أطرف ما قيل في تبرير ظهور الجنرال الإيراني قاسم سليماني في مشهد حرب “تحرير الفلوجة”، انه مكلف كمستشار من الحكومة العراقية… فهل يا تُرى الجيش العراقي، الذي كان ذات يوم قريب، قبل أن يشتت “المنتصرون” في معادلة بول بريمر الأميركية شمله، من أهم وأقوى وأكبر جيوش هذه المنطقة لا يوجد فيه ولا ضابط واحد برتبة عالية سَلِمَ من حملة التصفيات العشوائية، التي بقيت مستمرة ومتواصلة منذ نحو ثلاثة عشر عاماً، حتى تضطر حكومة حيدر العبادي إلى الاستعانة بأحد قادة حراس الثورة الإيرانية، لمساندتها في مواجهات داخلية لا ضرورة لإقحام أي طرفٍ أجنبي فيها؟!
لقد جاء هذا التبرير غير المقنع لظهور قاسم سليماني في مشهد حرب الفلوجة على لسان وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري خلال زيارته الأخيرة إلى عمان، ويقيناً أنه كان من الأفضل ألا يقع رئيس الدبلوماسية العراقية، الذي كان ذات يوم غير بعيد رئيساً للوزراء، في هذا “المطب” الذي وقع به، وحيث كان من الأفضل له، إما ألا يبرر مسألة لا يمكن تبريرها، وإما أن يقول لسائله: “اذهب إلى هادي العامري، فأنا لا أعرف شيئاً، ولا علاقة لي بهذا الأمر”! إنه عذر أقبح من ذنب.
إنه لا حاجة إطلاقاً لـ”اختراع” مبرر لظهور قاسم سليماني في مشهد حرب تحرير الفلوجة، فصاحب القرار بالنسبة لهذه المسألة، وهذا بات معروفاً ومؤكداً ولا نقاش فيه، هو الآمر الناهي في طهران، ثم كما قال الأميركيون أكثر من مرة، فإن القوة الرئيسية في هذه الحرب هي “الحشد الشعبي”، الذي يقوده هادي العامري، والذي تشكل قوات بدر المعروفة، التي تعد أحد ألوية حراس الثورة، القوة الرئيسية فيه.
ما كان مطلوباً من وزير الخارجية العراقي أن يجد مبرراً لقيادة قاسم سليماني لحرب “تحرير الفلوجة”، فتنقُّل جنرال حراس الثورة الذي يحمل لقب “قائد فيلق القدس” بين العراق وسورية بات غير مستغرب ولا مستهجن، مادام أن الحرب المحتدمة هناك هي حرب إيرانية، وهذا لا يحتاج إلى براهين ولا إلى أدلة طالما أن طهران، وعلى ألْسنة كبار المسؤولين فيها، أعلنت ذلك، ولا تزال تعلنه، وكذلك فإنها تعلن أيضاً أن حرب اليمن هي حربها.
هناك الآن عمليات تطهير طائفي في الفلوجة وحولها وفي العراق كله، وهذا مثبت ومؤكد، وباتت تتحدث عنه حتى الولايات المتحدة الأميركية، ومعها معظم الدول الأوروبية، لذلك فإنه لا يُعقل أن يكون قاسم سليماني مستشاراً لدى الحكومة العراقية طالما أنه المشرف الرئيسي على عمليات التطهير الطائفي والعرقي… هذه إنْ في العراق وإنْ في سورية، وطالما أن رئيس هذه الحكومة العراقية يضع كفيه على عينيه، حتى لا يرى كل هذه الحقائق المرعبة التي غدت تتجسد في دولة من المفترض أنها دولة عربية.
وهكذا، فإنه لا بد من القول ومرة أخرى إنه لا ضرورة لتبرير إبراهيم الجعفري لظهور قاسم سليماني في المشهد العراقي كله فالعراق، كما هي سورية، بات دولة محتلة احتلالاً كاملاً من قبل إيران… إن هذه مسألة غدت معروفة ومحسومة، والدليل هو كل هذا التطهير الطائفي والعرقي أيضاً، فالإيرانيون لتثيبت احتلالهم يسعون إلى إحداث خلل “ديموغرافي”، وهذا ما يجري في “القطر العربي السوري”، الذي يرفع فوقه نظام بشار الأسد شعار “أمة عربية واحدة!”.
نقلا عن ایلاف