إلى أمين عام جمعية «وعد».. / عثمان الماجد

2097
لم يكن تصريح الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» رضي الموسوي عن انتهاء صلاحية الحكومة المنتخبة في المقابلة الصحفية التي نشرتها جريدة «الوسط» في يوم الأحد 23 أكتوبر 2016 مفاجئًا لكل ذي لب يملك القدرة على الإحاطة الكاملة بالبيئة السياسية والاجتماعية للمجتمعات الخليجية. لهذا ولد المصطلح ميتًا منذ اللحظة التي فيها طرح قبل خمس سنوات ونيف رغم كلفته الباهظة على الأمن الاجتماعي والسلم الأهلي. لا يهمنا هنا الإفاضة في التعليق على الرأي الآخر الذي ظهر حول هذا المصطلح في اليوم التالي مصححًا الخطأ، أو بالأحرى مخطئًا الصح لما جاء في المقابلة حول التراجع عن الحكومة المنتخبة الذي بشر به الأمين العام، لأن قوى الضغط المسيرة لإرادة كثير من سياسيي هذا التيار لا ولن تسمح بذلك، فصار الذي صار، إذا صح ما قيل.

لا ريب أن شعار الحكومة المنتخبة هذا كان فكرة شريرة تحركت جمعية «الوفاق» المنحلة على جعلها مرتكزًا للتهييج الإعلامي الذي مارسته لكسب الرأي العام الدولي، والغربي منه تحديدًا. لكن طرح مثل هذا الشعار مع شعارات أخرى ذات صلة بالدولة المدنية وحقوق الإنسان التي غزت الدوار، لم يكن غير تكتيك مرحلي للانقضاض على الشارع ومن ثم تقويض أركان الحكم القائم بمختلف مؤسساته الدستورية والمدنية لإخلاء السبيل أمام حكم ثيوقراطي يستجيب لأحلام عمائم رؤوس «الوفاق».
هذه الشعارات التي كان بعضها مستوردًا من موجة ما سمي بالربيع العربي وبعضها الآخر شحن مع سيئ الصيت حسن مشيمع بعد لقائه مع الأسوأ حسن نصر الله، كانت في الأصل تنم عن ضعف صلة من طرحها بالتطور السياسي للمجتمع البحريني، وبالكيان السياسي الوحدوي الناشئ والمتمثل في مجلس التعاون الخليجي، فطرح مثل تلك الشعارات -فضلا عن بعده التكتيكي- كان تعبيرًا سياسويًا عن رفض موجه لهذا الكيان الناحت للشخصية الخليجية العربية، وتجسيدًا حيًا لاستجابة ذلك الحراك المشبوه لأجندات تخشى قيام الكيان الخليجي الموحد.

المهم أن إقرار الأمين العام بانتهاء صلاحية الحكومة المنتخبة، كواحد من هذه الشعارات، جاء متأخرًا. كما أنه يعد إقرارًا من تحصيل الحاصل، ولا يرقى إلى ما يتوق إليه المواطن من خطوات تصحيحية في علاقة هذه الجمعية بالدولة. كل ما نرجوه أن يعلن عن هذه الخطوات في مؤتمر الجمعية القادم الذي حدد تاريخه السيد رضي الموسوي في اللقاء الصحفي المذكور. هذا إذا كان الهاجس الرئيس لدى الجمعية «استعادة الثقة» كما قال السيد رضي الموسوي: «فاستعادة الثقة تبنى من خلال مد الجسور، ونحن نريد مد الجسور، مع كل مكونات المجتمع وفي مقدمتها الجانب الرسمي المعني وصاحب القرار».

أكثر من ست مرات سأل الصحفي المحاور واستوضح عن شعار الحكومة المنتخبة ولكن في كل مرة تأتيه الإجابة أو التوضيح مغايرين للإجابة التي قبلها. فمثلا يسأل الصحفي المحاور الأمين العام هذا السؤال: «هل تخليتم عن مطلب الحكومة المنتخبة؟» هل تم إلغاؤه من قاموسكم؟ أم تلجأون لتكتيكات؟ فكانت الإجابة على هذا النحو: الحكومة المنتخبة لا مكان لها اليوم، ليس لها وجود ولا نريدها اليوم. وبعد هذا السؤال مباشرة يستوضح الصحفي المحاور: «لكن تريدونها غدا؟» فتأتيك الإجابة المائعة التي لا تحترم ذكاء القارئ، ويقول الأمين العام في ذلك كثير من الكلام الفلسفي الذي لا يؤكد أبدا إجابته السابقة عن السؤال السابق. وفي هذا نوع من الضبابية التي لا تخرج عن أحد أمرين: فهي إما أن تكون عنوان تخبط سياسي أضاع معه الأمين بوصلة قراره السياسي ورؤيته للمجتمع الذي يريد، أو أن تكون عنوان مناورة جديدة تعوم الخطاب وتعممه ليحمل على وجوه كثيرة رغم تناقضها.

لندع الحكومة المنتخبة جانبًا، فليس شعار الحكومة المنتخبة الذي لم يكن مفاجئا أو مقنعا فحسب، وإنما هناك أمور كثيرة مثارة في المقابلة، منها ما يحيلك إلى أن أمين عام الجمعية، أو الجمعية ذاتها لا تعيش حرارة الواقع، وجمره أحيانا، فلهذا لا تقدر، بحق حجمها الطبيعي في الوسط السياسي، ناهيك عن الاجتماعي. ففي هذا الصدد يقول السيد الموسوي: أهل المحرق لا ينبذون «وعد» فـ «وعد» امتدادها عبدالناصر وأهل المحرق من استقبلوا عبد الناصر حين مر عبر البحرين في العام 1955…«فما العلاقة يا ترى بين عبدالناصر وجمعية «وعد»؟ وما علاقة عبد الناصر بأحداث 2011 في البحرين؟ هذا حتى إذا سلمنا أن الهوى السياسي في المحرق ما يزال متوقفا عند نقطته التاريخية في عام 1955، فهذا العام حالة تاريخية تبخرت وأصبحت ذكرى في دفتر التاريخ. كلام عاطفي لا ينطلي على أحد في المحرق التي وقفت بقضها وقضيضها ضد أهل الدوار. باستثناء أعضاء الجمعية، وليس جميعهم على ما ذكر.

نقطة ثالثة أخيرة وأكتفي، وتتعلق بمسألة موقف جمعية «وعد» من السلطة الدينية، وما يتعلق بالخمس التي هي كما قال الموسوي «العمود الفقري للمذهب الشيعي..» ولأن معرفتنا في هذا الجانب محدودة جدا سأترك الجدال فيها رغم علمي المتواضع بأن عمود العقيدة في المذهب الشيعي لا يرتكز على الخمس وأن في وسمه بالعمود الفقري مبالغة مقصودة، وأذهب إلى مسألة التنظيم المتعلقة بالخمس التي أشار إليها الصحفي المحاور. الحقيقة لا أعرف لماذا اختصر الأمين العام موقف الجمعية من السلطة الدينية في علاقة الجمعية بقانون الأحوال الشخصية، وبشر أنه في ذلك «يتفق مع الجانب الرسمي في الخطوط العامة». أما بشأن الخمس، فإنه سارع بالقول «إنها العمود الفقري، وهذا مس بالعقيدة، وموقفنا هو المطالبة بعدم المساس بالعقائد، وبالتالي من يمس عناصر في العقيدة ستجدني ضده انطلاقا من إيماني بحرية العقيدة».

مثل هذه الإجابة على هكذا سؤال تحيلك مباشرة إلى الاعتقاد أن المحاور يتحرى قدر الإمكان عدم إغضاب رجال الدين، حتى لو أدى ذلك إلى معارضة الحكومة في إجراءاتها التنظيمية بشأن جمع الخمس، وفي هذا السياق يكون رجل الدين هو عيسى قاسم تحديدا، فهو من له الحظوة والهيمنة على كل التنظيمات الراديكالية التي استجمعت ذات خريف عربي قواها ووقفت على منصة العار تحت شعار «باقون حتى يسقط النظام»، ومنها جمعية «وعد». لكن الأمين العام أبى الحديث عن الخمس بالهروب من السؤال.

أ فليس لقارئ المقابلة الصحفية محل التناول أن تتعزز لديه قناعة أن رجال الدين يسيرون الجمعيات السياسية الراديكالية عن بكرة أبيها وفق أهوائهم؟ والسؤال مرجوع إلى السيد الأمين العام مع جملة من الأسئلة التي وردت في المقابلة ولم يتسنَّ للقارئ الحصول على إجابات لها مقنعة، ونرجو أن يكون صادقًا في الإجابة عنها، أو يحيلها إلى مؤتمر جمعيته العام إذا تعذر عليه ذلك.

نقلاً عن صحيفة الأيام البحرينية