المفترض لا بل من المؤكد أن الانتخابات النيابية (البرلمانية) الأردنية سوف تجري وتتم في العشرين من سبتمبر (أيلول) المقبل، وأنه ستتبعها في وقت يحدد لاحقًا الانتخابات البلدية وانتخابات اللامركزية. وكل هذا وهناك، إنْ في الداخل وهُمْ قلة غير مؤثرة إطلاقًا لها حساباتها الخاصة، وإنْ في الخارج وهم بالإضافة إلى الدول الاستبدادية المعروفة بعض ما تبقى من شراذم الإخوان المسلمين ومن لفَّ لفهم وبعض التشكيلات الإرهابية كـ«داعش» و«القاعدة»، من يروِّج إلى أنَّ كل هذه الاستحقاقات الديمقراطية لن تتم، لا في القريب العاجل ولا في البعيد الآجل، لأنَّ المنطقة غير مستقرة ولأن الظروف في الأردن المُتأثرة وإلى حدود بعيدة بحالة عدم الاستقرار هذه لن تسمح بأي مغامرة غير محسوبة العواقب في بلد تزنره النيران من كلِّ جانب!!
لقد روَّج كثيرون، وهم ما زالوا يروجون، لاستحالة أنْ تكون هناك انتخابات برلمانية (نيابية) وبلدية و(لامركزية) في فترة واحدة من باقي ما تبقى من هذا العام، عام 2016، وهنا فإن الأمر لا يقتصر على الدول الاستبدادية المجاورة والبعيدة ولا على الإخوان المسلمين ومعهم بعض الأحزاب «المايكروسكوبية» المُفْلسة، وإنما يتعداهم إلى بعض من يعتبرون أنفسهم رجال دولة كبارًا، لم يجُد الزمان بمثلهم لا سابقًا ولا لاحقًا وأنَّ هذا البلد الصغير ولكنه المعطاء لم تنجب نساؤه غيرهم وإنها لن تنجب مثلهم منذ لحظات رؤيتهم لأنوار الدنيا وإلى يوم القيامة.
كان الأردن الدولة المستهدفة التي بقيت مستهدفة منذ إنشائها في بدايات عشرينات القرن الماضي وحتى الآن.. حتى هذه اللحظة قد تعرض في هذه السنة الحالية، التي هي سنة الانتخابات والاستحقاقات الوطنية والديمقراطية، وفي السنة التي سبقتها وأيضًا التي سبقت التي سبقتها إلى الكثير من العمليات الإرهابية التي من بينها عملية إربد الأخيرة وعملية مخيم «الرُّكبان» داخل الأراضي السورية وما بينهما ويقينًا أنه كان واضحًا ومعروفًا للأردنيين ولقيادتهم المتمثلة في الملك عبد الله الثاني ابن الحسين أن الهدف هو تعطيل المسيرة السياسية في الأردن ما دام أن هذا النظام السوري كان قد هدد مرارًا وتكرارًا على مدى الأعوام الخمسة الماضية بأن عدم الاستقرار الذي يضرب سوريا سوف ينتقل إلى الدول المجاورة، وما دام أن المخابرات الأردنية المشهود لها عربيًا ودوليًا بالتفوق وبأرقى أشكال المهنية والحرفية بقيت تقطع الطريق على الإرهابيين الذين بقوا يحاولون اختراق حدود الأردن الشمالية بتكليف من نظام بشار الأسد وأيضًا من نظام الملالي في طهران ومن «حزب الله» اللبناني والكثير من الشراذم الطائفية التابعة لحراس الثورة الإيرانية وللولي الفقيه علي خامنئي.
كان وما زال الإيرانيون، والمقصود هو نظام «آيات الله»!! وليس الشعب الإيراني الشقيق الذي يعاني من ظلم فادح من قبل هذه الطغمة الحاكمة الباغية، ومعهم نظام بشار الأسد و«حزب الله» الذي كان زعيمه حسن نصر الله قد أعلن ومن دون حياءٍ ولا خجلٍ أنه يسعده أن يكون مقاتلاً في فيلق الولي الفقيه، لا يريدون استقرارًا في هذه المنطقة التي تقع في قلبها المملكة الأردنية الهاشمية.. وهكذا فإنهم لجأوا إلى محاولات اختراق حدود الأردن الشمالية في عام الاستحقاقات الوطنية والديمقراطية كي يحولوا دون إجراء هذه الانتخابات التي ستجري كلها في مواعيدها المقررة حتى وإن كانت هناك عمليات إرهابية جديدة، وإن تلقى أصحاب القرار المزيد من التهديد والوعيد الذي سمعوا منه الكثير خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
مِنَ المؤكد أن بعض الأشقاء الأعزاء الذين لا يريدون لهذا البلد، المملكة الأردنية، إلا الخير، والذين كانوا وقفوا معه في السراء والضراء وما زالوا يساندونه ويقفون معه يعرفون أن الأردن قد اختار الخيار الديمقراطي في وقت مبكر جدًا، أي في عام 1956، وأنه أجرى انتخابات برلمانية (نيابية) حرة ونزيهة شاركت فيها كل الأحزاب التي كانت عاملة ومرخصة وتعمل في العلن، ومن بينها بالإضافة إلى الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب، التي لعدم وجود امتدادات تنظيمية خارجية لها كانت تسمى «وطنية»، الحزب الشيوعي وحركة القوميين العرب وحزب البعث الذي لم يكن قد وصل إلى الحكم بعد والذي حصل على حقيبة وزارة الدولة للشؤون الخارجية التي حملها عبد الله الريماوي في ائتلاف حكومي برئاسة زعيم الحزب الوطني الاشتراكي سليمان النابلسي.
بعد فترة قصيرة من تلك التجربة الواعدة المبكرة حاول بعض الضباط الأردنيين، بعثيين وناصريين، القيام بانقلاب عسكري تزعم محاولته الفاشلة قائد الجيش الأردني علي أبو نوار، ويبدو أن هذه المحاولة قد جاءت نتيجة التأثر بالانقلابات العسكرية السورية التي كانت قد اقتربت من الخمسة عشر انقلابًا وبانقلاب الرئيس جمال عبد الناصر في مصر الذي يقال إنه كان قد حال دون انسياق رئيس الوزراء الأردني سليمان النابلسي مع عملية انقلابية كان عرضها عليه عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف اللذان كانا يقودان القوات الأردنية المرابطة في الأردن عام 1956 واللذان كانا يريدان هذه العملية خطوة للانقلاب الدموي الذي نفذاه ضد النظام الملكي في العراق في عام 1958.
والمهم أنَّ تلك المحاولات الانقلابية الفاشلة التي جرت في عام 1957 قد دفعت الملك حسين إلى التراجع تحت وطأة «هدير» الانقلابات العسكرية في مصر وسوريا وفي العراق عن خطوته الديمقراطية، وحيث بقي هذا الوضع قائمًا وبخاصة بعد احتلال الضفة الغربية في عام 1967 وحتى عام 1989 عندما كانت العودة إلى مسيرة عام 1956، وبدأ هذا التحول الذي بعد اثنين وعشرين عامًا غدا خيارًا لا يمكن التراجع عنه مهما تعرضت هذه المنطقة إلى اهتزازات ومهما حدث من كوارث مدمرة في بعض الدول المجاورة.
وهكذا فإنَّ انتخابات العشرين من سبتمبر المقبل سوف تتم في وقتها وكذلك الانتخابات البلدية وانتخابات اللامركزية، ولعل ما عزز هذا القرار الذي اتخذه العاهل الأردني وأصر عليه في ذروة اشتداد الظاهرة الإرهابية هو أن الأردنيين بغالبيتهم ومعهم معظم الأحزاب الأردنية، إنْ ليس كلها، قد اعتبروا أن أهم تحدٍ لـ«داعش» و«القاعدة» هو إجراء كل هذه الانتخابات في أوقاتها وأنَّ أي تراجع سيؤثر على صمود المرابطين على الحدود الشمالية والحدود الشرقية، كما أنه سيؤثر على أداء الأجهزة الأردنية وبخاصة المخابرات العامة التي وفرت للأردنيين إرسال أطفالهم إلى المدارس باطمئنان وأمان ووفرت لهم نومًا هانئًا هادئًا من دون كوابيس ليلية ومن دون أحلام رعبٍ مخيفة.
– See more at: http://elaph.com/Web/NewsPapers/2016/8/1101928.html#sthash.xYHH0BfQ.dpuf