حسم مجلس النواب امره وقرر فصل الدين عن السياسة او بالاحرى قرر قبول مقترح الحكومة القاضي بحرمان رجال الدين من الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي.
وعن هذا المقترح يقول وزير العدل والشؤون الاسلامية ان «استمرار الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي يترتب عليه العديد من النتائج السلبية على سبيل المثال تحكم الفتاوى الدينية في العمل السياسي، مما يؤدي الى تقسيم المجتمع».
وباختصار شديد لا يجوز الخلط بين العمل السياسي والعمل الديني. وهنا يصبح الاختيار واضحا فرجل الدين أمام ان يعتلي المنبر الديني او يشتغل في السياسة.
بالتأكيد لدى الاسلام السياسي باطيافه المختلفة ردة فعل ربما لم يجرؤ على التعبير عنها جهارا ولكنه في الخفاء بين اتباعه ومريديه يعتبر هذه الخطوة تحد له لان احد الثوابت الاساسية للدولة الدينية رفض الفصل بين الدين والسياسة وبين الدين والدولة.
ان تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة يأتي في صالح استقرار المجتمع وصالح المواطنة لان تسيس الدين يقود الى تقسيم المجتمع على اسس طائفية ومذهبية!
ومن هنا حتى يصبح الفصل لصالح الدين والسياسة والحداثة والتحديث لابد من آلية واضحة لا لبس فيها، ولا استثناء لجهة، ولا تحايل على القانون وذلك لضبط هذا الفصل!
ان الحرص على فصل الدين عن السياسة خوفا من ان يوظف الدين في خدمة السياسة وللحفاظ على قدسيته اذن لماذا الخوف والقلق؟ ولماذا يعتقد البعض ان الفصل يعني تجاهل الدين في المجتمع؟ لماذا كل هذا الجدل؟ في حين ان الفصل بين الدين والسياسة وليس فصل الدين عن المجتمع البحريني لان الدين نسق اساسي في حياته.
ومن منطلق تجربة مصر يرى المفكر السيد ياسين في مقابلة له في صحيفة العرب (14/3/2014) ان الحلول لمعضلة العلاقة الملتبسة بين الدين والسياسة في المجتمعات العربية والاسلامية عديدة منها منع قيام احزاب سياسية على اساس ديني، لان غير مقبول ومضاد للديمقراطية، لانك عندما تدخل في صراع سياسي ستحارب بسلاح الدين، وقد تلجأ الى تهمة التكفير كما فعل الاخوان المسلمين والجماعات الاسلامية وجماعات الجهاد، وهذا مضاد للديمقراطية التي تعتمد المواطنة اساسا وليس الدين، فجميع المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتمائهم الديني، ومن هنا تكوين احزاب سياسية دينية امر مضاد للديمقراطية.
والحل الامثل في نظر ورؤية السيد ياسين يكمن كما يعلق المحاور الكاتب محمد الحمامصي في ترسيخ مفهوم الدولة المدنية التي تعتبر هي الاساس وليس الدولة الدينية، لان الاولى تقوم على التشريع في ظل رقابة الرأى العام، اما الثانية تقوم على الفتاوى، وهذا مناف للعصرنة والطرق الحديثة في اصدار القرار.
ومن الامثلة على ذلك ففي فترة حكم الاخوان كانت وزارة كمال الجنزوري قد قررت الحصول على قرض من البنك الدولي، عندئذ قالت جماعة الاخوان «لا هذا ربا وحرام»، وحاربت وحلفاؤها الجنزوري فلم يتخذ القرار، وما ان جاءت الى الحكم حتى لجأت مباشرة الى القرض وخرج فقيه من فقهائهم ليحلل القرض من باب أن الضرورات تبيح المحظورات، وهذا لا يمكن ان تكون البهلوانية سياسية وفكرية!
ولن نذهب بعيدا فالاخوان استغلوا الدين لاغراض سياسية في دعم (مرسي) في الانتخابات الرئاسية، وكذلك الحال في الانتخابات البرلمانية عندما استخدموا شعار (الاسلام هو الحل) لدعم المرشحين ذوى الاتجاهات الدينية!
في محاولة لفهم وبيان الآثار المحتملة لخلط الدين بالسياسة يأتي كتاب «السراب» لمدير عام مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية الدكتور جمال سند السويدي ليوضح ان الخلط المؤسسي والحقيقي بين الدين والسياسة يسيس الدين ويدخل عليه آفاقا معروفة في العمل السياسي، مثل الصفقات السياسية والتحالفات الآنية وتلاقي المصالح المادية ووضع المشروعات قصيرة المدى والقابلة للتغيير بسبب الضرورات. وهكذا يتسبب الخلط بين الدين والسياسة يجعل الدين اقل قدسية.
وعن اوجه الضرر من هذا الخلط يجزم السويدي ان خلط الدين بالسياسة يساعد على اعطاء بعض رجال الدين واعضاء الجماعات الدينية السياسية الأحقية على غيرهم في تقرير مصير الامة. وفي هذا تجاوز لدور اصحاب الخبرة في الادارة والسياسة والاقتصاد ويضيف ان فرض التفسير الديني على الامور السياسية يرغمها ان لا تكون ديناميكية مرنة، وهما صفتان من صفات العمل السياسي المعاصر، حيث الحركة الدائمة والتغيير يؤكدان التجدد في الدولة والمجتمع،
فطرح الجماعات الدينية السياسية لفكرة الخلافة، على سبيل المثال، يعتبر اساسا من اسس المشروع السياسي لهذه الجماعات، وهي بذلك تؤكد عدم ايمانها بأي شكل حديث او معاصر للحكم، كذلك الامر بالنسبة الى اعطاء اعضاء قادة هذه الجماعات الدور القيادي في الحكم والحكومة. ومن الامثلة على ذلك قامت ايران بتسليم قيادة الدولة للملالي باعتبار انهم معصومون من الفساد وغير قابلين للافساد وهذا غير صحيح! ناهيك عن ان خلط الدين بالسياسة يعطي الدولة التسلطية التي تستخدم في ايديولوجيتها الحق في فرض اسلوب حياة معينة وكذلك يفتح المجال امام الانزلاق نحو الحروب والعنف والازمات! ومن هنا نقول حسنا فعل مجلس النواب عندما دفع باتجاه منع الجمع بين المنبر الديني والعمل السياسي.