منذ يومين توقفت شبكة الإنترنت عندنا فجأة، وقد أخذنا الأمر في البداية ببساطة، حيث حسبنا أن العلة مؤقتة وأن الشبكة ستعود ذاتيا بعد وقت قصير.
وعندما طال انتظارنا لعودة الشبكة طوعيا ـ بدأنا في البحث عن الخلل لعل إصلاحه ممكن بسهولة فحص التوصيلات وأجهزة الربط، وبإطفاء بعضها وإشعالها ثانية، كما يزعم البعض من ذوي الاختصاص لإصلاح التوقفات الطارئة في الأجهزة الإلكترونية!
ولم تفلح محاولاتنا تلك ـ فقمنا بإجراء الاتصالات اللازمة بواسطة الشركة المجهزة ـ التي قام موظفها بمحاولات تقليدية معنا عبر الهاتف ببعض النصائح أو محاولة تشخيص السبب بطرح الأسئلة والاستفسارات، ولكن جهوده لم تفلح، فطلب منا أن نصبر حتى يكتشفوا العلة وقد يرسلون إلينا أحد الفنيين، وأصابنا الهلع عندما قال إن الموضوع قد يطول حتى الغد!
كانت ردة فعل أكثر الموجودين صرخة استنكار “حتى الغد.. مستحيل!” ماذا نعمل حتى الغد.. كيف سنقوم بأنشطتنا اليومية؟.. كيف سنجري اتصالاتنا؟.. كيف سنتصفح مواقع الأخبار والسياسة؟.. كيف سنراجع بريدنا الإلكتروني؟.. كيف سنبعث ونستلم الصور والرسائل؟.. كيف نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي؟.. ويوتيوب وإنستغرام؟.. كيف نفتح غوغل والمترجم؟.. وكيف نتواصل مع الأصدقاء والصديقات عن طريق التطبيقات قليلة التكلفة (فايبر وواتسآب)؟.. كيف نستدعي ما نشاء من معلومات خلال ثوان على الموبايل أو الكمبيوتر؟..و..و..
لقد بدا انقطاع شبكة الإنترنت المفاجئ لدينا كارثيا ولا يحتمل، فقد شل حركتنا وعطّل على بعضنا أعماله ونشاطاته المهمة وبعضها غير قابلة للتأجيل، وقد جسد هذا الحادث الطارئ مدى اعتماد بني البشر في عالمنا الحاضر على شبكة الإنترنت، ومقدار زحف التقنيات الإلكترونية على تفاصيل أنشطة البشر اليومية في المجتمعات المتحضرة بصورة خاصة، ولم يعد بإمكان الكثيرين خاصة بين الشباب والشابات أن يتخيلوا الحياة من دون إنترنت ووسائل الاتصال الحديثة.. وعندما سألت قبل أيام جمعا من الصبايا والفتيان عن الحياة من دون موبايل ولا إنترنت كان جوابهم الموحد غير ممكن.. مستحيل. وعندما قلت لهم إننا قبل 20 أو 30 سنة لم نكن نعرف هذه التقنيات ظهرت عليهم الدهشة وتساءلوا “كيف كنتم عايشين؟”.
لقد حققت شبكة الإنترنت والاتصالات الإلكترونية حاجتين ضروريتين وأساسيتين للمجتمعات البشرية، وهما التواصل بين الأفراد وتوفير مصادر المعرفة والمعلومات وتسهيل الوصول إليها وتخزينها للرجوع إليها، وقد أشار الخبراء إلى أن عدد مستخدمي الإنترنت يزداد يوميا وبشكل متسارع، فهناك حاليا 3 مليارات و400 مليون شخص متصل بالإنترنت يشكلون 46.1 بالمئة من سكان العالم، أما عدد مستخدمي موقع فيسبوك فبلغ 1.7 مليار شخص.
وهذا يفسر لنا الانتشار المتزايد بسرعة خارقة لشبكات الإنترنت وما يتفرع عنها من أنشطة وفعاليات كثيفة بعشرات الألوف في كل ثانية، سأذكر بعضها كما أظهرتها بيانات نشرتها جهات علمية متخصصة.
مثلا أن عمليات البحث على غوغل تبلغ أكثر من 54 ألف عملية في كل ثانية، أي ما يزيد على 3 مليارات عملية يوميا أي 90 مليار عملية بحث شهريا (للمقارنة: مع بداية ظهور محرك غوغل عام 1998 كانت تجرى عليه 10 آلاف عملية بحث فقط يوميا).
أما على موقع تويتر الذي ظهرت أول تغريدة عليه في 21 مارس عام 2006 فينشر حاليا أكثر من 7000 تغريدة في الثانية أي بمعدل 350 ألف تغريدة كل دقيقة و500 مليون تغريدة في اليوم وبمعدل 200 مليار في السنة.
وبالرغم من حداثة موقع إنستغرام الخاص بنشر الصور فتُنشر عليه حاليا 729 صورة كل ثانية أما على يوتوب فيتم الدخول إلى أكثر من مئة ألف مقطع فيديو في الثانية ويجري على السكايب 2177 اتصالا خلال نفس المدة. وهذه الأرقام متغيرة صعودا باستمرار وقد تكون قد ازدادات المئات من المرات بل الآلاف خلال فترة قراءة هذا المقال.
* نقلاً عن “العرب”