ترى هل يمكن تعداد ما يعانيه عراق اليوم من المآسي والمحن ومن عوامل التفكك والصراع! هل نتحدث مثلا عن طاعون الفساد الذي يطحن البلاد ويتسبب في افقار أكثرية الشعب وتخريب الاقتصاد؟ أم عن حملات التطهير الديني والمذهبي التي بدأت منذ سقوط النظام البعثي، وانصبت المآسي، أولا، على مسيحيي بغداد والبصرة وعلى الصابئة المندائيين، إن كانوا حلاقين أو باعة خمور أو مواطنين آخرين، وتحركات الضغط والابتزاز على طالبات البصرة في اجبارهن على لبس الحجاب حتى المسيحيات منهن… كل هذه وسواه دفع بعدد كبير من المثقفين العراقيين إلى ارسال مذكرة إلى بريمر ومجلس الحكم والزعامات الشيعية لإدانة تلك الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، وكانت المذكرة في 4 فبراير 2004. ومنذ ذلك الوقت أضافت المليشيات حملات التطهير الطائفي وما يرافقها من خطف وتعذيب وقتل المئات بعد المئات من المواطنين السنة.
خلال سنوات نظام المحاصصة الطائفي لم يبن الحكام مصانع او مستشفيات أو جامعات جديدة، الهم والعهدة على الكاتب رشيد الخيون، تحويل المراحيض العصرية إلى مراحيض على طريقة الأجداد وأجداد الأجداد. أما حديث داعش فكم هو مثير للغضب انه حتى يومنا لم تجر محاسبة من سلموا نينوى بلا قتال لهذا الوحش المفترس ليواصل احتلال المزيد من الأراضي وليقترف حملات إبادة وتدمير معالم الحضارة… وهنا، وأمام هذا الوحش المفترس، يقف داعش من مذهب آخر ولكنه يلتقي معه في هوس الكراهية والقتل والنهب وتدمير المعالم كتدمير نصب ساحة التحرير في قلب بغداد… فنحن أمام داعش البغدادي وداعش سليماني… أما عن تحرير الموصل فالحديث ما بين أخذ ورد ومثار خلافات ونزاعات
أطراف عديدة لكل منها حساباته وأهدافه الخاصة، وبذلك ارتفاع علم اردوغان في بعشيقة وهو الذي لا تهمه هزيمة داعش بقدر ما يرد سحق الأكراد أينما كانوا…
وفي عراق اليوم نجد أيضا غرائب ومسليات هي من باب “ولكنه ضحك كالبكاء”… مثال ذلك هذه الأيام تصريحات وزير النقل عن اكتشافه لمطار كان في مدينة الناصرية قبل خمسة آلاف سنة ما قبل الميلاد وكان يضج بمركبات فضائية تطير إلى الكواكب الأخرى. وقد نسي أن يضيف ثيران آشور المجنحة التي كانت تحلق نحو القمر والمريخ. كما بشرنا بمشروع لتشييد طرق خارجية اوتوروت ببعد آلاف الأميال حتى تصل قلب أوروبا، ومشروع آخر سوف يأتي برسوم تغني عن عائدات النفط… وقال قائل حسنا إن كنتم جادين فباشروا أولا بتنظيف العاصمة من قاذورات المجاري والنفايات ومن يعجز عن هذا لا يأتي بمعجزات حتى في الخيال.
ومهزلة أخرى حين استدعى البرلمان وزير الخارجية باستجوابه فوصلت في الحال إشارة من بعض الجيران إلى رئيس البرلمان لتعطيل الاستجواب وكل ما تم هو سؤال الوزير عن عدد الدبلوماسيين العراقيين من حملة الجنسيات المزدوجة وكأن كل حامل للمزدوجة ناقص الوطنية وكل احاديتها ملاك معصوم مع أن كل حالة تؤخذ بظروفها وعلى حدة. أما ما لم يجرؤ البرلمان على طرحه فهو حالات الفساد في بعض السفارات ووضع غير الأكفاء في مناصب هامة لمجرد انتمائهم لأحزاب دينية، وتورط بعض السفارات في محاكمات أمام محاكم غربية. فالبرلمان ترك معالي الوزير مرتاح البال وبلا احراج…
أجل وأسفاه هذه هو عراق اليوم عراق المآسي وعراق الضحك كالبكاء.