تعد الدراسة «الرأي العام والديمقراطية» من الدراسات المتميزة التي قامت بها وحدة استطلاع الرأي التابعة للمركز العربي للابحاث ودراسة السياسات في قطر والمتخصصة ـ كما تشير الدورية سياسات عربية 2014 ـ في اجراء المسوحات الاجتماعية واستطلاع الرأي في المنطقة العربية، وتقوم باجراء المؤشر العربي.
في هذه الدراسة الاستطلاعية وغيرها من الدراسات التي تناولت هذا الموضوع ثمة وجهات نظر ورؤى قد تختلف معها حول محاور وتفاصيل سياسية كبيرة وتتفق حول اخرى الا ان الاهم هنا وهو يصعب الاختلاف حوله محور ومنطلق هذه الدراسة الاستطلاعية وهو التحول الديمقراطي، والتأسيسي للديمقراطية بوصفها ارضية للحكم في دول المنطقة العربية.
وترى الدراسة ان موضوعات الديمقراطية اكثر الموضوعات تداولاً ونقاشاً وبحثاً وهي لا تقل بذلك اهمية عن كلمات اخرى مثل التنمية، والتحول الاقتصادي والاجتماعي، ومعالجة معضلات كثيرة مثل البطالة والفساد.
وأن النقاش المتعلق بالتحول الديمقراطي، وآلياته، ومعوقاته يعد من النقاش الحديث المتجدد نسبياً. ففي عقود الخمسينيات، والستينيات، والسبعينيات، من القرن الماضي كان موضوع الديمقراطية مهمشاً في النقاش العام الذي سيطرت عليه ألفاظ الاستقلال عن الاستعمار، والتنمية المستقلة، والارتفاع بالوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، حتى ان المطالبة بالحرية كانت في مجملها مطالبة بتحرر الشعوب من الاستعمار.
غير ان كلمة الديمقراطية وغيرها من الكلمات المرتبطة بها، منذ بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت متداولة في خطاب المثقفين والنخب والمحللين في المنطقة العربية. بل أصبحت تلك الكلمة تدريجياً جزءاً من الخطاب الرسمي لبعض انظمة الحكم في المنطقة العربية، بغض النظر عن مدى تحقق الديمقراطية أو التسلط بالنسبة الى هذه الانظمة.
هل تشكل خصوصية المجتمع العربي وثقافته عائقاً أمام الانطلاق نحو التحول الديمقراطي، أسوة بمجتمعات اخرى؟
وهل النظام الديمقراطي وثقافة المجتمع العربي يتواءمان؟ ثم هل هذا المجتمع مهيئ للحكم الديمقراطي؟
هذه أبرز الاسئلة ضمن النقاط المثارة في موضوع الديمقراطية.
ثمة صعوبات موضوعية وذاتية أمام الديمقراطية في المنطقة العربية. وهذا لا يعني ان الديمقراطية تصلح لبلدان دون أخرى أو لشعب دون آخر، ولا يعني ايضاً ان الطريق إليها سهل. ومن أجل هذه الغاية قدمت الشعوب تضحيات كبيرة.
وإذا كان اغلبية المستجيبين في جميع البلدان المستطلعة آراء مواطنيها، ان النظام الديمقراطي هو أفضل من غيره من الانظمة، فإن تفضيل المواطنين النظام الديمقراطي كان ــ حسب نتائج الدراسة ــ متفاوتاً من بلد الى آخر؛ فقد أيد ما بين 70، 90 في المئة من مستجيبي لبنان، والاردن، واليمن، والمغرب، والسودان، وتونس، النظام الديمقراطي في حين تراوحت النسبة في كل من العراق، والجزائر، ومصر، وموريتانيا، والسعودية، والمغرب بين 57 في المئة و70 في المئة.
وفي سياق اختبار اتجاهات الرأي العام نحو تأييد الديمقراطية سُئل المستجيبون عن أهمية توافر بعض الحريات في بلدانهم.
وقد طرح هذا السؤال على نحو مرتبط بالحريات والحقوق والمبادئ ضمن ثلاثة محاور هي:
ــ حرية الرأي: تضمَّن هذا المحور السؤال عن حرية الصحافة، وحرية التعبير عن الرأي.
ــ حرية التجمع والتنظيم: تَضمَّن هذا المحور السؤال عن حرية الانضمام الى الأحزاب السياسية، وحرية الانضمام الى منظمات المجتمع المدني، وحرية المشاركة في تظاهرات واعتصامات سلمية.
وهناك أسئلة اخرى عن حرية مقاضاة الحكومة ومؤسساتها، ومبدأ اجراء انتخابات نيابية دورية حرة ونزيهة، واحترام مبدأ تداول السلطة.
وتظهر النتائج أن هناك شبه إجماع لدى الرأي العام في المنطقة العربية على أهمية توافر الحريات؛ فقد عبر اكثر من 90 في المئة عن أهمية توافر حرية الصحافة، وتوافق نحو 88 في المئة على حرية مقاضاة الحكومة ومؤسساتها، وعلى مبدأ إجراء انتخابات نيابية دورية حرَّة ونزيهة. واجمع 87 في المئة على أهمية توافر احترام مبدأ تداول السلطة في بلدانهم. كما عبر نحو 80 في المئة عن أهمية توافر حرية الانتساب الى الاحزاب السياسية في بلدانهم، وحرية الانضمام الى منظمات المجتمع المدني، وحرية المشاركة في تظاهرات واعتصامات سلمية.
اما الذين قالوا ان وجود هذه الحريات والمبادئ في بلدانهم غير مهم، فان نسبتهم محدودة، وهي تتراوح ما بين 4 في المئة و13 في المئة.
في حين تشير النتائج الى ان اكثرية الرأي العام في المنطقة العربية منحازة الى نظام سياسي ديمقراطي؛ اذ ان 71 في المئة من المستجيبين قالوا هذا النظام «ملائم جداً» اضافة الى ان 11 في المئة قالوا ان هذا النظام هو «نظام ملائم الى حد ما». وفي المقابل، قال 8 في المئة من المستجيبين ان النظام الديمقراطي غير ملائم على الإطلاق.
وباختصار فاذا كان الرأي العام في المنطقة العربية منحازاً الى النظام الديمقراطي فان الانحياز هذا وفق ما توصلت إليه الدراسة متعلق بجانب اقتصادي واجتماعي، وآخر مرتبط بتحقيق الامن والاستقرار في حين قدم المواطنون الذين أدلوا بتعريف للديمقراطية، تعريفات ذات دلالة ايجابية تدل على ان البلد الديمقراطي هو البلد الذي يحل مشكلة البطالة، او يضمن حرية الرأي والتعبير، او العدل والمساواة.
ولعل ما يلفت الانتباه ان مجموع الاجابات التي قدمت تعريفات سلبية للديمقراطية، لم تتجاوز 20 اجابة من اصل 16 ألف اجابة؛ ما يعني ان فهم المواطنين للديمقراطية هو فهم إيجابي؛ وهو مؤشر دال على قبولها من الناحية المبدئية.
ومع ذلك فإن الديمقراطية ما لم تحقق أهداف التنمية المستدامة فإن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية يصعب معالجتها.