أرجعتني الحلقة الرابعة من المسلسل الرائع «خيانة وطن»، والذي يُبث على قناة «أبوظبي»، والتي تناولت أساليب عمل حزب «الإخوان المسلمين» في مؤسسات التعليم بالدولة ثلاثين سنة للوراء، عندما استدعتني وزارة التربية والتعليم عام 1987 إلى جانب نخبة من أساتذة جامعة الإمارات للعمل ضمن اللجان التي شُكلت لتعديل مناهج الوزارة بعد أن أسس الوزير «الإخواني» السابق المناهج على ضوء فكر «الإخوان» ومواقفهم السياسية.
لقد عانينا في الواقع نفس أجواء الترهيب والعجرفة والتحريف وقلب الحقائق وتسخير إمكانات الوزارة لخدمة أهدافهم، والتي عكسها المسلسل بصورة صادقة ودقيقة، فعند استلامنا سبعة من الكتب التي من المفترض أن تتم مراجعتها (كتاب الاقتصاد للمرحلة الثانوية، وستة كتب للجغرافيا للمرحلتين الإعدادية والثانوية) صُعقت لحجم التحريف والضعف الأكاديمي والعلمي، حيث كان جل اهتمام واضعي المناهج من «الإخوان»، الذين انتدبهم الوزير السابق شحن أجيال من الطلبة بأفكارهم وغرس ولائهم ليس للدولة التي ينتمون إليها، وإنما للإخوان وتطلعاتهم السياسية.
ففي كتاب الاقتصاد على سبيل المثال كان المرجع الأساسي هو أحد زعمائهم التاريخيين «سيد قطب»، ولم أكن مستوعباً علاقة هذا الشخص بالاقتصاد، إذ لم يعرف عنه اهتمامه بهذا العلم، أما الكتب الستة الأخرى، فقد شحنت شحناً بالبيانات السياسية لحزب «الإخوان»، وأقحمت في مواضيع لا علاقة لها بعلم الجغرافيا، بما فيها الجغرافيا الاقتصادية.
لقد كانت المهمة صعبة، خصوصاً أنهم بخبث شديد استطاعوا دس بعض كوادرهم في لجان التعديل الجديدة، كما أشرفت بعض عناصرهم على اللجنة العليا للتنسيق بين اللجان، مما أتاح لهم متابعة العمل ورفع تقاريرهم لقياداتهم، ليأتوا في اليوم التالي بطلبات لإعادة النظر في بعض التعديلات مع تشديد على إبقاء أقوال سيد قطب بالذات، مستخدمين أساليب ملتوية وتهديدات مخيفة، خصوصاً أن عمل اللجان يبدأ بعد الظهر ليستمر حتى ساعة متأخرة من المساء.
من ناحية كتاب الاقتصاد قمت بحذف كل المراجع المستندة على أقوال سيد قطب رغم تهديداتهم ووضعت مكانها مراجع علماء اقتصاد حقيقيين، كمؤسس علم الاقتصاد الحديث «آدم سميث» في حين قمت بشطب كامل بياناتهم من الكتب الستة الأخرى، ووضعت مكانها أقوال مؤسس الدولة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لتعبر عن مواقف الدولة وباني نهضتها، وليس عن حزب سياسي معاد وولائه للمرشد القابع بعيداً عن تراب الوطن.
عند هذا المنعطف جن جنونهم ليأتوا يومياً برجاء الإبقاء على الأقل على مرجع واحد لزعيمهم التاريخي، وعلى بعض المقتطفات من بياناتهم السياسية، إلا أن كل هذه المحاولات ذهبت سدى – لا مساومات – نحن انتُدبنا للعمل بصورة مهنية والمواقف الأخرى يجب أن تمثل مواقف الدولة ممثلة في رئيسها. ومع أن بعض أعضاء اللجنة من الإخوة العرب أُصيب بالرهبة من تهديداتهم وإرهابهم، إلا أن التعديلات أقرت بالكامل بسبب الإصرار عليها والتمسك بها، وإلا فإن شكوى ستُرفع للوزير الجديد لعرقلتكم عمل اللجنة.
ما حدث بعد ذلك يدعو للدهشة، فبسبب هيمنتهم الكاملة على إدارات الوزارة، فقد تغلغلوا في اللجنة المشرفة على طباعة المناهج الجديدة المعدلة، وقاموا بحذف بعض التعديلات، فعند استلامي للكتب السبعة المطبوعة حديثاً، وجدت أن 90% من التعديلات قد أنجز، إلا أن مرجعاً واحداً باسم سيد قطب بقي ضمن المراجع، وكذلك القليل من بياناتهم السياسية، إلا أنهم مع ذلك خسروا الكثير، وتتم حماية أجيال من أفكارهم وتطرفهم، ولولا تلك التعديلات في كل المناهج والتي دعا إليها الوزير الجديد لازداد تأثيرهم أضعاف ما حققوه، مما سيشكل خطورة أكبر على أمن الدولة واستقرار المجتمع.
أي خبث هذا، وأي استهتار بقيم العلم والمعرفة، وأي تنكر لدولة احتضنتهم وقدمت للمواطنين منهم فرص العمل والدراسة في أرقى الجامعات وللوافدين منهم الحياة الكريمة ومستويات معيشة راقية للجميع، لذلك، فإن ما جاء في مسلسل «خيانة وطن» هو رصد لخيانة الأمانة أيضاً من قبل المواطنين والوافدين منهم على حد سواء، وهو عكسَ حقائق نؤكد صحتها من خلال التجربة التي أشرنا إليها، رغم نشاط «الإخوان» لإثبات عكس ذلك من خلال هجومهم على هذا المسلسل، والذي يشكر كل العاملين عليه لجهودهم في كشف هذه الممارسات الخطرة وحماية الوطن من محاولات تخريبه والعبث بمنجزاته.
ملاحظة: للتأكد من كل ما ذكر يمكن الرجوع إلى مناهج الكتب السبعة قبل التعديل وبعده في عام 1987 وهي متوفرة في مكتبات وزارة التربية والتعليم ومتاحة للجميع.
نقلا عن العربیه