قدّم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تقييمًا للحالة الإيرانية في ريف حلب الجنوبي، راسمًا السيناريوهات المتوقعة للمعارك هناك، في ضوء الأهمية التي يكتسبها هذا الريف في المخطط الإيراني لسوريا.
إيلاف من دبي: حين أعلن النظام السوري قطع طريق الكاستيلو في حلب بالنار، مطبقًا الطوق على الأحياء الجنوبية من حلب، ليحاصر فيها نحو 400 ألف مدني، وقوة من فصائل الجيش السوري الحر المنتشرة هناك، كانت فرحة الإيرانيين ووكيلهم حزب الله اللبناني مختلفة، إذ ظنوا أن نهاية الثورة السورية قد دنت، تأسيسًا على ما قاله صلاح الدين الأيوبي يومًا: “من يسيطر على حلب يسيطر على بلاد الشام كلها”. لكن، هل يريد الإيرانيون فعلًا السيطرة على بلاد الشام كلها، من بوابة حلب؟ وما هي أهمية ريف حلب الجنوبي، مسرح الحوادث الأخيرة حتى المعركة الأخيرة، وفك الحصار وتوسع الثوار السوريين في مناطق استراتيجية في حلب، بالنسبة إلى إيران.
بحثًا في هذا الشأن، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على موقعه الإلكتروني تقييمًا للحالة عنوانه: “ريف حلب الجنوبي في الاستراتيجية الإيرانية”.
وبحسب الدراسة، تكمن أهمية جبهة ريف حلب الجنوبي في أنها نقطة ارتكاز عسكرية مهمة تتيح للمسيطر عليها تحقيق غايات عسكرية عدة، تساعد في تحسين شروطه السياسية والعسكرية؛ إذ يطمح حلفاء النظام بمحاولاتهم الهجومية المتكررة على أوتوستراد حلب – إدلب في قطع طرق الإمداد بين مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الغربي ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها المعارضة، إضافة إلى فك الحصار عن بلدتي كفرية والفوعة المواليتين وذات الأغلبية الشيعية.
استنزاف إيراني
تستميت الميليشيات الإيرانية، بمساندة الطيران الروسي، لإحكام السيطرة على تلة العيس الإستراتيجية في ريف حلب الجنوبي، الأمر الذي يسهل عليها تجميد خطوط الجبهات المحيطة بالتلة عبر استهدافها بشكل دوري من قمة التلة. وقبل التبدلات الأخيرة، كانت المعارضة تسعى إلى تأمين طريق حلب – إدلب كهدفٍ أساس، ثم التوجه نحو جبل الأربعين ومنه إلى السفيرة، والتضييق على النظام في حلب ومؤازرة قوات المعارضة بشكل غير مباشر في المدينة، ومنع مساعي قوات النظام والميليشيات المساندة له من الوصول إلى محافظة إدلب التي تعتبر ثقل المعارضة العسكرية في الشمال السوري.
وبحسب الدراسة، تعدّ حلب عمومًا، وريفها الجنوبي خصوصًا، من أهم الأهداف العسكرية لإيران، فإعادة السيطرة وبسط النفوذ عليها ستعظم مواقع النفوذ الإيرانية في الشمال السوري على حساب الفاعلين الإقليميين الداعمين لقوى المعارضة (تركيا خصوصًا). لذلك، اندفعت إيران إلى فتح معارك ريف حلب الجنوبي في أكتوبر 2015، مستفيدة من زخم حققه التدخل العسكري الروسي المباشر بهدف التقدم باتجاه ريفي حلب الجنوبي والشرقي وفك الحصار عن مطار كويرس العسكري، وإشغال الثوار جنوب حلب بهدف الوصول إلى بلدتي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي، وهو ما حصل لاحقًا، حيث تمكنت إيران وميليشياتها بدعم جوي روسي كثيف من الوصول إلى نبل والزهراء وفك الحصار عنهما.
قفزة الضفدع
حاول النظام السوري تأمين خطوط دفاعية جديدة في ريف حلب الجنوبي بحشد قوة عسكرية كبيرة للحفاظ على طريقه إلى ريفي حلب الشرقي والشمالي، لكن الثوار استطاعوا مرات عدة التقدم في تلة العيس وخان طومان والبلدات والقرى الموجودة في الريف الجنوبي.
في 30 سبتمبر 2015، أعلنت روسيا بدء حملتها العسكرية في سوريا، واتسم تدخلها في بادئ الأمر بالعشوائية، واستهدفت الطائرات الروسية جبهات كثيرة من دون أن يتغيّر الوضع الميداني. بقي الأمر على ما هو عليه حتى منتصف أكتوبر 2015، أي حتى إرسال إيران 5000 آلاف مقاتل من الحرس ثوري والميلشيات الشيعية للمشاركة بمعارك ريف حلب الشمالي.
تقول الدراسة إن المخطط، الذي شبهه قادة إيرانيون بـ “قفزة الضفدع”، قام على ثلاث مراحل: الأولى، تستهدف التقدم من ثلاثة محاور: من بلدة تل شعيب إلى الوضيحي إلى الحاضر، وصولًا إلى العيس ثم إلى برنة وزيتان؛ ومن تل عزان إلى عبطين؛ ومن خان طومان إلى الزربة الإستراتيجية، ثم إلى الطريق العام، وهذا يعني استكمال ربط الريف الجنوبي الغربي بمدينة حلب، وتأمين بلداته على نحو كامل، وتأمين الوصول إلى الطريق العام الذي يربط حلب بسراقب .
تعثرت المرحلة الثانية بسبب عدم التمكن من تحصين إنجازات القوات الموالية للنظام، وكانت تستهدف التوجه إلى مدينة سراقب وقطع طرق إمداد فصائل المعارضة المسلحة، وجعلها جزرًا معزولة، ما يسمح بفصل ريف حلب الجنوبي عن ريف إدلب الشرقي، وفصل ريف حلب الجنوبي عن ريف حماة الشمالي التي تشكل عقدة تواصل مهمة كونها تربط عددًا من المدن الرئيسة والبلدات بعضها ببعض. فطريق حلب حماة حمص دمشق يمر من خلال هذه المدينة. كما تشرف مدينة سراقب أيضًا على الكثير من البلدات المهمة في ريف إدلب كأريحا وجبل الأربعين والمسطومة ومعرة النعمان ووادي الضيف.
أذيال الخيبة
كان هذا الأمر سيساعد على الانتقال إلى المرحلة الثالثة التي كانت مرشحة أن تتم باتجاه من اثنين: معرة النعمان ومن ثمّ خان شيخون ومورك في ريف حماة الشمالي، لفتح الطريق العام بين حماة وحلب على نحو كامل، غربًا لفك الحصار عن كفريا والفوعة ومحاصرة إدلب، وتقطيع أوصال فصائل المعارضة المسلحة.
لكن تجري الرياح الإيرانية بما لا تشتهي السفن. ففي مطلع أبريل 2016، تمكنت قوى المعارضة من السيطرة على تلة العيس، ما استدعى ارسال إيران كتائب من فرقة 65 للمهمات الخاصة محاولة استرجاعها. وفي مايو 2016، تمكن مقاتلو غرفة عمليات جيش الفتح وقوات المعارضة الأخرى من السيطرة على بلدة الخالدية وتلال خان طومان، ما سهل لهم السيطرة على خان طومان بالكامل. واستطاعت غرفة عمليات جيش الفتح في الأسبوع الأول من يونيو 2016 فرض سيطرتها على مواقع مهمة عدة، كان أبرزها بلدات القراصي وزيتان وبرنة، وتحول بعد ذلك تركيز قوات المعارضة نحو بلدتي السد والحاضر الإستراتيجيتين.
تقول الدراسة إن سير المعارك في هذه الجبهة دلّ على أمرين: الأول، عدم قدرة قوات المشاة التابعة لإيران على حفظ المناطق التي تسيطر عليها في ريف حلب الجنوبي بسبب امتناع روسيا أحيانًا عن توفير التغطية الجوية الكافية المساندة لعمليات التقدم؛ ويعود الثاني إلى حجم الاستنزاف البشري، ورجحان كفة أبناء المنطقة العارفين بتضاريسها ومداخلها ومخارجها.
نهج متوقع
بما أنه لا يمكن عزل السلوك العسكري الإيراني في المشهد السوري عن طبيعة التحركات الإقليمية والدولية، يتوقع مؤلفو الدراسة أن يكون السلوك الإيراني الآتي وفق أحد سيناريوهين:
السيناريو الأول: إعادة التموضع والانتشار، اعتمادًا على التفاهم الروسي الأميركي المرتقب حول الرؤية المشتركة لإدارة الحل السياسي في سوريا، وما يستلزمه من أدوات عسكرية تطوّع بها طرفا النزاع، عاملًا يعزز عدم تعويل المجتمع الدولي على حلٍ سياسي عبر التفاوض، الأمر الذي يؤثر على مساعي السيطرة على المنطقة وكيفية توظيفها، من أجل تسجيل نقاط في العملية التفاوضية لمصلحة هدفين عسكريين، هما، أولًا، إعادة الانتشار وتعزيز الخطوط الخلفية مع تثبيت خطوط الاشتباك قدر الإمكان. وفي هذا السياق، يرجح قيام حزب الله اللبناني بإعادة انتشاره في سوريا، وسحب أجزاء من قواته من حلب وأريافها، ومناطق لم يعد يعتبرها أساسية أو تشكل السبب الرئيس لوجوده العسكري هناك، وثانيًا، استعداد القوات الإيرانية لملء الفراغ المحتمل جراء عمليات التنسيق العسكري الروسي الأميركي بخصوص ضرب جبهة النصرة.
السيناريو الثاني: العودة الى استراتيجية القفزات، مع الاصرار الإيراني على عدم إعادة دراسة خيارات دعم الأسد، لأن هذه المقاربة لا تصمد أمام الضرورات المتعلقة بالحفاظ على المشروع الإيراني، حيث لا تزال النخب الحاكمة الإيرانية تعتقد أن سوريا عامة، وحلب خاصة، خط دفاع أول عن طهران. وبالتالي، ستستمر إيران في تقديم الدعم للميليشيات في ريف حلب الجنوبي على الصعيدين البشري والعسكري، وتقديم رسائل إعلامية للداخل الإيراني تخفف من الضغط الذي ولدته معركة ريف حلب الجنوبي في الإعلام، بعد تكبدها 280 قتيلًا من القادة وأصحاب الرتب العسكرية، لكنها ستدفع النظام وميليشياته المحلية إلى خرق الهدنة في جيوب استراتيجية لتزيد الضغط على المعارضة، كما حاولت في منطقة الكاستيلو. فما سيتغير اليوم بعد أن قلبت المعارضة السورية المسلحة طاولة حلب في خمسة ايام؟
نقلاعن ایلاف