فصل الدين عن السياسة واستقرار المجتمع/ فهد المضحكي

2683
اذا ما اردنا الاصلاح الجذري للمؤسسة الدينية والتعليم ومحاربة الطائفية والارهاب لابد لنا من فصل الدين عن السياسة، وهي مهمة تمثل الحرص على استقرار المجتمع.
فصل الدين عن السياسة لا يعنى التقليل من شأن الدين، او الغاء دوره في المجتمع والحياة، ولا يعد تطاولاً على توجهاته المختلفة، بل يعني الحفاظ عليه من الاستغلال والتسيس بغرض المصالح السياسية والعقائدية التي دأبت على ارتكاب الفظائع باسم الدين، وهو الموقف النابع من تكفير الآخر وفرض الوصاية على المجتمع كما يفعل الاسلام السياسي!
كتب الدكتور اسعد عبدالرحمن ان تسيس الدين الاسلامي يقود حتما الى دولة الكهنوت علماً بان الكهنوت ودولتهم محرمان بالاسلام تحريماً مطلقاً. ومهما كان شكلها، دولة او خلافة او جمهورية اسلامية، ستكون دولة متطرفة فاشية. فليس هناك تسيس اسلامي معتدل وآخر متطرف وكلاهما تدينان من صنع أيدٍ بشرية خاطئة فانية لم يقل بها الدين الاسلامي وبالذات القرآن الذي اوصى الرسول (ص): «لست بكاهن» «ولست بمسيطر» «ولست بوكيل».
ويعنى ذلك ان «دولة الكهنوت» اي النظام الثيوقراطي، وهو الدولة الدينية التي تمنح صكوك الغفران للبعض وتكفر البعض الآخر قبل «يوم الساعة» حيث الحكم لله وحده.
واذا كانت الدعوة ــ ولاتزال ــ الى فصل الدين عن السياسة الاكثر الحاجاً وذلك لتجاوز اشكالية تسيس الدين وتحرير المقدس من قبضة رجال الدين وعلى وجه التحديد اولئك الذين تشابكت مصالحهم السياسية والشخصية مع تسيس المؤسسة الدينية التي تمثل في نظر الاسلام السياسي ايديولوجيا سياسية، فان مكافحة الارهاب تبدأ من فصل الدين عن السياسة وهو ما يتوافق مع ضرورة الحفاظ على الدين من توظيفه لخدمة اهداف وتوجهات الجماعات الدينية الاصولية بكافة اشكالها والوانها!
ومن هنا تأتي اهمية القانون البحريني الذي يمنع الجمع ما بين العمل السياسي والديني وهو ما يفسر لماذا تم تعديل مادة من مواد قانون الجمعيات السياسية بنص «الا يجمع العضو بين الانتماء للجمعية واعتلاء المنبر الديني او الاشتغال بالوعظ والارشاد والخطابة ولو من دون آجر، وفي جميع الاحوال لا يجوز الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي».
وتأتي هذه الخطوة ــ وهي محط تقدير ــ حفاظاً على الدين من السياسة من خلال منع اقحام المنابر الدينية في المجال السياسي!
يقول عضو مجمع البحوث الاسلامية التابع للازهر عبدالله النجار: «لا سياسة في الدين» و«يجب الا يتخذ دين الله هزوا للوصول الى المآرب السياسية، ولا نعمل في السياسة مستغلين الدين» ودلل على حديثه بالقول «خلط الدين بالسياسة مخالف لشرع الله لان المصالح العامة منوطة بالكفاية» مضيفاً «نريد ان ننزه الدين من ان يتخذ مطية للسياسة او تتخذ السياسة للدين» واضاف «عبارة لا دين في السياسة صحيحة لان السياسة متغيرة ودين الله غير متغير، فلا نتخذ الدين وسيلة للوصول للشهوات السياسية» (المصدر العرب 2/3/2015).
وفي نظر رجل الدين المستنير محمد شحرور ان التلاحم بين السلطة الدينية والسلطة السياسية في البلاد العربية والاسلامية ادى الى ظهور حركات سياسية تستخدم الدين، حركات سياسية بايديولوجية اسلامية الا انها بعيدة في الوقت نفسه عن السلطة الدينية الرسمية المتلاحمة اساساً مع السلطة السياسية، ومن هنا نلاحظ ان معظم الحركات الاصولية السياسية ان لم نقل كلها تناضل على جبهتين جبهة السلطة السياسية وجبهة السلطة الدينية المتفقة معها ومثال ذلك حركة الاخوان المسلمين!
ان تفعيل منع الجمع بين العمل السياسي والديني في البحرين وقبلها المغرب يجد من خطورة الارهاب وهو ما يتقاطع مع الاستراتيجية الدولية لمكافحة الارهاب وتعديل العلاقة بين النشاط السياسي والديني.
واذا كان التحدي الاكبر في البلاد العربية والاسلامية هو الارهاب فانه من الصعوبة بمكان محاربته وتطوير العملية الديمقراطية من دون التصدي لاشكالية تسيس الدين التي غالباً ما تنتهي الى نزاعات وصراعات داخلية والى تدخلات خارجية فعلى سبيل المثال التداخلات الايرانية في الشؤون الداخلية للبحرين ودول الخليج دفاعاً عن المذهبية والعقيدة الدينية التي تتبنى النشاط الديني السياسي الحزبي وعن اجندة لها علاقة بالطائفية ومصالح اقليمية!!
وهو ما ينطبق ايضاً على الاسلام السياسي السني الذي انخرط في ممارسة العنف والارهاب ضد الدولة والمجتمع في دول (الربيع العربي).
مرة اخرى، ان الاصلاح الديني لا يتم بمعزل عن فصل الدين عن السياسة، ولا عن اصلاح المناهج التعليمية والتصدي للمنابر الدينية التي تفكر وتخون الآخر، وان التمسك بالدولة والمجتمع المدني الديمقراطي الذي يؤكد حق المواطنة لجميع المواطنين والمساواة التامة بينهم يقود الى ذات الهدف. وفي مقابل ذلك ان استقرار الدولة المدنية لا يتحقق فقط بتوفير الحقوق واحترام القيم الديمقراطية، بل بانتهاج سياسات واضحة وصارمة ضد العنف والارهاب، ولا يمكن تجاهل فصل الدين عن السياسة لاعتباره اساساً لتقدم المجتمع على قاعدة التنمية والحداثة والتحديث والمساواة.