كتاب يتطرّق إلى فرضية كون وجود الجزيرة الخضراء (اللتي يسكنها الإمام المنتظر -أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) موجودة في مثلث برمودا لتطابق بعض العلامات والدلائل وللأسرار المتعلقة بمثلث برمودا.
يتحدث المؤلف عن مسلسل الأحداث في مثلث برمودا والتحقيقات العلمية وقصص الصحون الطائرة وقصة الجزيرة ويقارن بينهما ويضع الفرضية في إطار مشوِّق ….مثير ….ومخيف!!!!
ولكم بعض المقتطفات:
(… وكان من عادته انه لا يقيم عندهم الا ثلاثة أيام فأقام اسبوعا وأوصل الميرة الى أصحابها المقررة لهم,فلما أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم عزم على السفر وحملني معه وسرنا في البحر. فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماءً أبيض فجعلت أطيل النظر إليه فقال لي الشيخ واسمه محمد : مالي أراك تطيل النظر الى هذا الماء؟؟
فقلت له:اني أراه على غير لون ماء البحر!!!
فقال لي: هذا هو البحر الأبيض… وتلك الجزيرة الخضراء ! وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيت وجدته وبحكمة الله تعالى ان مراكب أعدائنا
(ولقد ذكر الطيار أنه شاهد جسما مجهولا طائرا .. وانه استطاع أن يرى نجما أكثر لمعانا من ألمع النجوم ولكن ذلك النجم كان يتحرك بسرعة تبلغ ضعف سرعة طائرته النفاثة , وعندما حاول مطاردته اختفى فجأة ! واكّد خمسة من المدنيين رواية الطيار وكانوا على الأرض يراقبون هذه المطاردة)اذا دخلته غرقت وان كانت محكمة ببركة مولانا وامامنا صاحب العصر عليه السلام)
أتمنى لكم قراءة نافعة ومفيدة وتقربا أكثر إلى المولى (صاحب العصر والزمان) أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
غاليتي (_.•«¤°- خادمة المؤمل -°¤»•._)
جعلكِ ربي من نصرة أملنا الموعود
والذي يعتقد الكثيرون أن هذه الأرض المباركة
يقطنها مولانا الحجة المنتظر إلهي سهل مخرجه
وقد قرأت في صغري قصص كثيرة ما زالت خالدة في ذهني
عن سر مثلث برمودا وفقد الكثير من الطائرات من دون عودة
وهذا كتاب آخر عن هذا الموضوع
ليتزود أكبر عدد من المتصفحين منه
الجزيرة الخضراء ومثلث برمودا
الجزيرة الخضراء
بين المثلث والجزيرة:
قد طرحنا نحن أيضاً هناك فرضيات والتي قلنا فيها باحتمال أن تكون هذه البقعة هي نفسها الجزيرة الخضراء المباركة التي سنعرض قصتها في هذا الفصل.
ولكي نعرف تفصيلاً ما هي قصة هذه الجزيرة المباركة بوجود الإمام المهدي عليه السلام فسننقل – أنا وأنت – في هذا الفصل الجديد من بحثنا إلى ما قبل سبعة قرون مضت لنعيش مع أهل ذلك الزمان الغابر فنتعرف على رجل منهم يسكن العراق مجاوراً للغري الشريف ويدعى الشيخ زين الدين علي بن فاضل.
وكان هذا الشيخ قد ذهب إلى منطقة ما من المحيط الأطلسي قد تكون مثلث برمودا وقد تكون غيرها ، إلا أنه رضوان الله تعالى عليه قد أعطانا وصفاً لتلك المنطقة التي زارها سنة 690 هجرية نجده متشابها ومتطابقة تمام التطابق مع كثير من الأوصاف التي ذكرت لمثلث برمودا من قبل العديد من الطيارين والملاحين أو العلماء ، ومنها على سبيل المثال ما ذكره قائد سرب الطائرات الخمسة – والذي تعرضنا لقصته بالتفصيل فيما سبق – حين ضل الطريق ودخل منطقة المثلث. فكان من جملة ما قاله في مكالمته مع برج المراقبة العبارات التالية :
وحتى البحر لا يشبه نفسه!..
يظهر اننا ندخل مياهاً بيضاء!..
و.. اننا نمر فوق جزيرة صغيرة!..
ثم كان آخر ما تلفظ به:
لقد ضعنا نهائياً!..!..
نفس هذه العبارات سنسمعها من فم الشيخ زين الدين علي بن فاضل حين يصف لنا في رحلته تلك المنطقة التي وصلها وذلك عند ما ذهب مع أستاذه إلى الأندلس ومن الأندلس خرج مسافراً برفقة قافلة تجارية إلى أرض البربر ( بلاد المغرب ) ومن بلاد المغرب حيث كانت هناك جزيرة لبعض المسلمين من الشيعة تسمى جزيرة الرافضة مطلة على الأطلسي – كما سنرى – انطلق في مركب خاص راح يمخر به عباب المحيط الأطلسي حتى وصل إلى بقعة كبيرة من المياه البيضاء ، قال عنها في قصته :
– فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيتُ ماءً أبيضاً! فجعلت أطيل النظر إليه. فقال لي الشيخ وأسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إليه؟ فقلت: إني أراه على غير لون ماء البحر!.
فترى التشابه كبيراً – من خلال هذا النص – بين قول الشيخ زين الدين ( إني أراه على غير لون ماء البحر ) وبين قول قائد السرب ( وحتى البحر لا يشبه نفسه ) وكذلك بين قول الشيخ ( رأيت ماءً أبيضاً ) وبين قول قائد السرب ( إننا ندخل مياهاً بيضاء )!. ثم إنك ستسمع جواب الشيخ محمد على سؤال الشيخ زين الدين حول سبب اختلاف ماء البحر حين يقول له:
– هذا هو البحر الأبيض.. وتلك الجزيرة الخضراء! وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته وبحكمة الله تعالى إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر عليه السلام!.
وهنا أيضاً نجد التشابه واضحاً بين جواب الشيخ محمد في قوله ( وتلك الجزيرة الخضراء ) وبين تأكيد قائد سرب الطائرات الخمس ( إننا نمر فوق جزيرة صغيرة )!.
كما يجب أن لا نغفل عن الخبر الذي ذكره الشيخ محمد في جوابه حول غرق مراكب أعداء الإمام إذا دخلت المياه البيضاء وإن كانت محكمة، وبين الواقع الذي عليه المثلث اليوم من غرق البواخر والسفن واختفاء الطائرات وغيرها فيه مهما كانت متطورة أو متقنة ومحكمة!.
ولكن ليست كل طائرة وباخرة تغرق وتختفي فقد وجدنا بعضها لا يصيبها شيء رغم مرورها في منطقة المثلث كما مر بنا في ( ص: 31 ) مما لا نجد له تفسيراً هنا إلا أن يكون هذا البعض – من البواخر والطائرات – مما لا يصدق عليه كونه من مراكب أعداء الإمام وإن كان مالكة كافراً، لعلة من العلل أو لسبب من الأسباب كأن يكون في داخلها مسلم مثلاً أو شيء آخر لا نعلمه!. ويتضح لنا هذا في مفهوم جواب الشيخ محمد ( إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا صاحب العصر عليه السلام ) مما يعني أن المراكب التي لا يصدق عليها كونها من مراكب محضة للأعداء لا يصيبها شيء ولا تغرق! فهو لم يقل ( إن كل مركب إذا دخلها يغرق ) أو ( إن المراكب إذا دخلته غرقت.. ) بل خصص الغرق والتلف والدمار بالمراكب التي يصدق عليها كونها ( مراكب أعدائنا ) !.
ولقد مر بنا في فصل ( مثلث برمودا ) من الباب الأول من هذا الكتاب ما حد ويحدث للطائرات والسفن والبواخر على اختلاف أنواعها وتعدد جنسياتها من الكوارث والحوادث الغريبة والغامضة التي استعرضناها هناك جملة وتفصيلا مما لا نحتاج معه هنا إلى إعادة. وهو عين ما أخبر به الشيخ محمد في جوابه:
– إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا صاحب العصر عليه السلام.
نعم.. كل هذا سنقرأه في قصة الجزيرة الخضراء والبحر الأبيض ولكن من دون أن نحكم على نحو القطع واليقين بأنها مثلث برمودا لأن مثل هذا الحكم متروك أمره للزمن! وإنما نقول هنا فقط – كما قدمنا في ما مضى – بالتشابه بين المسألتين الأمر الذي جعلنا نميل إلى احتمال ذلك واستقرابه والله العالم.
في بحار الشيخ المجلسي
وقصة هذه الجزيرة المسماة بالخضراء موجودة في بحار الشيخ المجلسي رضوان الله تعالى عليه. وبحار الشيخ المجلسي – عزيزي القارئ – ليست مجموعة من البحار المعروفة التي تقع على الأرض وتحيط ببلدانها كالبحر الأحمر أوالأبيض أو الكاريبي! بل هي مجموعة من بحار العلوم التي جمعها ذلك الشيخ الفذ المدعو محمد باقر المجلسي من أمهات المصادر ومئات الكتب الفريدة التي ذكرها في مقدمته وبين خصوصياتها وطرقه إلى أصحابها. وقد اشتملت بحاره هذه على مختلف العلوم الإسلامية المتعلقة بأصول الدين وفروعه، ولا نغالي إذا قلنا عنها بأنها موسوعة علوم!.
وتقع هذه الموسوعة الإسلامية في خمس وعشرين مجلداً ضخماً من المجلدات القديمة الكبيرة ذات الطبعة الحجرية. وقد طبعت في السنين الأخيرة، فأصبحت هذه الموسوعة في طبعتها الجديدة الحروفية ( 110 ) أجزاء من القطع الوزيري، طبع منها 104 مجلدات! وقد اختار لها الشيخ المجلسين عليه الرحمة اسم ( بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ) .
ومن أعماق هذه البحار استخرجت قصة الجزيرة الخضراء وحاولت أن أقدمها للقارئ الكريم بعد أن وضعت تحتها بعض الهوامش التي يتطلبها عرض القصة التي دارت أحداثها في العقد الأخير من القرن السابع الهجري بينما نعيش اليوم ونحن على أبواب القرن الخامس عشر من الهجرة النبوية الشريفة.
وليكن معلوماً هنا بأن الذي يجب أن لا يغيب عن البال هو أن الشيخ المجلسي ليس أول من وجد هذه الرسالة ورواها في بحاره كما قد يظن ذلك بعض من لا دراية له بهذه الحكاية! وإنما قد سبقه إلى ذكرها بعض كبار علمائنا المحققين، نذكر منهم في هذه العجالة العلامة السند القاضي نور الله المرعشي صاحب ( إحقاق الحق ) و( مجالس المؤمنين ) المستشهد بالهند من قبل أن يولد الشيخ المجلسي بثمانية عشر عاماً حيث ذكر شطراً منها في ( مجالسه ) الذي شره في تأليفه عام 982 هـ وانتهى منه في عام 990 هـ. فقد قال هذا القاضي الشهيد رحمة الله عليه عند تعداده للأماكن المخصوصة بالأئمة الطاهرين وشيعتهم في المجلس الأول ما ترجمته:
( الجزيرة الخضراء والبحر الأبيض: وهي جزيرة تقع في بلاد البربر في بحر الأندلس، يقطنها الإمام صاحب الزمان عليه السلام وأولاده وأصحابه، وبين الأندلس وساحل البحر المذكور مسيرة خمسة عشر يوماً. وإن مقدار مسيرة يومين من بداية تلك المسافة صحراء مقفرة لا يحصل فيها ماء، وأما سائل الطريق فعامر والقرى فيه كثيرة ومتصلة.
وعلى ساحل البحر أيضاً موضع على شكل جزيرة يسميها أهل الأندلس بجزيرة الرفضة، لأن سكان تلك الجزيرة كلهم شيعة إمامية، وإن أمتعتهم الضرورية تجلب إليهم من الجزيرة الخضراء حيث يقيم الإمام صاحب الزمان عليه السلام، من قبل وكيل الناحية المقدسة في كل عام مرتين! يحملها إليهم في السفن على البحر الأبيض المحيط بتلك الناحية المقدسة ويقسمها على أهالي تلك الجزيرة ويعود.
وقد ساعد التوفيق أحد صلحاء الشيعة في الأزمنة السابقة لأن يصل إلى ذلك الموضع. وقد روى تفصيل تلك القصة الطويلة الشيخ الأجل السعيد الشهيد محمد بن مكي قدس الله روحه وهو أحد أعاظم فقهاء الشيعة الإمامية بإسناده عن الرجل الصالح المشار إليه وحرّرها في بعض أماليه.
كما أورده السيد الأجل العظيم الشأن الأمير شمس الدين أسد الله التستري رحمه الله تعالى في رسالته التي صنفها بأمر السلطان المغفور له صاحب قران في حكم ومصالح غيبة الإمام صاحب الزمان عليه السلام.
ويظهر من تلك القصة أن للإمام عليه السلام في تلك الناحية المقدسة أولاداً وأصحاباً يشتغلون في مساجدهم ومنازلهم بالطاعة والعبادة وتعليم وتعلم المسائل الدينية. وقد وقف خارج البقعة المقدس جنود العساكر على أهبة الاستعداد كلهم ينتظرون فرج آل محمد ) .
هذا ونحيل ذكر الباقين من العلماء – وخصوصاً الشهيد الأول الذي روى تفصيل القصة بإسناده عن علي بن فاضل وحرّرها في بعض أماليه كما أشار القاضي هنا – إلى الفصل الثاني من هذا الباب والباب الثالث من هذا الكتاب حيث درسنا فيهما هناك هذه الرسالة سنداً ومتناً، دراية ورواية، بعناية تامة ورعاية هامة فراجعهما وأغتنم ما فيها من فوائد وعوائد.
الرسالة .. وقصة الجزيرة
وهذه هي القصة كما أوردها الشيخ المجلسي رضوان الله تعالى عليه في ( بحاره ) من دون تعليق أو إشارة أو شرح سوى قوله رحمة الله عليه ” وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت إيرادها لا اشتمالها على ذكر من رآه، ولما فيه من الغرائب. وإنما أفردت لها باباً لأني لم أظفر به في الأصول المعتبره، ولنذكرها بعينها كما وجدتها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لمعرفته، والشكر له على ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته محمد الذي اصطفاه من بين خليقته، وخصنا بمحبة علي والأئمة المعصومين من ذريته، صلى الله عليهم أجمعين، الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيرا.
وبعد.. فقد وجدت في خزنة أمير المؤمنين عليه السلام وسيد الوصيين وحجة رب العالمين، وإمام المتقين، علي بن أبي طالب عليه السلام، بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الكوفي قدس الله روحهما هذا صورته:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وبعد.. فيقول الفقير إلى عفو الله سبحانه وتعالى الفضل بن يحيى بن علي الطيبي الإمامي الكوفي عفى الله عنه: قد كنت سمعت من الشيخين الفاضلين العالمين، الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي والشيخ جلال الدين عبد الله بن الحوام الحلي قدس الله روحيهما ونور ضريحيهما في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبدالله الحسين عليه السلام في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية على مشرفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي الفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفيه السلام، حيث اجتمعا به في مشهد الإمامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين عليهما السلام بسر من رأى وحكى لهاما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الأبيض والجزيرة الخضراء من العجائب.
فمر بي باعث الشوق إلى رؤياه وسألت تيسير لقياه والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه بإسقاط رواته، وعزمت على الانتقال إلى سر من رأى للاجتماع به. فاتفق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من رأى إلى الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي على جاري عادته ويقيم في المشهد الغروي على مشرفيه السلام.
فلما سمعت بدخوله إلى الحلة وكنت يومئذ بها قد أنتظر قدومه فإذا أنا به وقد أقبل راكباً يريد دار السيد الحسيب ذي النسب الرفيع والحسب المنيع السيد فخر الدين الحسن بن علي الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاه ولم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور لكن خلج في خاطري أنه هو!.
فلما غاب عن عيني تبعته إلى دار السيد المذكور فلما وصلت إلى باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفاً على باب داره مستبشراً، فلما رأني مقبلا ضحك في وجهي وعرّفني بحضوره، فاستطار قلبي فرحاً وسروراً ولم أملك نفسي على الصبر على الدخول إليه في غير ذلك الوقت. فدخلت الدار مع السيد فخر الدين فسلمت عليه وقبلت يديه فسأل السيد عن حالي. فقال له:
– هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيى الطيبي صديقكم.
فنهض واقفاً وأقعدني في مجلسه ورحب بي وأحفى السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لأنه كان عارفاً بهما سابقاً ولم أكن في تلك الأوقات حاضراً، بل كنت في بلدة واسط أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الواسطي الإمامي تغمده الله برحمته وحشره في زمرة أئمته عليهم السلام.
فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه أمارات تدل على الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث والعربية بأقسامها، وطلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان العالمان الشيخ شمس الدين والشيخ جلال الدين الحليان المذكوران سابقاً عفى الله عنهما.
فقص لي القصة من أولها إلى آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلة صاحب الدار وحضور جماعة من علماء الحلة والأطراف قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفقه الله. وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع وتسعين وستمائة.
وهذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه، وربما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظة تغيير لكن المعاني واحدة. قال حفظه الله تعالى:
” قد كنت مقيماً في دمشق الشام منذ سنين مشتغلاً بطلب العلم عند الشيخ الفاضل الشيخ عبدالرحيم الحنفي وفقه الله لنور الهداية في علمي الأصول والعربية، وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الأندلسي المالكي في علم القراءة لأنه كان عالماً فاضلاً عارفاً بالقراءات السبع وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والأصوليين وكان إذا جرى ذكر الشيعة يقول : قال علماء الإمامية، بخلاف ( غيره ) من المدرسين فإنهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة: قال علماء الرافضة! فاختصصت به وتركت التردد إلى غيره.
فأقمنا على ذلك برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة، فاتفق أنه عزم على السفر من دمشق الشام يريد الديار المصرية. فلكثرة المحبة التي كانت بيننا عز علي مفارقته وهو أيضاً كذلك فآل الأمر إلى أنه هداه الله صمم العزم على صحبتي له إلى مصر وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي يقرؤون عليه فصحبه أكثرهم.
فسرنا في صحبته إلى أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بـ ( القاهرة ) وهي أكبر من مدائن مصر كلها. فأقام بالمسجد الأزهر مدة يدرّس، فتسامع فضلاء مصر بقدومه فوردوا كلهم لزيارته وللانتفاع بعلومه.
فأقام في قاهرة مصر مدة تسع أشهر ونحن معه على أحسن حال وإذا بقافلة قد وردت من الأندلس ومع رجل منهم كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرّفه فيه بمرض شديد قد عرض له وأنه يتمنى الاجتماع به قبل الممات ويحثه على عدم التأخير.
فرق الشيخ من كتاب أبيه وبكى وصمم العزم على المسير إلى جزيرة الأندلس. فعزم بعض التلامذة على صحبته، ومن الجملة أنا، لأنه هداه الله قد كان أحبني محبة شديدة وحسّن لي المسير معه.
فسافرت إلى الأندلس في صحبته فحيث وصلنا إلى أول قرية من الجزيرة المذكورة عرضت لي حمى منعتني عن الحركة. فحيث رآني الشيخ على تلك الحالة رق لي وبكى وقال:
– يعز علي مفارقتك!.
فأعطى خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم وأمره أن يتعاهدني حتى يكون مني أحد الأمرين! وإن من الله بالعافية أتبعه إلى بلده.. هكذا عهد إلي بذلك وفقه الله بنور الهداية إلى طريق الحق المستقيم، ثم مضى إلى بلد الأندلس ومسافة الطريق من ساحل البحر إلى بلده خمسة أيام.
فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدة ما أصابني من الحمى، ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمى وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلاً قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والأمتعة.
فسألت عن حالهم، فقيل: إن هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر وهي قريبة من جزر الرافضة.
فحيث سمعت ذلك منهم إرتحت إليهم وجذبني باعث الشوق إلى أرضهم. فقيل لي: إن المسافة خمسة وعشرون يوماً! منها يومان بغير عمارة ولا ماء، وبعد ذلك فالقرى متصلة.
فاشتريت معهم من رجل حماراً بمبلغ ثلاثة دراهم لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها، فلما قطعنا معهم تلك المسافة ووصلنا أرضهم العامرة تمشيت راجلاً وتنقلت على اختياري من قرية إلى أخرى إلى أن وصلت إلى أول تلك الأماكن، فقيل لي: إن جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام!.
فمضيت ولم أتأخر، فوصلت إلى جزيرة ذات أسوار أربعة ولها أبراج محكمات شاهقات وتلك الجزيرة بحصونها راكبة على شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها ( باب البربر ) ! فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد.
فهديت عليه ودخلت إليه فرأيت جامعاً كبيراً معظماً واقعاً على البحر من الجانب الغربي من البلد. فجلست في جانب من المسجد لأستريح وإذا بالمؤذن يؤذن الظهر ونادى بـ ( حيّ على خير العمل ) ولما فرغ دعا بتعجيل الفرج للإمام صاحب العصر والزمان عليه السلام فأخذتني العبرة بالبكاء!!.
فدخلت جماعة بعد جماعة إلى المسجد وشرعوا في الوضوء على عين ماء تحت شجرة في الجانب الشرقي من المسجد وأنا أنظر إليهم فرحاً مسروراً لما رأيت من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدى عليهم السلام.
فلما فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهي الصورة عليه السكينة والوقار فتقدم إلى المحراب وأقام الصلاة فاعتدلت الصفوف وراءه وصلى بهم إماماً وهم به مأمومون.. صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمتنا عليهم السلام على الوجه المرضي فرضاً ونفلاً وكذا التعقيب والتسبيح!.
ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر وتعبي في الطريق لم يمكني أن أصلي معهم الظهر. فلما فرغوا ورأوني أنكروا علي عدم اقتدائي بهم! فتوجهوا نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي؟ وما مذهبي؟!. فشرحت لهم أحوالي وأني عراقي الأصل، وأما مذهبي فإنني رجل مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الأديان كلها ولو كره المشركون.
فقالوا لي: لم تنفعك هاتان الشهادتان إلا لحقن دمك في دار الدنيا!! لم لا تقول الشهادة الأخرى لتدخل الجنة بغير حساب؟! فقلت لهم: وما تلك الشهادة الأخرى إهدوني إليها يرحمكم الله.
فقال لي إمامهم: الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين ويعسوب المتقين وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب والأئمة الأحد عشر من ولده أوصياء رسول الله وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة!.
قد أوجب الله عز وجل طاعتهم على عباده، وجعلهم أولياء أمره ونهيه، وحججاً على خلقه في أرضه، وأماناً لبريته، لأن الصادق الأمين محمداً رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بهم عن الله تعالى مشافهة من نداء الله عز وجل له عليه السلام في ليلة معراجه إلى السموات السبع وقد صار من ربه كقاب قوسين أو أدنى، وسمّاهم له واحداً بعد واحد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
فلما سمعتُ مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه على ذلك وحصل عندي أكمل السرور، وذهب عني تعب الطريق من الفرح, وعرّفتهم أني على مذهبهم، فتوجهوا إلي توجه إشفاق وعينوا لي مكاناً في زوايا المسجد. وما زالوا يتعاهدوني بالعزة والإكرام مدة إقامتي عندهم وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا نهارا.
فسألته عن ميرة أهل بلده من أين تأتي إليهم؟ فإني لا أرى لهم أرضاً مزروعة! فقال:
– تأتي إليهم مرتين من الجزيرة الخضراء من البحر الأبيض من جزائر أولاد الإمام صاحب الأمر عليهم السلام.
فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة؟
فقال: مرتين! وقد أتت مرة وبقيت الأخرى.
فقلت: كم بقي حتى تأتيكم؟.
فقال: أربعة أشهر.
فتأثرت لطول المدة، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوماً أدعوا الله ليلاً ونهاراً بتعجيل مجيئها، وأنا عندهم في غاية الإعزاز والإكرام. ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلى شاطئ البحر، أنظر إلى جهة المغرب التي ذكروا أهل البلد أن ميرتهم تأتي من تلك الجهة !.
فرأيت شبحاً من بعيد يتحرك، فسألت عن ذلك الشبح أهل البلد وقلت لهم: هل يكون في البحر طيرٌ أبيض؟ فقالوا لي : لا.. فهل رأيت شيئاً؟ قلت: نعم!.. فاستبشروا، وقالوا: هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الإمام عليه السلام.
فما كان إلا قليل حتى قدمت تلك المراكب، وعلى قولهم أن مجيئها كان في غير الميعاد. فقدم مركب كبير وتبعه آخر وآخر حتى كملت سبعاً فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة، بهي المنظر، حسن الزي، ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل على الوجه المنقول عن أئمة الهدى عليهم السلام وصلى الظهرين. فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلماً علي فرددت عليه السلام، فقال:
– ما اسمك؟ وأظن أن اسمك علي.
قلت: صدقت!..
فحادثني بالسر محادثة من يعرفني، فقال:
– ما اسم أبيك؟ ويوشك أن يكون فاضلاً!..
قلت: نعم..
ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق، فقلت:
– أيها الشيخ.. ما أعرفك بي وبأبي؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلى مصر؟. فقال: لا!.
قلت: ولا من مصر إلى الأندلس؟.
قال: لا.. ومولاي صاحب العصر.
قلت له: فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي؟.
قال: اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك وأصلك ومعرفة أسمك وشخصك وهيئتك وأسم أبيك وأنا أصحبك معي إلى الجزيرة الخضراء! فسررتُ بذلك حيث قد ذكرتُ ولي عندهم أسمٌ!..
وكان من عادته أن لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام أسبوعاً وأوصل الميرة إلى أصحابها المقررة لهم. فلما أخذ منهم خطوطهم بوصل المقرر لهم عزم على السفر وحملني معه وسرنا في البحر. فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماءً أبيض فجعلت أطيل النظر إليه، فقال لي الشيخ وأسمه محمد: ما لي أراك تطيل النظر إلى هذا الماء؟ .
فقلت له: إني أراه على غير لون ماء البحر!..
فقال لي: هذا هو البحر الأبيض.. وتلك الجزيرة الخضراء! وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته وبحكمة الله تعالى أن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر عليه السلام.
فاستعملته وشربت منه فإذا هو كماء الفرات.
ثم إنا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض وصلنا إلى الجزيرة الخضراء، لا زالت عامرة آهلة. ثم صعدنا من المركب الكبير إلى الجزيرة ودخلنا البلد، فرأيته محصنأً بقلاع وأبراج وأسوار سبعة واقعة على شاطئ البحر، ذات أنهار وأشجار مشتملة على أنواع الفواكه والأثمار المنوعة! وفيها أسواق كثيرة وحمّامات عديدة، وأكثر عمارتها برخام شفاف، وأهلها في أحسن الزي والبهاء. فاستطار قلبي سروراً لما رأيته.
ثم مضى بي رفيقي محمد بعدما استرحنا في منزله إلى الجامع المعظم، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر أن أصفه، والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم، ويقرؤون عليه القرآن والفقه والعربية بأقسامها وأصول الدين. والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الأمر عليه السلام مسألة مسألة وقضية قضية وحكماً حكما.
فلما مثلت بين يديه رحب بي وأجلسني في القرب منه وأحفى السؤال عن تعبي في الطريق وعرّفني أنه تقدم إليه كل أحوالي وأن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه. ثم أمر لي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد وقال لي:
– هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة!.
فنهضت ومضيت إلى ذلك الموضع فاسترحت فيه إلى وقت العصر، وإذا أنا بالموكل بي قد أتى إلي وقال لي: لا تبرح من مكانك حتى يأتيك السيد وأصحابه لأجل العشاء معك.
فقلت: سمعاً وطاعة.
فما كان إلا قليل وإذا بالسيد سلمه الله قد أقبل ومعه أصحابه فجلسوا ومدت المائدة فأكلنا ونهضنا إلى المسجد مع السيد لأجل صلاة المغرب والعشاء! فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلى منزله ورجعت إلى مكاني.
وأقمت على هذه الحال مدة ثمانية عشر يوماً ونحن في صحبته أطال الله بقائه. فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلى الجمعة ركعتين فريضة واجبة، فلما انقضت الصلاة، قلت:
– يا سيدي قد رأيتكم صليتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة!.
– قال: نعم.. لأن شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت.
فقلت في نفسي: ربما كان الإمام عليه السلام حاضراً!..
ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة:
فقال: لا.. ولكني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه عليه السلام.
فقلت: يا سيدي.. وهل رأيت الإمام عليه السلام؟
قال: لا.. ولكني حدثني أبي رحمه الله أنه سمع حديثه ولم ير شخصه! وأن جدي رحمه الله سمع حديثه ورأى شخصه!.
فقلت له: ولم ذلك يا سيدي.. يختص بذلك رجل دون آخر؟.
فقال لي: يا أخي.. إن الله سبحانه وتعالى يؤتي الفضل من يشاء من عباده وذلك لحكمة بالغة وعظمة قاهرة، كما أن الله تعالى اختص من عباده الأنبياء والمرسلين والأوصياء المنتجبين، وجعلهم أعلاماً لخلقه، وحججاً على بريته ووسيلة بينهم وبينه ” ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة ” ولم يخل أرضه بغير حجة على عباده للطفه بهم ولابد لكل حجة من سفير يبلغ عنه.
ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلى خارج مدينتهم، وجعل يسير معي نحو البساتين، فرأيت فيها أنهاراً جارية وبساتين كثيرة مشتملة على أنواع الفواكه! عظيمة الحسن والحلاوة: من العنب والرمان والكمثري وغيرها ما لم أرها في العراقين ولا في الشامات كلّها!.
فبينما نحن نسير من بستان إلى آخر إذ مر بنا رجل بهي الصورة، مشتمل ببردتين من صوف أبيض. فلما قرب منا سلم علينا وانصرف عنا، فأعجبتني هيئته!؟ فقلت للسيد سلمه الله:
– من هذا الرجل.
قال لي: أتنظر إلى هذا الجبل الشاهق؟.
قلت: نعم..
قال: إن في وسطه لمكاناً حسناً وفيه عين جارية تحت شجرة ذات أغصان كثيرة، وعندها قبّة مبنية بالآجر، وإن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبة. وأنا أمضي إلى هناك في كل صباح جمعة وأزور الإمام عليه السلام منها وأصلي ركعتين وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين! فمهما تضمنته الورقة أعمل به. فينبغي لك أن تذهب إلى هناك وتزور الإمام عليه السلام من القبة.
فذهبت إلى الجبل فرأيت القبة على ما وصف لي سلمه الله، ووجدت هناك خادمين، فرحب بي الذي مر علينا وأنكرني الآخر! فقال له:
– لا تنكره فإني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم.
فتوجه إلي ورحب بي، وحادثني وأتيا لي بخبز وعنب فأكلت وشربتُ من ماء تلك العين التي عند القبة وتوضأت وصليت ركعتين.
وسألت الخادمين عن رؤية الإمام عليه السلام فقالا لي:
– الرؤية غير ممكنة! وليس معنا إذن في إخبار أحد..
فطلبت منهما الدعاء فدعيا لي وانصرفتُ عنهما ونزلتُ من ذلك الجبل إلى أن وصلت إلى المدينة. فلما وصلتُ إليها ذهبتُ إلى دار السيد شمس الدين العالم، فقيل لي: إنه خرج في حاجة له!.
فذهبت إلى دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب، فاجتمعت به وحكيت له عن مسيري إلى الجبل واجتماعي بالخادمين وإنكار الخادم عليّ فقال لي: ليس لأحد رخصة في الصعود إلى ذلك المكان سوى السيد شمس الدين وأمثاله! فلهذا وقع الإنكار منه لك.فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله أفضاله فقال:
– إنه من أولاد أولاد الإمام، وإن بينه وبين الإمام عليه السلام خمسة آباء! وإنه النائب الخاص عن أمر صدر منه عليه السلام.
قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري على مشرفه السلام: واستأذنت السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه وقراءة القرآن المجيد ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها، فأجاب إلى ذلك وقال:
– إذا كان ولابدّ من ذلك فابدأ أولاً بقراءة القرآن العظيم!.
فكان كلّما قراتُ شيئاً في خلاف بين القرّاء أقول له: قرأ حمزة كذا، وقرأ الكسائي كذا، وقرأ عاصم كذا، وأبو عمرو بن كثير كذا! فقال السيد سلمه الله:نحن لا نعرف هؤلاء!. وإنما القرآن نزل على سبعة أحرف قبل الهجرة من مكة إلى المدينة! وبعدها لما حجّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع نزل عليه الروح الأمين جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد.. أتل علي القرآن حتى أعرّفك أوائل السور وأواخرها وشأن نزولها.
فاجتمع إليه علي بن أبي طالب وولداه الحسن والحسين عليهم السلام، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وأبو سعيد الخدري، وحسان بن ثابت، وجماعة من الصحابة رضي الله عن المنتجبين منهم. فقرأ النبي صلى الله عليه وأله وسلم القرآن من أوله إلى آخره، فكان كلّما مرّ بموضع فيه اختلاف بيّنه له جبرئيل عليه السلام وأمير المؤمنين يكتب ذاك في درج من أدم! فالجميع قراءة أمير المؤمنين ووصيّ رسول رب العالمين …….والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام بخطّه محفوظ عند صاحب الأمر عليه السلام، فيه كل شيء حتى إرش الخدش! وأما هذا القرآن فلاشك ولا شبهة في صحته وأنه كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الأمر عليه السلام.
قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل: ونقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوف على تسعين مسألة! وهي عندي جمعتها في مجلد وأسميته بـ ” الفوائد الشمسية ” ولا اطلع عليها إلا الخاص من المؤمنين وستراه إن شاء الله تعالى.
فلما كانت الجمعة الثانية وهي الوسطى من جمع الشهر، وفرغنا من الصلاة وجلس السيد سلمه الله في مجلس الإفادة للمؤمنين، وإذا أنا أسمع هرجاً ومرجاً وجزلة عظيمة خارج المسجد! فسألت من السيد عمّا سمعته فقال لي:
– إن أمراء عسكرنا يركبون في كل جمعة وسط من كل شهر، وينتظرون الفرج!.
فستأذنته في النظر إليهم، فأذن لي. فخرجت لرؤيتهم، وإذا هم جمع كثير يسبّحون الله ويهلّلونه جلّ عزّ، ويدعون بالفرج للإمام القائم بأمر الله والناصح لدين الله محمد بن الحسن المهدي الخلف الصالح صاحب الزمان عليه السلام.ثم عدت إلى مسجد السيد سلمه الله فقال لي:
– رأيت العسكر؟
فقلت: نعم…
قال: فهل عددت أمراءهم؟.
قلت: لا..
قال: عدّتهم ثلاث مائة ناصر وبقي ثلاثة عشر ناصراً! ويعجل الله لوليه الفرج بمشيته إنه جواد كريم.
قلت: يا سيدي.. ومتى يكون الفرج؟
قال: يا أخي.. إنما العلم عند الله، والأمر متعلق بمشيته سبحانه وتعالى حتى إنه ربما كان الإمام عليه السلام لا يعرف ذلك! بل له علامات وأمارات تدل على خروجه من جملتها: أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه, ويتكلم بلسان عربي مبين ( قم يا ولي الله على اسم الله فاقتل بي أعداء الله ) !.ومنها ثلاث أصوات يسمعها الناس كلهم، الصوت الأول: ( أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين ) ! والصوت الثاني ( ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد عليهم السلام ) والثالث بدن يظهر فيرى في قرن الشمس يقول ( إن الله بعث صاحب الأمر محمد بن الحسن المهدي عليه السلام فاسمعوا له وأطيعوا ).
فقلت: يا سيدي.. قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر عليه السلام أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى ( من رآني بعد غيبتي فقد كذب ) ! فكيف فيكم من يراه؟
فقال: صدقت.. إنه عليه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس حتى أن الشيعة يمنع بعضها بعضاً عن التحدث بذكره! وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم وببركته عليه السلام لا يقدر أحدٌ من الأعداء على الوصول إلينا.
قلت: يا سيدي.. قد روت علماء الشيعة حديثاً عن الإمام عليه السلام أنه أباح الخمس لشيعته. فهل رويتم عنه ذلك؟
قال: نعم.. إنه عليه السلام رخص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السلام وقال ( هم في حلٍّ من ذلك ).قلت: وهل رخصه للشيعة أن يشتروا الإماء والعبيد من سبي العامة؟ قال: نعم.. ومن سبي غيرهم لأنه عليه السلام قال ( عاملوهم بما عاملوا به أنفسهم ) !.
وهاتان المسألتان زائدتان على المسائل التي سميتها لك.
وقال السيد سلمه الله: إنه يخرج من مكة بين الركن والمقام في سنة وتر! فليترقبها المؤمنون.
فقلت: يا سيدي.. قد أحببت المجاورة عندكم إلى أن يأذن الله بالفرج! فقال لي: اعلم يا أخي أنه قد تقدم إلي كلام بعودتك إلى وطنك، ولا يمكنني وإياك المخالفة لأنك ذو عيال وغبت عنهم مدة مديدة! ولا يجوز لك التخلّف عنهم أكثر من هذا.
فتأثرت من ذلك وبكيت! وقلت: يا مولاي.. وهل تجوز المراجعة في أمري.
قال: لا.
قلت: يا مولاي.. وهل تأذن لي في أن أحكي كلما قد رأيته وسمعته؟ قال: لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئنّ قلوبهم! إلا كيت وكيت، وعين لي ما لا أقوله!.
فقلت: يا سيدي.. أما يمكن النظر إلى جماله وبهائه عليه السلام؟ قال: لا.. ولكن اعلم يا أخي أن كل مؤمن مخلص يمكن أن يرى الإمام ولا يعرفه!.
فقلت: يا سيدي.. أنا من جملة عبيده المخلصين ولا رأيته!.
فقال لي: بل رأيته مرتين! مرةً منها لما أتيت إلى ( سرّ من رأى ) وهي أول مرة جئتها وسبقك أصحابك وتخلّفت عنهم حتى وصلت إلى نهر لا ماء فيه. فحضر عندك فارس على فرس شهباء وبيده رمح طويل وله سنان دمشقي! فلما رأيته خفت على ثيابك. فلما وصل إليك قال لك: لا تخف! إذهب إلى أصحابك فإنهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة، فأذكرني والله ما كان.فقلت: قد كان ذلك يا سيدي!.
قال: والمرة الأخرى حين خرجت من دمشق تريد مصراً مع شيخك الأندلسي، وانقطعت عن القافلة وخفت خوفاً شديداً فعارضك فارس على فرس غرّاء محجلة وبيده رمح أيضاً وقال لك: سر ولا تخف إلى قرية على يمينك ونم عند أهلها الليلة وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه ولا تتق منهم، فإنهم مع قرى عديدة جنوبي دمشق مؤمنون مخلصون يدينون بدين علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين من ذرّيته عليهم السلام!.
أكان ذلك يا ابن فاضل؟ قلت: نعم.. وذهبت إلى عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزوني! وسألتهم عن مذهبهم فقالوا لي _ من غير تقية مني – : نحن على مذهب أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب والأئمة المعصومين من ذريته عليهم السلام.
فقلت لهم: من أين لكم هذا المذهب؟ ومن أوصله إليكم؟.
قالوا: أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين نفاه عثمان إلى الشام ونفاه معاوية إلى أرضنا هذه فعمتنا بركته.فلما أصبحت طلبتُ منهم اللحوق بالقافلة فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها بعد أن صرّحت لهم بمذهبي!.
فقلت له: يا سيدي.. هل يحج الإمام عليه السلام في كل مدّة بعد مدّة؟ قال لي: يا ابن فاضل.. الدنيا خطوة مؤمن! فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده ووجود آبائه عليهم السلام. نعم يحج في كل عام ويزور آباءه في المدينة والعراق وطوس على مشرفيها السلام ويرجع إلى أرضنا هذه.
ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلى العراق وعدم الإقامة في بلاد المغرب. وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها ” لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، محمد بن الحسن القائم بأمر الله ” وأعطاني السيد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة!.
ثم إنه سلمه الله وجهني مع المراكب التي أتيت معها إلى أن وصلنا إلى تلك البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر.
وكان قد أعطاني حنطة وشعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين ديناراً ذهباً من معاملة بلاد المغرب ، ….، ولم أجعل طريقي على الأندلس امتثالاً لأمر السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه. وسافرت منها مع الحجج المغربي إلى مكة شرفها الله تعالى، وحججت وجئت إلى العراق وأريد المجاورة في الغري على مشرفيها السلام حتى الممات.
قال الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني: لم أر لعلماء الإمامية عندهم ذكراً سوى خمسة: السيد المرتضى الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي، ومحمد بن يعقوب الكليني، وابن بابويه، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي.هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي والفاضل الزكي علي بن فاضل المذكور أدام الله إفضاله وأكثر من علماء الدهر وأتقيائه أمثاله، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على خير خلقه سيد البرية محمد وعلى آله الطاهرين المعصومين وسلم تسليماً كثيراً.
وأخيراً
نقلها الفقير إلى ربه والراجي عفوه ومغفرته متقرباً بها إلى الله تعالى وإلى سيدي ومولاي ومعتمدي ورجاي ذخري وذخيرتي في آخرتي ودنياي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وجعلني من كل مكروه وقاه ( قيصر الحرية ) من كتاب ( الجزيرة الخضراء وقضية مثلث برمودا ) لكاتبه ( ناجي النجار ) الطبعة الثانية سنة 1413 هـ – 1992 م .
للأمانة فقد نقلت القصة بأخطائها الإملائية من الكتاب
راجيًا من الله القبول والتوفيق والسداد
ولا تنسونا من خالص دعاكم
منقول
والله ولي التوفيق
دعواتي الصادقة وتحياتي العطرة