حكاية اليهود في الخليج حكاية يجب أن تروى دون حساسية من أجل التوثيق التاريخي فحسب، خصوصًا وأن بعضهم كان له حضور تجاري وخدماتي واجتماعي وفني / موسيقي في البحرين والكويت تحديدًا. وعلى الرغم من أن اليهود استوطنوا الخليج قديمًا أي منذ ما قبل الإسلام، وحديثًا منذ القرن 19 فإن الكتابة عنهم ظلت قليلة ومبسترة ويغلفها حساسية سببها القضية الفلسطينية، ولكأنما التطرق إليهم والتوثيق لهم هو خيانة لصراعنا الأزلي مع الكيان الصهيوني.
على أنه في السنوات الأخيرة ظهر في الخليج من الكتاب من تجرأ على اقتحام هذا المحظور فأصدر مؤلفات كانت المكتبة العربية بحاجة إليها. من هؤلاء: الشاعر والباحث البحريني علي الجلاوي الذي أصدر في 2008 كتابه الأهم «يهود البحرين، مائة عام من الخفاء»، والباحث والصحافي الكويتي حمزة عليان الذي صدر له في 2012 كتاب «اليهود في الكويت، وقائع وأحداث»، والباحث الكويتي يوسف المطيري الذي أصدر في 2011 كتاب «اليهود في الخليج».
وقد توجت هذه الجهود «نانسي إيلي خضوري» وهي بحرينية الجنسية، بريطانية المولد، يهودية الديانة، وسليلة أسرة تجارية يهودية معروفة في البحرين، وتشغل منصب عضو مجلس الشورى البحريني منذ 2010، بإصدارها كتابًا بالانجليزية تحت عنوان «من بدايتنا إلى يومنا الحاضر» الذي تولى نقله الى العربية الدكتور محمد الخزاعي.
بعد ذلك توالت التحقيقات عن اليهود في الخليج، فمثلاً نشرت مجلة الدراسات العمانية الصادرة عن وزارة التراث والثقافة في عمان في عددها 15 الصادر في 2008 بحثًا تاريخيًا عن تواجد اليهود في السلطنة، وتحديدًا في صحار، منذ العهد النبوي، وذلك بالاستناد على مجموعة من الشواهد والمراجع المكتوبة والمرويات.
فمن الشواهد وجود مقبرة على بعد 2.5 كيلومتر إلى الغرب من صحار يعود تاريخها الى القرن 12 للميلاد وتضم رفات 200 يهودي. ومن المراجع المكتوبة كتاب «تقسيم الإمبراطورية العمانية» للشيخ الدكتور سلطان القاسمي حاكم الشارقة، وكتاب «تحفة الأعيان في سيرة أهل عمان» للإمام السالمي، إضافة إلى ما ذكره الرحالة الانجليزي والملازم الثاني في شركة الهند الشرقية «جيمس ولستد» في كتابه الصادر سنة 1840 والموسوم بـ «السفر إلى مدينة الخلفاء على سواحل الخليج الفارسي والبحر الأبيض المتوسط» من أنه عندما زار صحار في القرن 19 التقى هناك «بعشرين عائلة يهودية كانت تقطن في البلدة، ولها كنيس صغير، ويكسبون رزق عيشهم عن طريق إقراض المال».
أضف إلى ما سبق هناك ما رواه «بزرك بن شهريار» وهو قبطان ورحالة من أهل عربستان في القرن العاشر الميلادي في كتابه «عجائب الهند» عن قصة تاجر ثري يهودي يسكن صحار ويدعى إسحاق، ونتيجة خلافه مع أحد اليهود هاجر الى الهند والصين ومعه 200 دينار، وبعد ثلاثين سنة، عاد من الصين إلى عمان بسفينته المحملة بالمسك والحرير والبورسلين والكثير من التحف والمشغولات الصينية الرائعة، وقد توصل اليهودي إسحاق إلى تفاهم مع حاكم عمان آنذاك «أحمد بن هلال» تضمن أن يدفع للأخير مبلغًا يزيد عن المليون درهم.
ويضيف بزرك قائلاً: «لقد أثارت ثروة إسحاق العظيمة الغيرة حتى وصلت أخبارها إلى أبعد من بغداد، وبناءً على أمر الخليفة العباسي المقتدر سارع أحد العبيد ويدعى (بيبر) على رأس 30 رجلاً إلى اعتقال التاجر، وفور اكتشاف ذلك أغلقت متاجر صحار أبوابها وبدأ التجار العمانيون واليهود والأجانب بتحميل البضائع في السفن وقاموا بإرسال عريضة إلى الخليفة يحذرونه من أنه في حال تم اعتقال إسحاق فإن سفن التجار لن ترسو في صحار وسوف يتم تدمير المدينة على الفور، وما لبث الخليفة إلا أن أمر بإطلاق سراح إسحاق وأعيدت بضاعته إليه وتم تحميلها على متن إحدى السفن الجديدة وأبحر مجددًا إلى الصين بعد أن دفع فدية لبيبر مقدارها 2000 دينار، وعندما وصل هذا التاجر اليهودي إلى تشريفيجايا بالهند اغتيل على يد أحد أمرائها الطامع بثروته التي كانت تقدر بآلاف الدنانير».
في كتابها المشار إليه آنفًا، وأيضا في محاضرة ألقتها عن اليهود في البحرين بجمعية تاريخ وآثار البحرين في ديسمبر 2008، قالت نانسي خضوري إن يهود البحرين نزحوا إليها من مناطق مختلفة على دفعات ابتداءً من عام 1880، لكن أغلبهم كان مهاجرًا من العراق وجنوب إيران، مضيفة أنهم وجدوا في البحرين بلدًا آمنًا ومجتمعًا متسامحًا فاستقروا فيها، وصاروا مواطنين بها، مرتبطين عاطفيًا بأرضها، مندمجين مع مجتمعها، ملتزمين بقوانينها وتقاليدها مع محافظتهم على عقيدتهم الدينية التي لم تكن يومًا محل استنكار أو ازدراء من البحرينيين،
بدليل قبولهم بوجود كنيس يهودي للعبادة (أسسه تاجر اللؤلؤ الفرنسي بيغ سنة 1930 واستمر يعمل حتى 1948 حينما نهبت محتوياته)، ومقبرة لرفات اليهود في وسط المنامة، إضافة إلى مدرستين لتعليم العبرية كانت إحداها داخل الكنيس والأخرى في منزل اليهودي «موشي الأقرع»، ناهيك عن أمر مهم آخر هو قبول البحرينيين بوجود أعضاء يهود في بلدية المنامة التي كانت عضويتها تتم بالانتخاب منذ 1919، هذا علمًا بأن الوثائق البريطانية تقول إن تاريخ اليهود الحديث في البحرين يعود الى 1872، بينما تشير وثيقة أخرى لمندوب بريطانيا المحلي في البحرين الحاج عبدالنبي محمد علي صفر إلى أن وجودهم يرجع الى 1862، مستشهدًا بوجود بقال يهودي آنذاك في المنامة باسم «نسيم اليهودي».
والجدير بالذكر هنا أن مستشار حكومة البحرين سير تشارلز بلغريف كان قد أكد في كتابه «العمود الشخصي» من أنه كانت توجد جالية يهودية بالبحرين في أربعينات القرن الماضي يتراوح عدد أفرادها ما بين 300 إلى 400 شخص يقطنون المنامة وتغلب عليهم طباع المسالمة والهدوء والتقيد بالقانون، وأنه طالتهم أعمال العنف في سنة قيام إسرائيل (1948) فوجدوا المأوى عند جيرانهم من العائلات البحرينية المسلمة (مثل عائلات: أحمد بن حسن إبراهيم، خنجي، قناطي، صلاح الدين والعميد ميرزا علي) لكن معظمهم غادر البحرين بعد ذلك بحرية تامة مصطحبين معهم ممتلكاتهم وأموالهم بعد أن تم إبلاغهم أن من يغادر منهم إلى إسرائيل لن يسمح له بالعودة إلى البحرين.
وفي كتاب نانسي خضوري تحدث «إبراهيم كوهين» وهو أحد الذين قدم الى البحرين في 1946 قائلاً إن معظم اليهود قدموا إلى البحرين من العراق وجنوب إيران، وإن عددهم كان آنذاك حوالي 1300. مما يعني أن عددهم راح يتناقص تدريجيًا. وهذا ما ذهبت إليه خضوري حينما قالت إن معظم افراد الجالية هاجر إلى خارج البحرين، بحيث لم يبقَ فيها اليوم سوى أقلية صغيرة لا يتجاوز عدد أفرادها 36 شخصًا يشغلون مراكز ناجحة في القطاع التجاري الخاص.
ثم استطردت خضوري فتحدثت عن أهم العائلات اليهودية التي سكنت البحرين فذكرت عائلات:
يادكار (ومنهم صالح إلياهو يادكار وهو من الأوائل الذين استوطنوا البحرين قادمين من البصرة في نهاية عقد الثمانينات من القرن 19، فعمل أولاً كبائع للتبغ ثم امتلك محلاً لبيع الدقيق والألبسة المستعملة وتخصص في بيع العباءات النسائية، وأنجب سبعة من البنين والبنات ولد جميعهم في البحرين وتعلموا في مدارسها).
وعائلة سويري (قدمت من العراق في بداية العقد الأول من القرن 20، وجدها هو موشي سويري الذي عمل في بيع التبغ والعطور وأنجب ابنًا اسمه صالح الذي توفي في 1938 مخلفًا وراءه زوجة واربعة أولاد وثلاث بنات منهن راشيل التي توفيت بالسل في 1910 ودفنت في بستان خلف قلعة البحرين فكانت بذلك اليهودية الوحيدة التي لم تدفن في مقابر يهود البحرين، ومن أولاد صالح سويري سلمان أو شلومو الذي عمل في البنك الشرقي، ورجل الأعمال إبراهيم سويري الذي أسس مع شقيقه وشريكه جرجي شركة «إبراهيم فون» لإنتاج الأسطوانات وتسجيل أغاني كبار فناني الخليج، واستاجرا لذلك ثلاثة دكانين بالقرب من «فندق اليماني»).
وعائلة مئير روبين (جاءت من بغداد في 1914، وعميدها هو مئير داوود روبين تاجر الأقمشة والقند الذي ولد له في البحرين ابن سماه داوود، وداوود هذا عمل لمدة 35 عامًا في البنك الشرقي بالمنامة قبل أن يتفرغ لأعماله الخاصة من خلال محل لبيع الأجهزة الإلكترونية والكهربائية من نوع شارب)،
وعائلة هارون كوهين (قدمت من البصرة وعمل ابنها ناجي المولود في البحرين في تجارة الأقمشة بمشاركة أبنائه، كما عمل بالتصوير، ثم صار وكيلاً لساعات رولكس ومنتجات «ويستنغ هاوس»، كما أنه استأجر سينما البحرين من الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، وسينما اللؤلؤ من الوجيه محمد بن عبدالعزيز القصيبي، وقامت إحدى بناته بتدريس اللغة العربية في مدرسة القلب المقدس، علمًا بأن جميع بنات ناجي تزوجن واستقرن في البحرين).
وعائلة نونو (من أصول عراقية، ولا يزال أفرادها مقيمين ويعملون في البحرين، وتبدأ قصتها بإبراهيم نونو الذي وصل البحرين قادمًا من العراق في سن التاسعة عشرة وبدأ العمل كبائع متجول للزري في الأحياء الشعبية، قبل أن يدخل مجال الصرافة ويؤسس شركة البحرين المالية التي تعتبر اليوم واحدة من أشهر المؤسسات العاملة في البحرين في مجال التحويلات المالية. وإبراهيم نونو هذا كان عضوًا في بلدية المنامة عام 1934، وتعرض للقتل على يد مجهول وقت مدفع إفطار شهر رمضان في 1973 داخل محل صرافته، وابنه داوود إبراهيم نونو هو مؤسس نادي البحرين للبريدج، وحفيده إبراهيم داوود إبراهيم نونو كان أول يهودي يعين عضوًا في مجلس الشورى البحريني، وتبعته بعد ذلك هدى عزرا إبراهيم نونو التي عينتها البحرين سفيرة لها في واشنطون، هذا علمًا بأن عدد أفراد عائلة نونو يبلغ نحو مائة فرد يتوزعون على عدد من العواصم العالمية).
وعائلة مراد (جاءت من العراق بقيادة جدها مراد يوسف صالح وشقيقه إبراهيم يوسف صالح، وكانت جارة لعائلة خضوري، ولها صلة قرابة مع عائلة ناجي هارون كوهين).
وعائلة خضوري (يبدأ تاريخها في البحرين بوصول يوسف خضوري جد نانسي إليها من العراق، فافتتح في المنامة في ثلاثينات القرن العشرين محلاً في شارع باب البحرين، وصار من كبار موردي المواد الغذائية، ثم تزوج للمرة الأولى من نظيمة سلمان الصراف شقيقة ساسون يهودا إلياس من والدته وأنجب منها ابنتين هما راشيل ونانسي اللتان لقيتا حتفهما في كارثة تحطم طائرة «الكوميت» في البحر الأبيض سنة 1954 بعيد إقلاعها من روما في طريقها إلى لندن. وقبل وفاته في البحرين في 1982 كان يوسف خضوري قد تزوج للمرة الثانية في 1973 من عائلة ناجي هارون كوهين، كما كان لديه ابن من زواجه الأول هو إيلي والد نانسي الذي درس في المدرسة الشرقية بالمنامة وتوفي في لندن سنة 1995).
وعائلة يهودا ساسون (عائلة من أصول عراقية، وقد عمل يهودا في شركة غري ماكينزي قبل أن يهاجر إلى لندن. وفي البحرين اقترن باليهودية تفاحة حوقي بعد وفاة زوجها الأول، علمًا بأن تفاحة كانت تمارس مهنة البائعة المتجولة في أحياء البحرين، فكانت تدق أبواب المنازل لتزود النساء المحجبات آنذاك بكل لوازمهن).
وتقول خضوري في كتابها إن كل هذه العائلات اليهودية عاشت بالمنامة في فرجان الفاضل، والحطب، وكانو، والعوضية والحورة وبالقرب من سوق التمر، وإن أربابها وأفرادها استأجروا في بنايات راشد الزياني وهلال المطيري بالقرب من باب البحرين. أما عن أعمالهم ومهنهم فقد تراوحت ما بين التجارة والصرافة والتدريس والتصوير إلى جانب العمل في المصارف والشركات الانجليزية (مثل بابكو، كيبل أند واير ليس، غري ماكينزي) كموظفين او مستشارين.
أما السيدات اليهوديات فقد عملن في التمريض. إذ توجد وثائق تؤكد أن دائرة الصحة استخدمت في خمسينات القرن الماضي بعض الممرضات من العراق للعمل في مستشفياتها وعياداتها، وكان بينهن يهوديات عراقيات. ومنهن من عملن بالخياطة مثل خياطة الملابس النسائية الشهيرة «مسعودة شاؤول» (أم نجم) التي اشتهرت بخياطة ثوب النشل البحريني وتطريزه بالزري بواسطة أداة جلبتها خصيصًا لذلك. وهذه السيدة كانت ذات حسن وجمال وثقافة وتتحدث أكثر من لغة، وقد أسلمت وتحجبت دون رضا والدها تاجر الذهب ووالدتها تاجرة الأقمشة. ثم تزوجت لاحقًا من تاجر بحريني من عرب الهولة ممن كانوا يتاجرون في الحلويات اسمه محمد علي أمين وانتقلت للعيش معه في منطقة القضيبية بالمنامة قبل أن تشيخ وتودع في دار للعجزة بالمحرق، وحينما توفيت في السبعينات، بعد وفاة زوجها بعدة سنوات، كانت قد ورثت منه ثروة معتبرة أوصت بتخصيصها لحفظ القرآن ورعاية الأيتام، فيما وهبت منزلها لدائرة الأوقاف السنية. ومن اليهوديات الأخريات الخياطة «روز» التي كانت أول امرأة في البحرين تستخدم مكائن الخياطة من نوع «سنجر».
ويتحدث علي الجلاوي في كتابه عن «تفاحة حوقي» التي تطرقنا إليها آنفًا، فيقول إنها أسلمت أيضًا وتزوجت من البحريني «عبود الربل» الذي كان مالكًا لعبارة ينقل بها الناس ما بين المنامة والمحرق قبل افتتاح جسر الشيخ حمد سنة 1941، ثم صار بعد ذلك صاحب تاكسي.
على أن السيدة اليهودية الأكثر شهرة في تاريخ البحرين الاجتماعي هي «أم جان» التي يذكرها كل أبناء جيل الاربعينات والخمسينات والستينات في المحرق والمنامة، بالخير والثناء ويتذكرونها وهي تتنقل مشيًا على الأقدام بحقيبتها السوداء الصغيرة مرتدية «إيشاربا» وفستانًا يصل إلى الركبتين.
لقد دخلت هذه اليهودية بيوت الأسر الشعبية وارتبطت بروابط حميمة وعلاقات صداقة واحترام مع نساء تلك الحقبة دون أن يسأل أحد عن ديانتها أو أصلها، بل اعتبرها الكثيرون بمثابة أم للجميع وأحبوها لشخصها وتفانيها في مهنتها الجليلة، يوم أن كانت المرأة البحرينية تجلس كسيحة في بيتها وتمنع من الخروج من منزلها حتى للتداوي في الحالات الحرجة كحالات الولادة. فما هي قصة «أم جان» هذه؟
تحدث عنها علي الجلاوي في كتابه فقال إن اسمها الحقيقي هو «فلورا جان»، وإنها يهودية من أصول تركية، وتعلمت توليد الأطفال في العراق، واقترنت هناك بشخص هندي، ثم انتقلت إلى البحرين في أربعينات القرن العشرين لتعمل في مستشفى النعيم بالمنامة (أول مستشفى أنشأته حكومة البحرين، وتم بناؤه على مراحل ما بين عامي 1941 و1943، وكان مكانه في الموقع الحالي لمركز النعيم الصحي حتى 1983 حينما تم هدمه من أجل إقامة المركز الأخير). ومن مستشفى النعيم انتقلت «أم جان» للعمل في المستشفى الذي يحمل اليوم اسم مركز الشيخ سلمان الصحي والواقع خلف سوق المحرق. ومن بعد سنوات من العمل في مستشفيات البحرين، قدمت «أم جان» استقالتها وتحولت إلى ما يمكن تسميته بـ «عيادة ولادة متحركة»، حيث دخلت بهذه الصفة بيوت الجميع، وقامت بتوليد نصف نساء البحرين تقريبًا، مؤدية مهنتها الإنسانية بتجرد.
وفي هذا السياق كتب عنها الشيخ صلاح الجودر إمام وخطيب جامع قلالي بالمحرق في صحيفة الأيام (10/6/2008) قائلاً (بتصرف): «مما زاد من شعبية أم جان أنها لم تكن ولادة لأناس دون غيرهم. فقد قامت بعملية التوليد لنساء الأثرياء والفقراء، السنة والشيعة، العرب والعجم. فالجميع كانوا عندها حالات إنسانية واحدة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام، خصوصًا في الأيام التي كانت تفرض فيها سلطات الحماية البريطانية حالات الطوارئ ومنع التجوال». ويضيف الجودر قائلاً: «كانت تدخل البيوت، وتجلس مع النسوة، وتتجاذب أطراف الحديث معهن، وتأكل وتشرب في منازلهن، ولم نسمع يومًا أن أم جان يهودية فيجب ازدراؤها أو التعرض لها». وهذا يعكس بطبيعة الحال روح التسامح الديني المتأصلة في شعب البحرين منذ الأزل.
أما شهادة نانسي خضوري عن أم جان ففيها بعض الاختلاف الطفيف. إذ تقول عنها في كتابها إن اسمها هو «فلورا دلفي»، وإنها ولدت في تركيا لأبوين تركيين، وعاشت مع والديها قبل زواجها في إيران حيث اتقنت الفارسية، ثم هاجرت إلى العراق قبل أن تصل الى البحرين في 1937 برفقة زوجها الهندي المسيحي لتعمل قابلة خاصة. وحينما تم الانتهاء من تشييد مستشفى النعيم التحقت به كممرضة، تعطي الحقن وتصرف الأدوية. وفي مرحلة لاحقة عملت في المركزالصحي بالمحرق الذي كانت تقطن فوقه فأطلق الناس على المركز «بيت أم جان»، وبقيت فيه حتى 1961 حينما قررت العمل لحسابها الخاص كقابلة مرخصة من دائرة الصحة، وحينذاك انتقلت للسكن في شقة في فريج المعاودة.
أما عن سبب تسميتها بهذا الاسم فقد أفصحت أم جان في مقابلة أجراها معها تلفزيون البحرين سنة 1977 أي حينما كانت قد جاوزت السبعين، أنه نسبة إلى ولدها الأكبر جان الذي توفي في سن مبكرة في عام 1974، ثم تبعه بعد فترة قصيرة ابنها الآخر جميل، علمًا بأن أم جان أنجبت أيضا ابنة سافرت إلى لندن لدراسة الطب، لكنها قطعت دراستها وتزوجت من شاب انجليزي وهاجرا معًا إلى استراليا. وفي السبعينات استدعتها ابنتها للالتحاق بها فغادرت البحرين، لكنها عادت في زيارة قصيرة سنة 1985.