ الولايات المتحدة ، نادرة هي الحالات التي حكم فيها ، أي من الحزبين الرئيسيين «الجمهوري والديمقراطي» أكثر من ولايتين متتالتين.
أميركا بلد مفاجآت ، فهي تنتخب ترامب رئيسا ، ولنتذكر أن انتخاب أوباما عام 2008 شكل «زلزالا « سياسيا ، فهو أول رئيس أميركي أسود من أصول أفريقية ، في بلد كان السود يعانون فيه من سياسات وسلوكيات عنصرية قاهرة، لكن وفي سياق نزوع الاميركيين للتغيير فان كثيرين منهم، يعتبرون أن سياسة أوباما « المائعة» إزاء العديد من الملفات الخارجة ضربت هيبة أميركا، وكانت محبطة للعديد من حلفاء واشنطن ، وخاصة فيما يتعلق بالملفات والازمات الطاحنة في الشرق الاوسط ! وكان واضحا أن هيلاري وهي من نفس حزبه ، لو فازت ستكون امتدادا لعهد أوباما ، الذي شارك بفعاليته في دعمها خلال حملتها الانتخابية.
ربما كان أكثر الخاسرين بعد هيلاري في الانتخابات الاميركية ، الصحف ووسائل الاعلام ومراكز استطلاعات الرأي العام ، التي كانت ترجح بنسبة كبيرة فوزها، واعتبرت أنها تفوقت على ترامب في المناظرات الثلاث الكبرى التي أجرتها محطات التلفزة ، وكانت تلك الوسائل تعتبر أن فوز ترامب ، سيكون كارثة على أميركا والعالم ، وأعلنت كبريات الصحف الاميركية مثل «واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز « دعمها لهيلاري، وهذا يعيد طرح سؤال جوهري حول نزاهة وموضوعية المحللين ووسائل الاعلام ، ودقة ونزاهة استطلاعات الرأي العام ، وتأثرها بالمواقف المسبقة والرغبات السياسية.
تبقى الاشارة الى ما ينتظره الفلسطينيون والعرب من ترامب ، الذين كانوا دائما ينتظرون «الترياق»، مما ستفرزه الانتخابات الاميركية والاسرائيلية من تغيير ، ويتناسون أن ثمة ثوابت استراتيجية تحكم السياسة الخارجية الاميركية، وأن الأمر لا يتعلق بتغيير الوجوه بل المصالح، فكما تعامل أوباما مع ملف القضية الفلسطينية ، لن يحدث تغيير جوهري في عهد ترامب ، ويمكن ملاحظة ذلك من الترحيب الاسرائيلي بالساكن الجديد للبيت الابيض ، الذي كان أول مبادراته دعوة لنتنياهو للاجتماع به في واشنطن ! فيما تسابق العديد من الحكام العرب على الإعلان أنه كان أول المتصلين مع ترامب لتهنئته.
نقلا عن ایلاف