التواجد السعودي في تايلاند ضرورة مُلحَّة/ عبداالله المدني

لا نريد بهذا المقال أن نتدخل في العلاقات الخارجية للمملكة العربية السعودية الشقيقة، ولا أن نلقي بنصائح أو ندبج الاقتراحات حول ما يجب وما لا يجب عمله، فأهل مكة أدرى بشعابها كما يقولون، لكننا نلتقط خيطا من مقال كتبه الزميل حسين شبكشي في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 5/‏‏9/‏‏2016 لنقول إنه آن الأوان لكي تطوي المملكة الشقيقة ملف علاقاتها المتوترة مع تايلاند منذ الثمانينات وتعيدها إلى ما كانت عليه في الماضي، حينما كانت المملكة قبلة للبضائع والعمالة التايلاندية الماهرة فيما كانت تايلاند قبلة لجحافل السياح ورجال الأعمال السعوديين، خصوصًا في هذا المنعطف الذي تحاول فيه الرياض الانفتاح على دول الشرق الأقصى في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة كجزء من «رؤية السعودية 2030» التي يقودها الأمير الشاب محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد ووزير الدفاع.

2802

تحتفظ السعودية وكذا شقيقاتها الخليجيات بعلاقات وثيقة ومتميزة مع معظم دول منظومة آسيان الجنوب شرق آسيوية بدءًا بأندونيسيا صاحبة أكبر تكتل بشري مسلم في العالم، وانتهاء بفيتنام التي كانت إلى وقت قريب دولة شيوعية راديكالية يستوجب الحذر منها، ومرورًا بالفلبين التي تستضيف السعودية أكثر من 800 ألف من أبنائها كعمال مهرة وخدم منازل وممرضين وممرضات، ومرورًا أيضا بماليزيا الدولة الإسلامية الناهضة التي تتزايد أعداد السياح والطلبة السعوديين الراحلين إليها من أجل المشاريع الاستثمارية والسياحة العائلية والعلم النافع. لكن تايلاند وحدها ظلت على مدى السنوات الماضية بعيدة عن استفادة السعودية من إمكانياتها الكبيرة، على الرغم مما تتميز به من نظام اقتصادي حر ونظام سياسي ملكي مستقر، دعك من تحولها إلى دولة صاعدة تموج بالفرص الاقتصادية والصناعية المجزية ومركز عالمي للعلاج والاستشفاء من أمراض العصر وقبلة للاستثمارات الأجنبية.

تكرر الرياض في كل مناسبة على لسان صانعي سياساتها الخارجية، وعلى رأسهم وزير خارجيتها القدير الأستاذ عادل الجبير أنها منفتحة على طهران وترغب في إقامة أفضل العلاقات معها شريطة أن تكف عن دس أنفها في الشؤون الداخلية السعودية والخليجية والعربية.
فإذا ما أخذنا هذا في الاعتبار وأضفنا إليه الانفتاح السعودي المتنامي على الصين من بعد قطيعة طويلة بسبب سياساتها مؤسسها الراحل ماو تسي تونغ الراديكالية، والانفتاح السعودي المتعاظم على القوة الهندية الصاعدة من بعد تجاهل طويل بسبب أمور ذات صلة بالعداء الهندي الباكستاني والتحالف الهندي السوفيتي، فإنه من باب أولى إنهاء القطيعة الطويلة مع تايلاند التي لم تتدخل قط في الشؤون الداخلية السعودية والخليجية والعربية، وليست لها توجهات راديكالية أو أطماع في مياهنا وأراضينا على نحو ما فعله ويفعله نظام الملالي الكئيب في طهران منذ ظهوره المشؤوم في عام 1979.

فالجانب التايلاندي كما سمعت من بعض مسؤوليه وسفرائه مستعد لرد التحية بأحسن منها تجاه السعودية وطي صفحة الماضي دون أي اشتراطات.
ولا ننسى هنا التذكير بأن ترك الساحة التايلاندية دون تواجد سعودي قوي وفعّال سوف يكون بمثابة هدية مجانية لنظام طهران المشاغب كي يسرح ويمرح فيها على هواه. بل أن هذا النظام قام بالفعل خلال السنوات الماضية بتعزيز حضوره على التراب التايلاندي، تشييعًا لسكانها المسلمين والبوذيين، وبناء للحسينيات والمآتم والمراكز الثقافية الطائفية، وتجنيدًا لبعض التايلانديين الفقراء للانخراط في حروبه القذرة في الشرق الأوسط، وتوزيعًا لكراريس ومطويات دعائية هدفها غسل أدمغة النشء التايلاندي الجديد.

وفي اعتقادي المتواضع انه حري بالدبلوماسية السعودية الحكيمة، التي انتقلت مؤخرًا من وضع الدفاع إلى تسديد اللكمات المتتالية للنظام الايراني الأرعن بغرض فضحه ومواجهة ألاعيبه وسياساته التخريبية، أن تولي قدرًا أكبر من الاهتمام بملكية آسيوية عريقة مثل تايلاند، خصوصًا وأنها دولة مركزية مؤسسة لتكل آسيان ويتركز فيها الكثير من صناعات وتكنولوجيات الشرق والغرب بسبب مزاياها النسبية