منذ أكثر من ثلاثة عقود نشرت دراسات اشتراكية تفاصيل كثيرة حول الاستراتيجية الامريكية في امريكا اللاتينية وتحدثت عن كيف تستعد كلاب الحرب التابعة للبنتاجون للانقضاض على نيكاراجوا، والسلفادور، وكوبا. وققد لخصت «يواس نيوز اندويرلد ريبورت» بصراحة غير معهودة، جوهر دبلوماسية القوارب المسلحة التي تتبعها في عهد رونالد ريجان في الكلمات التالية «طوال فترة حوالي 150 عاماً تدخلت القوات المسلحة الامريكية في امريكا الوسطى والكاريبي اكثر من 60 مرة لاسقاط الحكومات، واقامة انظمة موالية، ومساندة المصالح الاقتصادية الامريكية» ومواصلة لسياستها القائمة على الابتزاز والقرصنة، قذفت واشنطن بقواتها ضد جرينادا الصغيرة. وهي تشن حرباً غير معلنة ضد حكومة وشعب نيكاراجوا وتحاول قمع حركة التحرر في السلفادور.
ان صقور البنتاجون اذ يتجاهلون دروس هزيمتهم الساحقة في فيتنام، يعتقدون ان بامكانهم ان يعكسوا بسهولة وسرعة مجرى الاحداث في امريكا الوسطى والكاريبي اذا ما استخدموا آلة الحرب الامريكية لتوجيه ضربة لنيكاراجوا والسلفادور وكوبا. ومع ذلك لم يتمكن ريجان من القيام بذلك. فما هو السبب؟
في تلك الظروف والاوضاع السياسية لا يمكن لاي امرء ان يتكر بان توازن القوى العالمي قد تحول ضد الامبريالية. وثانياً، تلقى شعوب امريكا الوسطى والكاريبي مساندة نشطة من جانب الاتحاد السوفيتي والبلدان الاشتراكية الاخرى. وثالثاً: تحظى هذه البلدان بتعاطف حار من جيران لهم هيبتهم في المنطقة كالمكسيك وفنزويلا وبناما.
ورابعاً لا تحظى امريكا بدعم كامل من حلفائها في اوروبا الغربية، واخيراً ان سياسية واشنطن في تلك المنطقة تواجه مقاومة متزايدة في الولايات المتحدة نفسها.
في كتاب «الخوف والامل» للصحفية الامريكية «بيني ليرنو» التي عاشت في امريكا اللاتينية لمدة 23 عاماً تقول: ان المعونات العسكرية لبعض دول هذه المنطقة تحافظ على استمرار النظام السياسي المعادي للديمقراطية الذي يقوم فيه العسكريون المحليون بدور جيش احتلالي، ويعامل الشعب على انه العدو!
والثورة في المنطقة لها ما يبررها، كما تؤكد المؤلفة، لان كافة الطرق قد سدت امام التغيير، ليس لمجرد سنوات قليلة، وانما لقرون. وقد دمرت المحاولة الوحيدة للتغيير من خلال الاصلاح بدلاً من الثورة في جوايتمالا عام 1954، بمساعدة وكالة المخابرات الامريكية ولا تستطيع الادارة الامريكية، في نظر الكاتبة، ان تفهم المشاعر الوطنية لشعوب امريكا اللاتينية او عمق الانقسامات الطبقية في المنطقة، وهي لا تدرك ان حقوق الانسان في امريكا الوسطى تتضمن، قبل كل شيء، الحق، الحياة والمأكل، والعمل والقراءة والكتابة.
ويعتبر كتاب «النهج المتغير» الذي كتبه فريق من الخبراء في مشاكل امريكا اللاتينية، عملاً مدروساً يقدم نقداً عميقاً لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة ويطرح بديلاً ديمقراطياً.
واليوم نرى التدخلات الامريكية في امريكا اللاتينية والعالم الثالث تعتمد التدخل من خلال الهيمنة الاقتصادية وليس العسكرية المباشرة. وفي كتاب «اعترافات قاتل اقتصادي» للمؤلف الامريكي «جون بيركنز» العميل السابق لوكالة الامن القومي الامريكية، يقدم اعترافات عن الممارسات التي تلعبها البنوك والشركات العالمية لسرقة دول العالم الثالث واغراقها بالديون ومن ثم وضعها تحت اشراف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في حين تسرق الشركات المتعددة الجنسيات ثروات دول العالم الثالث!
في هذا الاصدار الذي نقله الى العربية بسام ابوغزالة يشرح اسلوب الولايات المتحدة الحديث في بناء امبراطوريتها، واخضاع العالم لها، وهو كما يؤكد من خلال تجربة المؤلف الشخصية لا يختلف عن الاسلوب الامبريالي القديم في انه لا يلجأ للقوة العسكرية الا بعد استنفاد كل الوسائل ويسهب الكاتب في شرح ذلك باعتبار انه كان واحدا من «القتلة الاقتصاديين» وهو تعبير كان متبعا رسميا حين دُرب على وظيفته.
وقد لخص الكاتب مهمته بقوله: كانت وظيفتي «ان اشجع زعماء العالم على الوقوع في شرك قروض تؤمن ولاءهم. وبهذا يمكننا ابتزازهم متى شئنا لتأمين حاجاتنا السياسية والاقتصادية والعسكرية» فاذا رفض حاكم دولة ما غواية القتلة الاقتصاديين، تحرك للعمل من يسمون الواويات (بنات اوى) وهؤلاء مجرمون محترفون مهمتم تصفية الحاكم العنيد تصفية جسدية ما حصل لمصدق في ايران عام 1953 – او الاطاحة به والاتيان بحاكم مطيع.
وقد كان هذا مصير «جيم رلدس» رئيس الاكوادور، و«عمر توريجس» رئيس بنما، اللذين اغتيلا في حادث تحطم طائرتهما واحتراقهما!
ويطالب الكاتب الشعب الامريكي بان يتحرك، لان جشع حكامه، وهم من يمثلون الشركات الكبرى، يزيد من حقد العالم على الولايات المتحدة وكرهه لها، وهو ما يقود الى اعمال ارهابية ضد الشعب الامريكي وفي عقر داره كما حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001.
فهل نقعد نحن بانتظار ان تتحسن اخلاق الساسة الامريكيين فيكفوا شرهم عنا؟
واليوم ونحن نتابع ما يحدث في البرازيل كل الاستنتاجات تقول: ان التدخل الامريكي في الشؤون الداخلية لهذا البلد يحظى برعاية «القتلة الاقتصاديين» ويرى مراقبون ان السعي لاقالة الرئيسة البرازيلية «ديلما روسيف» يصب في صالح الولايات المتحدة التي تلعب الان دورًا كبيرًا لتغيير النظام في فنزويلا!