معركة الموصل وكوارث صحوة المالكي/حامد الكيلاني

الكوارث تأتي دائما وتصل مبكرا قبل أن تقع، كما لو كانت فيروس أنفلونزا يبدأ بسعال ورشح خفيف يعمل كأجهزة الإنذار المبكر، أو كرائحة تتسلل من المطبخ لاحتراق في بدايته، نسارع إليه لإخماده أو لإنقاذ الطبخة قبل أن تتدهور الأحوال وتندلع النيران وتمتد إلى الشقة، ثم البناية وبعدها بناية على اليسار وأخرى على اليمين، فنفقد السيطرة، خاصة مع تـوفر العـوامل المساعدة، وعندها يرتقي عود الثقاب ليصبح كارثة بكل المقاييس، فما بالنا إذا كان الحريق في غابة؛ غابة في الواقع ومقاصد المعنى.

2069

زيارة وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر إلى بغداد وإقليم كردستان، تأتي في ظرف يستوفي شروط الحضور الأميركي مع بداية معركة الموصل بوجود بضعة آلاف من القوات الأميركية الساندة في التدريب المسبق أو الاستخبارات أو الرصد المتعلق بالأهداف الأرضية وتسهيل مهمة طيران التحالف؛ لكن وزير الدفاع الأميركي في زيارته يؤدي دورا سياسيا ودبلوماسيا لتقريب المواقف بين تركيا وحكومة رئيس وزراء العراق القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي الرافض، قطعا وبإصرار، مشاركة تركيا بأي عمل أو جهد عسكري أو تواجد في معركة الموصل.

وصول كارتر إلى بغداد ونزوله من الطائرة التي أقلته، دلالته في الشكل والمضمون، زيارة تفقدية إلى قاعدة عسكرية أميركية، وهذا ليس انطباعا إنما حقائق يحاول ساسة أميركا نفيها في كل المناسبات ومن معظم المسؤولين وبكافة التوجهات، كأنهم في تأكيداتهم على مفردة سيادة العراق، إن على قراراته السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية، مع إصرارهم على دعم من يظنونها “حكوماتهم” بعد الاحتلال، يريدون أن يبعثوا الحياة بشخوص وبعملية سياسية، هم الأميركان أدرى من غيرهم إنها مجرد روبوت بصناعة غير متقنة تحركه الشركة الأميركية المنتجة بالتوافق مع مجلس الإدارة المحلية للمشروع الإيراني في العراق والمنطقة.

الفرق نلمسه في دلالات استقبال الوزير كارتر بإقليم كردستان بعد زيارته لبغداد، بمراسيم بروتوكولية، تنم عن قصدية، وتشرح “دون كلام” معنى الاستقلال في السيـادة أو القرار وما يتبعها من مستلزمات.

المهم في رحلة كارتر أنه استشعر أن الروبوت لا يستجيب بسرعة للمداخلة الأميركية بين تركيا وحكومة العبادي، لأن الحاضنة الإيرانية الأم التي تتشكل منها معظم الأدوات الرئيسية والاحتياطية للحكومة العراقية وحزبها الحاكم والكتل البرلمـانية الطائفية والانتهازية، لم ينفع معها التجميع الأميركي في دوائر المخابرات أو الدعم اللامحدود الذي جاء بها وبمشاريعها بعد وصولهم إلى العراق بباص الاحتلال.

تزامن ذلك مع زيارة علي أكبر ولايتي مستشار المرشد خامنئي إلى بغداد والاستقبال الحافل في المظاهر والجوهر، وعقد مؤتمر ما يسمى “الصحوة الإسلامية” بما أعطى جرعة إصرار للعبادي تصل إلى السخرية من أي مشاركة تركية في الحرب على الإرهاب، حتى ولو كانت من ضمن التحالف الذي تقوده أميركا، وتبعه روحاني لأول مرة بنقد صريح لتركيا لتدخلها في الشؤون العراقية.

على مستوى الواجهات الإعلامية، كل شيء جائز والانتصارات غير مقيدة بمنطق ما يجري على الأرض من اشتباكات عسكرية، الكثير من مصادرها سياسية ورؤى لمواقف ستتبلور تباعا لتكون واقعا مختلفا، ثمنه المزيد من رغبة المقهورين في حماية أنفسهم، إما بالانضمام إلى كتل تقدم لهم الأمن وتوفر لهم بقية أمل من استقرار وكرامة، أو بالانطواء على خصوصياتهم القومية أو الطائفية أو أي توصيف وجدوا فيه عذاباتهم.

رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم أعلن رسميا مشاركة المدفعية التركية مع قوات البيشمركة التركية في عمليات قضاء بعشيقة، وفي وقت سابق أعلنت تركيا قيام سلاحها الجوي بالتنسيق مع قوات التحالف وتنفيذ ضربات جوية، وعلى ضوء المعطيات الحاصلة تبدو تفاهمات وزير الدفاع الأميركي تأجيلا أو ترحيلا للنزاع الواضح المعالم بين تركيا وحكومة العبادي إلى ما بعد معركة الموصل، وهي مرحلة تبدو مزدحمة من الآن، رغم أن داعش يباغت من أماكن متعددة المدن والقطعات العسكرية، بما يوحي بأن الخطط الموضوعة لمعركة الموصل لم تكن شاملة ودقيقة، وإنما مبنية على حسابات سياسية محلية ودولية ورغبات في توقيتات مُلزَمين بها فرضت التسريع وتجاوز بعض المعارك المفترضة والإعدادات قبل إعلان انطلاق المعركة الواسعة لتحرير الموصل.

كارتر دعا أثناء زيارته إلى عزل مدينة الرقة السورية وهي معقل وملاذ حتمي للمجاميع المسلحة المحتمل انسحابها وانفتاحها في مساحة شاسعة إلى الغرب من الموصل، دون أن ننسى أن الموصل تقع إلى الشرق من الرقة واحتمال تدعيمها بالمسلحين، وهذا دليل إضافي على أن الضغوط المفروضة على مخططي العمليات والحركات العسكرية كانت متشعبة، ومنها التقاطعات الدولية على الأرض السورية، ويعطينا صورة مكبرة لعدم جدية القوى الكبرى في حل النزاعات وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب، لأنه يصب في خدمة تقاسم النفوذ وحروب الإنابة وتبادل رسائل تتكبد الشعوب معاناة توصيلها من دمائها وكرامتها.

في جو عدم الثقة السائد بين تركيا وحكومة العراق، وبين العشائر العربية في نينوى تحديدا والحكومة المركزية الداعمة للحشد الشعبي الطائفي تسليحا بالمدرعات والمدفعية والأسلحة المختلفة وبغطاء حكومي سياسي وإداري ولوجستي، مقابل عشائر أهل الموصل التي تم تحييدها بالسلاح الشخصي أو إذابة بعض فصائلها ضمن الفرقة المتعسكرة قرب سد الموصل، يصبح الحديث عن مسك الأرض صُلب المشكلة القادمة بعد عمليات تطهير الموصل من مسلحي داعش.

مع بداية المعارك وارتداداتها وبداية النزوح الجماعي وخوف منظمات حقوق الإنسان الدولية من الانتهاكات المحتملة للمجاميع الطائفية المسلحة وقلة عمليات الإغاثة قياسا لحجم الكتل البشرية المتوقعة، تم عقـد مؤتمر “الصحـوة الإسلامية” بحضور مستشار المرشد الإيراني ورئيس وزراء العراق القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبـادي عضـو حزب الدعوة، وبحضور زعماء المحاصصة الطائفية ومنهم زعيم حزب الدعوة رئيس وزراء العراق السابق نوري المالكي الذي كان قائدا عاما للقـوات المسلحة أثناء احتلال داعش للموصل والمحافظات الأخرى، وهي جريمة خيـانة عظمى بكل المقاييس وبتخاذل وتواطؤ مقاصده لم تعد غامضة للمجتمع الدولي.

مؤتمر “الصحوة الإسلامية” لملالي طهران هو إطلاق رصاصة الرحمة على الكتمان وحالة الضعف والمظلومية والسرية في تمدد المشروع الإيراني وبداية المجاهرة بالقوة.

مرحلة تدشين انطلقت من بغداد مع بدء معركة الموصل وبتوجيهات فقهية من خامنئي بإعلانه انتهاء صلاحية التقية وعلى لسان نوري المالكي الذي فسرها بعضهم رسالة إلى الولي الفقيه، بينما الحقيقة كانت رسالة ولي الفقيه إلى العالم العربي والإسلامي والدولي عبر نوري المالكي، وإن كانت تملقا للمرشد.

الكوارث الإيرانية لم تنحسر في مطبخها الجغرافي بل وصلت إلى سابع جار، أما القـادم فلن يتوقف عند حدود الطقوس وحرية الأديان والشعائر ومزايا التراث والفلكلور الذي يتناغم وثقافة مدن العالم المتقدم.

ثمة حريق وثمة من يجاهر بإشعاله في تحد واضح، أما رجال المطافئ فهم إما متقاعسون عن أداء واجباتهم، وإما لهم يد خفية في كل ما يجري؛ بيوض ولاية الفقيه فقست وانتقلت إلى حواضن عديدة، ومازال هناك من يخشى السير على قشور البيض.

نقلا عن العربیه