لماذا لم يصدق أحد بيان «حزب الله» عمّن اغتال مصطفى بدر الدين قائده الميداني؟ خلال احتلال سوريا للبنان كانت كل عملية اغتيال تنسب إلى إسرائيل، اليوم والحرب في سوريا دخلت سنتها الخامسة يجد «حزب الله» أن التكفيريين «أولى بالمعروف»، بغض النظر عمن قتله، فإن رحيله بهذه الطريقة يشكل ضربة موجعة ومقلقة ومربكة للحزب ولإيران. من المؤكد أن الشكوك من كل الأنواع بدأت تتجذر لدى الطرفين. وكان لوحظ أن النظام في دمشق لم يعلق على العملية التي وقعت في عاصمته، وإن كان الأكثر تألمًا هو محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني «المعتدل» الذي وصف بدر الدين بأنه كان «مليئًا بالعاطفة والإخلاص، وهو يدافع عن المثل العليا للإسلام وعن الشعب اللبناني»!
ولا نعرف أين هو الشعب اللبناني في معركة سوريا، مقارنة بالمصالح الإيرانية فيها وبمصير النظام. ولماذا يحمّل ظريف ضمير الشعب اللبناني مقتل بدر الدين؟
على كل، لا تعرف إيران على أي جبهة تقاتل. وكي لا تظهر أنها لا تهمل جبهتها الداخلية قامت بعملية «العنكبوت – 2»، ولاحقت الشابات اللواتي وجدن متنفسًا لهن في تطبيق «الإنستغرام» لينشرن عليه صورهن من دون غطاء شعر، فهدد هذا العمل الجمهورية الإيرانية. جاء هذا بعد حملة اعتقالات طالت الفنانين والشعراء والصحافيين والنشطاء في وقت انتهت معه عملية الانتخابات الإيرانية التي من المفترض أن تكون انتصارًا سياسيًا للرئيس حسن روحاني. لكن في النظام الإيراني الغامض يظل غير واضح، كيف ستتم ترجمة هذا الانتصار إلى تحولات سياسية داخلية.
الجولة الثانية من الانتخابات جرت في 29 من الشهر الماضي، خاضها 68 مرشحًا على مقاعد المجلس لأن مصيرهم لم يُحسم في الدورة الأولى. لم تحظ الجولة الثانية بتغطية إعلامية، لأن مقاعد العاصمة طهران كانت قد حسمت، ولأن الإقبال الشعبي تدنى بشكل ملحوظ بحيث وصلت نسبة المقترعين إلى 34 في المائة، أي أقل من ثلث العدد الذي اقترع في المرحلة الأولى. ورغم لا مبالاة المخولين بالانتخاب، فإن البراغماتيين أو المقربين من روحاني فازوا بـ36 من المقاعد، وحصد المستقلون 20 مقعدًا وذهب 12 مقعدًا فقط إلى المحافظين. عمومًا، فإن الإصلاحيين والمعتدلين في «لائحة الأمل» يسيطرون الآن على 120 مقعدًا من أصل 290 في المجلس التشريعي، ويحتل المحافظون 90 مقعدًا فقط، والمستقلون 79.
إذن، يبدو المجلس العاشر حسب ترتيبه، أكثر تقدميًا من المجالس الماضية. زاد المعتدلون وجودهم بنسبة 5 أضعاف ليصبحوا القوة الرائدة في التشريع، في حين فشل كثير من المحافظين في الفوز في الدورة الثانية. في البرلمان الحالي عدد قياسي من النساء النواب، وعدد منخفض من رجال الدين، والربع فقط من الذين خدموا في المجلس الماضي عاد. ثم إن 12 من أصل 80 عضوًا، كانوا وقعوا عريضة في المجلس الماضي تدعو إلى وقف المحادثات حول البرنامج النووي حافظوا على مقاعدهم.
تعكس النتائج الدعم الشعبي لروحاني واتساع الفجوة ما بين المؤسسة المحافظة والمجتمع الإيراني الأوسع، وعلى هذا النحو، من المفترض أن يكون سهلاً على روحاني تطبيق الاتفاق النووي، الذي تم التوقيع عليه في يوليو (تموز) الماضي. أيضًا من الناحية السياسية يجب أن يكون سهلاً عليه تنفيذ خططه الطموحة التي تضمنها برنامجه الانتخابي عام 2013. وبالتحديد، فإن الصوت الأعلى للبراغماتيين في هذا المجلس يجعله أكثر استعدادًا لمتابعة قلب سياسة سوء الأداء التي راجت في زمن محمود أحمدي نجاد، فضلاً عن دعم حملة الرئيس لمكافحة الفساد في وجه المصالح الخاصة والقوية لـ«الحرس الثوري» والنخبة السياسية. وقد يكون أسهل وقت الآن لروحاني لتحسين علاقات إيران الدولية بعد سنوات من العزلة عن الغرب.
انطلاقًا من كل ما تقدم، هل كانت انتخابات مجلس الشورى خطوة كبيرة؟ إن الدعم العام لروحاني يوفر له حالة ومجالاً للمناورة سيحتاجه إليهما في حملة إعادة انتخابه رئيسًا بعد نحو عام في يونيو (حزيران) 2017. لكن، على الرغم من التحول في ميزان القوى في المجلس، فإن البرلمان يبقى واحدًا من عدة مؤسسات سياسية في نظام السلطة في إيران، ثم إنه الأضعف بين كل المؤسسات التي تخضع لسيطرة وتوجيه سلطة المرشد الأعلى وأتباعه، حيث لا يزال آيات الله يسيطرون على مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على جميع التشريعات، ومن خلال هذه الآلية فإن جزءًا كبيرًا من الأجندة الإصلاحية للرئيس السابق محمد خاتمي جرى إسقاطه. الإعاقة الأساسية للرئاسة الإيرانية سببها القيود التي تُفرض عليها من قبل المرشد الأعلى. وكي لا يكون هناك أي التباس، فإن العناصر المحافظة المتشددة لا تزال تسيطر على النظام كله، وإن لم تكن في المجلس، فهي تتمتع بالدعم الحقيقي للمرشد الأعلى من وراء الكواليس. من المقرر أن يعقد المجلس الجديد أولى جلساته في 27 من الشهر الحالي، وأول ما يجب متابعته هو انتخاب رئيسه، وهذا موقع مؤثر في السلطة التشريعية. المتنافسان الرئيسيان هما الرئيس الحالي علي لاريجاني الذي خاض الانتخابات الأخيرة كمرشح مستقل، ورئيس «قائمة الأمل» الإصلاحي محمد رضا عارف.
طوال حياته السياسية كان لاريجاني محسوبًا على التيار المحافظ، لكن منذ مجيء روحاني إلى السلطة انقاد للحكومة، وأبدى ميلاً كبيرًا للتعاون، وكان هذا التحول من الأسباب التي دفعته ليترشح كمستقل. أما رضا عارف، فإنه من بين قادة الحركة الإصلاحية وشغل منصب النائب الأول للرئيس خاتمي. ي أعقاب الانتخابات، ذكرت مصادر داخل إيران أن حظوظ عارف زادت كثيرًا. لكن من أجل ضمان ائتلاف مستقر، فإن حكومة روحاني قد تدعم لاريجاني.
من يؤيد روحاني؟
حتى الآن غير واضح، خصوصًا أن رئيس مجلس إصلاحي من قلب الحكومة قد يؤدي إلى انقسام شديد، وإلى مواجهة قوية مع المتشددين. أما لاريجاني، فإنه من جهة أخرى، قد أظهر قدرته على التعاون مع روحاني في المساعدة على التصديق على الاتفاق النووي مثلاً، والموافقة على خطط أخرى للحكومة. لذلك ولأسباب المنفعة السياسية، فإن روحاني قد يفضل الاستمرارية في مكتب رئيس المجلس. إلى جانب انتخابات رئيس مجلس الشورى، فإن مجلس الخبراء الجديد من المتوقع أن ينعقد هو الآخر في نهاية هذا الشهر لاختيار رئيس جديد ليحل محل آية الله محمد يزدي الذي فشل في إعادة انتخابه لرئاسة المجلس. وستكون لمجلس الخبراء ورئيسه أهمية حاسمة في مرحلة ما خلال السنوات الثماني المقبلة، لأن من المهمات التي تنتظرهما إدارة عملية انتقالية كاملة إلى مرشد جديد، إذا ما توفي المرشد الحالي آية الله علي خامنئي، أو إذا ما أصبح عاجزًا.
في الوقت الحالي، تعكس نتائج الانتخابات الأخيرة دعم الرأي العام الإيراني لمواقف روحاني المعتدلة نسبيًا، وتوفر له مجالاً أكبر لتعزيز مبادراته. هذا بدوره يزيد من الضغط عليه للإيفاء بما وعد بتحقيقه، ومن المتوقع أن يبحث المحافظون عن طرق بديلة لزعزعة مصداقيته وجعله رئيسًا ضعيفًا. المراقبون سيتابعون عن كثب كيف سيناور ويسجل روحاني نقاطًا وإنجازات في هذه الديناميكية السياسية الجديدة وهو يدخل المرحلة النهائية من ولايته الأولى.
كأن هناك نظامين في إيران؛ واحد يدير السياسة الخارجية المتطرفة في العالم العربي، وآخر يريد أن يظهر وجهًا جذابًا يشد الاستثمارات الغربية. لكن هل سيستطيع روحاني تجاوز التدخل الإيراني الدموي في سوريا، والتدخل الإيراني القائم على التفرقة والظلم في العراق، وحيث إيران تستخدم تقنية الحفر لسرقة النفط من العديد من حقول النفط في جنوب العراق!!
أو التدخل الإيراني القاتل في اليمن؟
هل سيستطيع روحاني أن يقنع المرشد بأن مصلحة الشعب الإيراني يجب أن تتفوق على مصلحة «حزب الله» في لبنان؟
هناك حسابات إقليمية كثيرة يعتمدها النظام للمحافظة على بقائه، والاتفاق النووي الذي نجح الثنائي روحاني – ظريف في إقناع الغرب به، لا يبدو أنه يحمل معه «مفتاح السحر» الذي سيحل كل المشكلات الإيرانية.
بعد أسبوع ستكتمل «تركيبة» روحاني الداخلية، ومعها سيدخل في الاختبار الحقيقي!
– See more at: http://elaph.com/Web/NewsPapers/2016/5/1089251.html#sthash.hPYtFH6t.dpuf