سليماني.. المستشار أم الوصي؟/رشيد الخيُّون

في بيت مشهور للشيخ محمد باقر الشبيبي (ت 1960) يقول: «المستشار هو الذي شِرب الطِّلاءَ/ فعلامَ يا هذا الوزير تُعربدُ؟»، وذلك من قصيدة ألقاها احتفاءً بالأميركي «مستر جارلس كراين»، بمناسبة زيارته بغداد عام 1929. وكان كراين عضواً في اللجنة الأميركية (1919) لاستطلاع رأي شعوب المنطقة بتقرير المصير، بعد انهيار الدولة العثمانية، وحينها ظهرت أميركا بمظهر الداعم للشعوب ضد السيطرة الأجنبية، قياساً بالبلدان الأوروبية وعلاقتها بالشرق. أُقيم للضيف الأميركي حفل في فندق كارلتون ببغداد (الهلالي، الشَّاعر الثَّائر الشَّيخ محمد باقر الشَّبيبي 1965)، وكان حينها على رأس كل وزارة عراقية مستشار بريطاني، بيده الحل والربط.

2750

وبالمعنى المذكور يأتي عمل الجنرال قاسم سليماني مستشاراً للحكومة العراقية، فقد صرح وزير الخارجية أن سليماني يعمل مستشاراً لديهم، وصرح قائد «الحشد الشعبي» أنه يعمل مقابل راتب.. ولا ضير في هذا، إذ من المألوف أن تتعاقد الحكومات مع مستشارين أجانب. غير أن استشارة سليماني ليست استشارة المتعاقد المُقيد بوظيفته، إنما له الكلمة الفصل في أحوال العراق، شأنه أكثر من شأن المستشارين البريطانيين الذين إذا شربوا الطِّلاءَ سكر الوزراء، ووصف الشاعر للعلاقة بين المستشار والوزير آنذاك كان دقيقاً.

يوهمنا مَن أعلن أن قاسم سليماني مجرد مستشار ببغداد، بعقد عمل لا أكثر. أقول: وأي قائد عسكري أو أمني مستمر في الخدمة يقبل، أو يُقبل له، أن يعمل مستشاراً لدى دولة أجنبية؟! وكيف إذا كان قائد «فيلق القدس»، ومسؤول حركات التحرر في مكتب الولي الفقيه؟! وأكثر المسؤولين الفاعلين الآن بالعراق كانوا من جنوده!

قبل ست سنوات قال مستشار الأمن القومي العراقي السابق في سليماني: «الواضح أنه يمسك بالملف العراقي، وأعتقد أن رتبته حسب ما أذكر هي لواء في الحرس الثوري في مقر (فيلق القدس) المعني بحركات التحرر في العالم، وسليماني هو المسؤول عن الملف العراقي، وأعتقد أن له القول الفصل في ذلك» (مقابلة في «الشرق الأوسط» 30/6/2010). كان ذلك قبل تأسيس «الحشد الشعبي»، وقبل ظهور شيء اسمه «داعش»، كي يُربط بهما الإفصاح عن استشارة سليماني. وهل يرضى مثل قاسم سليماني أن يكون مستشاراً لأحدهم، وكان وما زال الآمر الناهي في شأن العِراق؟!

لا يرضى سليماني بالاستشارة إلا إذا كانت عنوان تمويه لسلطة عظمى، مثل التي كانت لدى شيخ المعتزلة ثمامة بن أشرس (نحو 213هـ)، لما أراده عبدالله المأمون (ت 218هـ) وزيراً، فأجابه بالقول: «يا أمير المؤمنين: إني لا أقوم بذلك، وأحرى أن أضن بوضعي من أمير المؤمنين، وحالي أن تزول عنده، فإني لم أرَ أحداً تَعرض للخدمة والوزارة إلا لم يكن لتسلم حاله، ولا تدوم منزلته» (ابن طيفور، كتاب بغداد). ولما سأله الوزير (عينه ثمامة نفسه) عن معنى وجوده في دار الخلافة، وهو بلا وظيفة بائنة، رد عليه ثُمامة قائلاً: «إن معناي في الدار والحاجة إليّ بائنة. فقال: وما تصلح له؟ قال: أشاور في مثلك هل تصلح لموضعك أم لا تصلح. قال: فأُفحم وما ردَّ عليه بجواب» (نفسه).

لا يرضى سليماني إلا أن يكون هو المندوب السامي مموهاً بوظيفة مستشار، فبحدود (1922) فكرت بريطانيا أن تجعل الشيخ محمود الحفيد (ت 1956) حاكماً مُقيداً على كردستان: «إنك ستكون حاكماً في كردستان، لكن بشرط أن تأخذ رأي المندوب السامي البريطاني في المنطقة، بكبائر الأمور وصغائرها. فقال لهم: هل من الممكن أن يكون هو حاكماً وأنا مندوباً سامياً؟»(مقابلة مع إبراهيم أحمد، مجلة النُّور الإسلامية 11/1994).

هكذا تكون استشارة سليماني آمراً ناهياً، مندوباً سامياً، على ما تمناه الشيخ الحفيد ولم يحظ به، ومستشاراً مثلما كان ابن أشرس. بهذه القوة أُبلغ أحمد الجلبي (ت 2015) أنه لن يتولى رئاسة الوزارة (2005)، هذا ما سمعته من الجلبي وسمعه غيري من الحضور (رمضان 2006)، قال: «اتصل بي سفير إيران (قمي) وأبلغني بذلك». إنه ليس تدخل سفير إنما إدارة الدولة، ونتحدى أي مسؤول من الإسلاميين وغير الإسلاميين، من الشيعة والسنّة والكُرد، أن يعمل خلاف توجيهات المستشار سليماني، وسفير الولي الفقيه. وعليه سيتحمل العراق، بشراً وثروةً، كلّ خلافات إيران وطموحاتها الثورية الدينية.

نعود إلى قصيدة الشبيبي، وشكواه لمستر «كراين»، وما يعلنه المسؤولون العراقيون من أن العراق في حلف مع إيران، بما يسمونه «دول الممانعة»، وأي ممانعة وبغداد مهتوكة الحُرمات! «قالوا التحالف، قُلتُ مرحى إنه/ حقٌ إذا صدق الحليف مؤيدُ/ فالحلفُ بين حكومة وحكومة/ معناه كلّ منهما هو سيدُ»! إنه واقع الحال، ولا يطول بنا التوهم، فمنزل سليماني ومكتبه ببغداد للوصاية لا الاستشارة.

نقلا عن العربیه