لعل القارئ المطلع على مفهوم العمق الاستراتيجي والبعيد عن الإدراك الحقيقي لجوهر منطقة الخليج العربي ودوله وما يربط بينها، سيصل حين يُسقط هذا المصطلح على مملكة البحرين بالنظر إلى مساحتها وعدد سكانها ومصادر قوتها الاقتصادية والعسكرية إلى نتيجة مفادها أنها تفتقر للعمق الاستراتيجي، وبالتالي ستكون عرضة للتهديد الخارجي وأطماع المتربصين.
فهل هذا هو الواقع الفعلي، أم أنه جاء نتيجة عدم إدراك حقيقي للواقع المعيش؟
نسير مع القارئ في هذه المقال لنستنتج لاحقاً العمق الاستراتيجي الحقيقي لمملكة البحرين.
بدايةً يُعرف العمق الاستراتيجي على أنه مصطلح عسكري يستخدم لوصف المناطق الفاصلة بين خطوط القتال على الجبهة وبين المدن الكبرى ومناطق الثقل السكاني والصناعي للدولة، ويكمن المعيار الأساسي للمناطق التي تشكل عمقاً استراتيجياً في مدى مقدرة الجيش على الانسحاب تكتيكياً من تلك المناطق في حال تعرضه لهجوم معادٍ دون أن يخسر الحرب أو القدرة على مواصلتها.
ومن هذا المنطلق، نلاحظ أنه في حالات الحرب يعتبر سقوط المدن الرئيسة، إيذاناً بخسارة دولة ما لهذه المعركة، ويأتي سقوط العاصمة في غالب الأحيان بوصفه الهزيمة الفعلية وسقوط نظامها.
وتأسيساً على ذلك، يعتبر العمق الاستراتيجي من العناصر المهمة لأي دولة. وبالتالي فحين يتم إسقاط ما تقدم على مملكة البحرين بنوع من التجرد البحت، فإنه سيصل إلى تلك النتيجة السابقة.
ونحن هنا في هذه المقالة نخاطب القارئ الخليجي والعربي، وربما سيتلقفه البعض خارج هذه الدائرة، فمرحباً به لكي يعي الواقع، وبالتالي ننطلق مع القارئ الخليجي والعربي لنؤكد لأنفسنا ونُسمع من حولنا ونقول: صحيح أن المساحة الجغرافية لمملكة البحرين تجعلها تفتقر للعمق الاستراتيجي، ولكن النظرة الأشمل والواقعية بعيداً عن التنظير الصرف تشير إلى التالي:
أولاً: لمملكة البحرين عمقها التاريخي والحضاري الذي يجعل شعبها بعيداً كل البُعد عن الطموحات التوسعية فيها. ولعل التاريخ شاهد على ذلك.
ثانياً: العمق الاستراتيجي من الناحية الجغرافية لمملكة البحرين ينتهي عند بحر عُمان شرقاً مروراً بقطر ودول الإمارات، وشمالاً مروراً بالكويت، وعميقاً جداً في المملكة العربية السعودية.
يخاطبنا القارئ العربي مذكراً من سيتلقف هذه السطور خارج دائرة السياق الخليجي والعربي، بأن العمق الاستراتيجي لمملكة البحرين يمتد ليطال العالم العربي كذلك.
ثالثاً: العمق الحضاري والتاريخي لمملكة البحرين يسير ليمتزج بالعمق الخليجي له، والذي يتجلى في ترابط الشعب الخليجي والوصول للمحصلة النهائية، وهي المصير الواحد.
رابعاً: عناصر القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية لمملكة البحرين وبحكم المصير الواحد يجعلها جزءاً لا يتجزأ من منظومة الخليج العربي، وبالتالي يضرب العمق الاستراتيجي للبحرين بأوتاده عميقاً في تلك المنظومة.
هل يدرك من هو خارج دائرة السياق الخليجي والعربي هذا. لا شك في ذلك، وهو ما يجعله بعيداً كل البعد عن التجرؤ للمواجهة العسكرية المباشرة.
نتساءل مع القارئ: هل يعني أنه لا يوجد تهديد في هذا الجانب؟
الطموحات التوسعية للنظام الإيراني وتوظيفه لمن يسير في فلكه، جعلته لا ينفك يسعى للتأثير على العمق الاستراتيجي لمملكة البحرين، وذلك باتخاذ الخطوات التالية:
السعي للتأثير على اللحمة الوطنية في الداخل البحريني والتوظيف المقيت للمذهب سياسياً والذي لم تجنِ منه دول أخرى سوى جمود في التنمية وشلل في الاقتصاد وشقاق في مجتمعاتها، بعد أن دق النظام الإيراني أسفين الفرقة ومحاولته تغليب المذهب والطائفية على المظلة الوطنية الجامعة.
ذلك التوظيف المذهبي جعل من النظام الإيراني من خلال مسؤوليه يطلق تصريحات تكشف التدخل الواضح والصريح في شؤون البحرين، واجتمعت تلك التصريحات القادمة من النظام الإيراني ومن أتباعه في المنطقة على أمرين: تهييج الشارع البحريني والدعوة إلى الاحتراب، والأمر الآخر السعي لإسقاط النظام.
النقطة الأخرى هي سعي النظام الإيراني إلى إبراز دول الخليج العربي على أنها دول مكبلة بالمشاكل فيما بينها، وبالتالي فإنها لن تكون سنداً لبعضها بعضاً.
التاريخ البعيد والتاريخ القريب خير شاهد على العمق الاستراتيجي لمملكة البحرين الذي هو جزء لا يتجزأ من العمق الخليجي والعربي. وشعب البحرين المخلص والمحب لوطنه والتاريخ يشهد له بذلك قادر على تفويت الفرصة على تلك الأطماع والوقوف في وجهها. ومن التبس عليه الأمر وغُرِّرَ به فإن الوطن قادر على أن يحتويه.
يتساءل القارئ عن العمق الاستراتيجي لمملكة البحرين على المستوى الشعبي في دول مجلس التعاون؟
فلندع الشعب الخليجي يتحدث..
نقلا عن: العربیه